اتحاد الشغل يصب الزيت على نار الأزمة في تونس

حضور الاتحاد العام التونسي للشغل في الاحتجاجات زاد في الفترة الأخيرة، وهو ما يتيح له تحقيق جملة من الأهداف من بينها الضغط على السلطة، ودفعها إلى فتح قنوات التواصل مع قيادته، وخاصة الاعتراف بدوره السياسي وعدم الاكتفاء بالتحرك في المربع التفاوضي مع الحكومة.
تونس - يعمل الاتحاد العام التونسي للشغل على ركوب موجة الاحتجاجات التي تشهدها بعض المناطق خصوصا في الجنوب، في مسعى للعودة إلى الواجهة، والتمسك بالدور السياسي الذي يريد أن يلعبه بدل أن يكتفي بدوره كمنظمة اجتماعية ونقابية تقوم علاقتها بالسلطة على الحوار والتوافق بدل الصدام.
وكشف خطاب متحدثين باسم الاتحاد في احتجاجات مدينة صفاقس عن أن المنظمة النقابية ترى في التحركات الاحتجاجية ذات البعد المطلبي فرصتها في العودة إلى الواجهة سياسيا بعد أن أهملها الرئيس قيس سعيد ووضعها في الموقع الذي يليق بها، وهو الحوار مع الحكومة في ما يتعلق بالمسائل الاجتماعية التي تخص العمال والموظفين.
ويقول مراقبون سياسيون إن اتحاد الشغل يسعى لتوظيف كل احتجاج في أي منطقة في البلاد لتذكير مختلف الأطراف، وخاصة الرئيس سعيد بأن الاتحاد طرف رئيسي في الساحة السياسية، وهو لأجل ذلك يعمد إلى تضخيم الاحتجاجات والإيحاء بأن تونس تعيش أوضاعا صعبة، وأن الأفق غير مطمئن.
وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري في كلمة له خلال ندوة نقابية إن “تونس في نفق خطير وأن الوضع الحالي غير مريح ومقلق”، محذرا من أن “البلاد تشهد نزعة لإعادة الوضع إلى مربع ما قبل 2011”.
وجدد الطاهري رفض الاتحاد العودة إلى ما قبل 2011 أو إلى ما قبل 25 يوليو 2021 أو البقاء في هذا الوضع الغامض”، مؤكدا أن “الاتحاد لم يبق ساكتا ويرفض تواصل هذا الوضع في ظل غياب التشاركية ورفض السلطة الحالية التفاوض مع أي كان”، معتبرا أن “الحكومة عوّلت في الفترة الأخيرة على الحلول السهلة مما خلق أزمات مستمرة ومتكررة”.
وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي “مع الأسف الاتحاد ما زال يعتقد أن المنظومة السياسية بعد 25 يوليو 2021 ستتعامل معه مثل التي قبلها، وأنها ستسمح له بلعب دور سياسي”، مشيرا إلى أن “الاتحاد انتقل إلى 25 يوليو بتفكير 24 يوليو بعد أن ساند المسار في البداية”، ثم بدأ بالانقلاب على موقفه منه بسبب رفض قيس سعيد الدور المضخم للمنظمة وتدخلها في ملفات لا تعنيها.
وأضاف الرابحي في تصريح لـ”العرب” أن “نورالدين الطبوبي (الأمين العام للاتحاد) يعتقد أنه خسر هذا الدور السياسي، ولأجل ذلك هو يريد أن يلعب كل الأدوار الممكنة في البلاد (الاجتماعية والنقابية والسياسية)”.
وأشار الرابحي إلى أن “المنظمة لها طموحات سياسية، وأن اتحاد الشغل يريد اختيار رئيس حكومة قريب من المنظمة ووزير شؤون اجتماعية أيضا يتفق مع توجهاتها، فضلا عن تحديد الخطط الإستراتيجية للبلاد، كما لا ننسى أن الاتحاد سبق وأن رفض تعيين وال (محافظ) في قابس (جنوب) وهو تدخل خطير ومباشر في السياسة”.
وسبق أن عبر المكتب التنفيذي الجهوي للاتحاد العام التونسي للشغل في قابس عن رفضه للتعيينات التي وصفها بـ ”غير المدروسة” على رأس هرم السلط الجهوية.
