اتحاد الشغل يروّج لاستهدافه من السلطة وثنيه عن أداء دوره

تونس - يحاول الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، الظهور في صورة الطرف المستهدف من السلطة في المشهد التونسي خلال الفترة الأخيرة، بعدما تأكّد من عدم الحصول على دور "سياسي" في توجهات الرئيس قيس سعيد ومسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.
وأصبحت الأمانة العامة للمنظمة النقابية بقيادة نورالدين الطبوبي، تستغل كل الفرص السانحة لكسب "تعاطف" شعبي في الشارع، في مسعى للتقليص من وطأة إجراءات الرئيس سعيّد التي عجّلت بفقدانها لصلاحيات سياسية، كانت قد منحتها لها الحكومات المتعاقبة في إطار محاصصات حزبية بعد ثورة يناير 2011.
ويقول مراقبون إن ذلك يتعزز مع مساعي السلطة إلى معالجة وضعيات المؤسسات العمومية والتفكير في خصخصتها، حيث تمثل قاعدة كبيرة لها، وهو ما يعبر أيضا عن رفض الاتحاد للسياسة الرسمية نحو إصلاح هيكلي للوضع الاقتصادي والمالي.
وقال نورالدين الطبوبي أمين عام المنظمة، إن "استهداف نقابيي صفاقس (شرق) وسرعة تحويل الشكاية إلى محاكمة والاحتفاظ بالكاتب العام الجهوي لاتحاد الشغل بصفاقس محاولة جس نبض للمركزية النقابية أجهضها تضامن النقابيين وقوة وحدتهم".
وأضاف الطبوبي في كلمة افتتح بها أشغال الهيئة الإدارية الوطنية المنعقدة استثنائيا بمدينة الحمامات "استهداف كاتب عام جهوي سيتبعه تسلسل آخر ليس بالأمر الجديد علينا وهي محاولة لجرنا إلى مربع التصادم وجس نبض النقابيين قد تم إجهاضها في صفاقس"، لافتا إلى أن "محاولات البعض مستمرة لجرّنا نحو مربع الصدام لكن لدينا القدرة على الصبر والصمود".
وتوجه الطبوبي مخاطبا وجيه الزيدي كاتب عام جامعة النقل "ما مررت به وأنت شاب في مقتبل العمر امتحان سيزيد عودك صلابة أنت ورفاقك في قطاع النقل وها قد ظهر الحق وزهق الباطل".
وقال سامي الطاهري المتحدث الرسمي باسم الاتحاد، إنّ "لدى الاتحاد معطيات حول سياسة ممنهجة تهدف إلى هرسلة النقابيين بالمحاكمات وتضخيم القضايا المرفوعة ضدهم لمحاولة إثناء الاتّحاد عن الحديث في قضايا أساسية كارتفاع الأسعار وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وأزمة المالية العمومية وبالتالي إثنائه عن لعب دوره الوطني”، لافتا “لكن رغم الهرسلة سنلعب دورنا الوطني كما عهدتم الاتحاد العام التونسي للشغل".
وكثيرا ما دعا اتحاد الشغل السلطة إلى تنظيم حوار وطني، في خطوة لاسترجاع دور سياسي مفقود، لكن متابعين للشأن التونسي، يرون أن بعد إجراءات الرئيس سعيد، التي أفرزت مؤسسات دستورية منتخبة أبرزها مجلس نواب الشعب وأفضت إلى صياغة دستور جديد، لم يعد هناك ما يبرّر الذهاب إلى حوار.
وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي إن "الاتحاد أصبحت له عدة خطابات، خطاب للطبوبي وخطاب لسامي الطاهري الذي قال إن المنظمة مستهدفة رأسا من قبل الرئيس سعيد وهناك أطراف تدفع نحو التصادم بين الطرفين".
وأكّد في تصريح لـ"العرب" أن "الاتحاد ما زال يتخبّط ويبدو أن هناك العديد من التوجهات داخله، ولم نر إلى حدّ الآن موقفا واضحا له واكتفى بلعب دور الضحية". ويرى الرابحي أن “المنظمة فقدت بريقها وموقفها السياسي وسبق أن زجّت بنقابة التعليم في الصراع السياسي”.
وخصصت السلطة التونسية لاتحاد الشغل، بعد الخامس والعشرين من يوليو، مجالا معينا من التحرك يقتصر على أداء مهام نقابية واجتماعية دون الاقتراب من دائرة صنع القرار السياسي، وهو ما لم تفهمه قيادة الاتحاد، وظلت تراوح بين التصعيد والتهدئة في صراعها مع السلطة.
وما زالت الأمانة العامّة للاتحاد، شأنها شأن بقية مكوّنات الطبقة السياسية المعارضة في تونس، لم تدرك بعد معاني الخطاب السياسي للرئيس سعيّد ودلالاته، وتستمر في تكرار مطالب حسمت السلطة في شأنها.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “اتحاد الشغل وضع نفسه في زاوية بعد قطع جسور التواصل مع المعارضة التي تقودها جبهة الخلاص، وكان يراهن على الحصول على موقع شريك في السلطة بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، لكنه لم يحصل على هذا الدور”.
وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن “العلاقة بين الاتحاد والسلطة انتقلت من البرود إلى التوتر، حيث يعود آخر لقاء للأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي مع أحد ممثلي السلطة، وزير الداخلية كمال الفقي إلى السنة الماضية تقريبا”.
وأردف ثابت “هناك توجه من السلطة نحو معالجة وضعيات المؤسسات العمومية، لكن الاتحاد يرفع الفيتو ويرفض الخصخصة الآلية لتلك المؤسسات مستندا في ذلك على قواعده في المؤسسات العمومية التي تخضع لسلطة الاتحاد بنسبة 50 في المئة”، لافتا إلى أن “المنظمة الشغيلة تخشى أن تتم عملية الخصخصة الجزئية، وبات من الواضح أنها ترفض السياسة الرسمية نحو إصلاح هيكلي للوضع الاقتصادي في علاقة بالتوازنات المالية”.
واعتبر المحلل السياسي أن “السلطة الآن في اتجاه ما هو مطلوب من إصلاحات بطريقة صامتة، وهذا ما يعتبره الاتحاد استهدافا له”. واستطرد قائلا “الاتحاد يعتبر أن دخول السلطة إلى هذه المنطقة يشكل استهدافا لمعاقله الاجتماعية، وهو لا يزال قائما كتنظيم ومعقل الشركات والمؤسسات العمومية”.
وعلى عكس السنوات الماضية، أصبحت تحركات المنظمة النقابية محدودة، بعد أن كانت تفرض على الحكومات تقديم التنازلات والقبول بشروطها، على غرار المطالبة بزيادة الرواتب أو إقرار علاوات للموظفين.