اتساع القلق بشأن ارتفاع الاقتراض الخارجي للدولة المصرية

بدأت القاهرة في التعامل بحذر مع قضية الاقتراض بعد أن ارتفع الدين العام الخارجي لمصر خلال السنوات الخمس الماضية بنحو 13.7 مليار دولار، ليصل إلى أكثر من 48 مليار دولار.
وطلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من وزارة التعاون الدولي ضرورة عدم التوسع في الاقتراض من الخارج، إلا للمشروعات التي تستطيع الوفاء بأقساط القروض دون أن تحمل موازنة الدولة أعباء إضافية.
وتهدف استراتيجية السيسي الجديدة إلى عدم تحميل الأجيال القادمة أعباء الديون التي تم التوسع فيها بشكل كبير. وكانت القاهرة تسير على مبدأ التوسع في الاقتراض طالما يوجد مقرضون بغض النظر عن طريقة سداد تلك القروض.
وأصدرت وزارة التعاون الدولي كتيبا حول الأسئلة الشائعة بشأن اتفاقيات القـروض والمنح، وأكـدت فيـه أن الاقتـراض من الخارج له آثار إيجابية على الأجيال المقبلة.
وقالت سحر نصر وزيرة التعاون الدولي لـ“العرب”، “إن القروض الموجهة للاستثمار في البنية الأساسية، ومشروعات المياه والصرف الصحي، ومحطات الكهرباء وبناء الوحدات السكنية لها آثار إيجابية على الأجيال المقبلة”.
|
وأضافت أن جميع هذه الأمور تعزز من جذب الاستثمارات مستقبلا وتوفر فرص العمل وزيادة الإنتاجية.
ووصل نصيب المواطن من إجمالي الدين العام الخارجي إلى نحو 528 دولار، في وقت قدرت فيه وزارة التعاون الدولي حجم القروض والمنح خلال العامين الماضيين بنحو 10 مليارات دولار. ويتوزع إجمالي الدين العام لمصر على نحو 86 بالمئة للديون المحلية من خلال السندات وأذون الخزانة والأدوات المالية، ونحو 10 بالمئة للديون الخارجية، إضافة إلى المشروعات الممولة من الخارج والتي تصل نسبتها إلى نحو 4 بالمئة من إجمالي حجم الدين.
وقالت بسنت فهمي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إن الرئيس السيسي طلب من الحكومة عدم التوقيع على قروض جديدة لتمويل أي مشروع، إلا بعد التأكد من القدرة على السداد، وهو ما يعني ضرورة تقليل مخاطر الاقتراض.
وأوضحت لـ“العرب”، أنه لا مانع من حصول الحكومة على القروض بغرض تنفيذ المشروعات لا سيما أن معدلات الاقتراض الخارجي لا تزال عند مستويات آمنة وتدور حول 6 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي.
وأشارت إلى أن الاقتراض ليس حلا لمواجهة نقص العملة الأجنبية في البلاد، وإنما ينبغي زيادة التدفقات الأجنبية من خلال زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر أو تعزيز إيرادات السياحة ودخل قناة السويس، بوصفها المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر.
واستحوذ قطاع التعليم على 65 بالمئة من إجمالي القروض والمنح خلال عام 2015، فيما استحوذت قطاعات البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والزراعة والخدمات المصرفية وتوليد الطاقة على نحو 5 بالمئة بالتساوي لكل قطاع.
|
ويؤكد مدحت نافع خبير الاستثمار والتمويل أن هناك معدلات مثالية لنسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالي، وضعها الاقتصاديون خاصة الذين على علاقة بصندوق النقد الدولي.
وقال لـ“العرب” إن “المعدل المثالي للدول المتقدمة يجب ألا تزيد فيه تلك النسبة عن 60 بالمئة، أما في الدول النامية، مثل مصر فلا ينبغي أن تزيـد تلك النسبـة عـن 40 بالمئـة فقط”.
وكشفت بيانات عام 2013 أن دولا متقدمة تجاوزت تلك النسبة كثيرا، بل وبلغت نسبة الدين العام الإجمالي إلى الناتج المحلى الإجمالي في الولايات المتحدة 104.5 بالمئة، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
كما بلغت في اليابان تلك النسبة نحو 243 بالمئة وسجلت فرنسا 92.2 بالمئة، لكن دولا أخرى أقل تقدما مثل الهند حافظت على نسب أقرب إلى المعدلات المثالية عند 66.7 بالمئة.
وكانت الصين أكثر تحفظا من أي معدلات مثالية حيث سجلت نحو 22.4 بالمئة عام 2013.
وبلغت نسبة الدين الحكومي العام لمصر إلى الناتج المحلى الإجمالي نسبة 98.4 بالمئة في نهاية يناير الماضي، حيث مثّل الدين الخارجي إلى الناتج ما نسبته 6.6 بالمئة وشكل الدين المحلي ما نسبته 91.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار نافع إلى إنه على الرغم من التفاؤل المفرط في تقديرات موازنة 2016-2017 التي تبدأ اليوم الخميس، لكن الدين العام سيصل إلى نحو 349 مليار دولار بنسبة تصل إلى 97 بالمئة من الناتج المحلى الإجمالي.
كما أوضح أن تلك التقديرات تفتـرض تحقيق الإصلاحات المالية المؤلمة، التي مـن دونها تصل تقديـرات الديـن العـام إلى مـا يزيد عـن 115 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويعتقد الخبير أن المؤشرات الأخيرة تؤكد اتجاه الحكومة ممثلة في وزارة التعاون الدولي إلى التوسّع في الاقتراض الخارجي طالما توافرت لدى الحكومة القدرة على جمع القروض، بغض النظر عن قدرتها على سداد تلك القروض.
وأوضح أن الفـرق كبير لأن القـدرة على الاقتـراض ينبغـي أن تكـون مشروطـة بتعهـد الـدولة والتـزامهـا بالسداد في ظـل مـا هـو سائـد مـن ظـروف اقتصـاديـة حاليـة وتصنيـف ائتماني سائد، خاصة أن عبء السداد يتم ترحيلـه باستمـرار إلى الأجيـال القـادمة.