وأشار الاتحاد الجهوي للشغل بقابس في مراسلة إلى رئيسة الحكومة نجلاء بودن إلى انعدام التجربة في التسيير الإداري في حجم المسؤول الأول على الجهة، محملا رئيسة الحكومة المسؤولية عما ينجر من تداعيات هذه التسميات غير المدروسة.
وتعتبر شخصيات سياسية أن المنظمة النقابية غير معنية بلعب دور سياسي نظرا إلى طبيعة دورها الاجتماعي، وأن على الاتحاد أن يغير البوصلة ويركز على التفاوض مع الحكومة بشكل مباشر بدل الهجوم عليها في الاجتماعات ووسائل الإعلام.
وأكد زهير حمدي أمين عام التيار الشعبي الداعم لقيس سعيد أن “الاتحاد من حقه أن يعبّر عن تخوفاته، ولكن ليس إلى حدّ لعب دور سياسي وهو ليس حزبا سياسيا أو طرفا معنيا بالقضايا السياسية، بل إن دوره اجتماعي بالأساس وغير معني بممارسة الحكم والسلطة”.
وأردف حمدي في تصريح لـ”العرب” أن “الاتحاد ساند مسار 25 يوليو، وهو الآن ينظر بعدم الرضا إلى هذه المرحلة”.
وتم الخميس تنظيم وقفة احتجاجية دعا إليها المكتـب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس احتجاجا على تفاقم أزمة النفايات، ورفع المحتجون شعارات مندّدة بخطورة الوضع البيئي الذي تعيشه المحافظة مطالبين برحيل المحافظ.
واعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان أن “الاتحاد يبقى دائما موجودا وحضوره في المشهد واضح وهو يراقب بانشغال ما يجري خصوصا في الجنوب التونسي، وهو غير راض عن إدارة الأزمة في مدينة جرجيس”.
وأكّد الترجمان لـ”العرب” أن “تحوّل الاتحاد إلى حزب سياسي يقلل من دوره النقابي والاجتماعي، وهو يريد أن يكون شريكا في حلّ الأزمات بالدعوة إلى الحوار مع كل الأطراف”.
ووصفت أوساط تونسية تحرك الاتحاد العام التونسي للشغل وإعلان الإضراب العام في مدينة جرجيس جنوب البلاد على خلفية فاجعة غرق قارب مهاجرين بأنه لا يخلو من دوافع سياسية في علاقة بسعي الاتحاد للضغط على الرئيس سعيّد وإحراجه.
وحرص الاتحاد على مدار الأشهر الماضية على توظيف الأزمات التي تواجهها البلاد للتسويق إلى أن السلطة السياسية القائمة عاجزة عن إدارة الوضع في البلاد، في الوقت الذي تحذر فيه الأوساط من أن النهج التصعيدي الذي تتبناه قيادة المنظمة النقابية لن يزيد الوضع العام إلا تأزما.
وشل إضراب عام مدينة جرجيس التابعة لمحافظة مدنين منذ أيام، وخرج الآلاف من المحتجين إلى الشوارع وسط تنامي الغضب بعد فقدان أبنائهم في غرق مركب كان يقلهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، وللتنديد بدفن جثث آخرين في مقبرة للمهاجرين دون تحديد هوية المدفونين فيها.
وكان الاتحاد المحلي للشغل دعا في وقت سابق إلى إضراب عام، بعد حالة الاحتقان والاحتجاجات التي شهدتها المدينة على مدى أيام، ويقول مسؤولو الاتحاد إن هذا الإضراب هدفه الضغط على السلطات لبذل كل ما في وسعها من جهد للكشف عن مصير المفقودين سريعا ومحاسبة المتورطين في دفن غرقى من أبنائهم دون تحديد هوياتهم.
وبعد إجراءات 25 يوليو 2021 دعا الاتحاد في ختام مؤتمره الانتخابي الرئيس سعيد إلى حوار تشاركي واسع لتنفيذ الإصلاحات السياسية بما فيها تعديل الدستور، معتبرا أن الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها سعيد لا يمكن بأيّ حال أن تعوض الحوار.