اتحاد الشغل يتمسك بحوار مرفوض من السلطة في تونس

يواصل الاتحاد العام التونسي للشغل البحث عن دور سياسي مفقود في المشهد بعد إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، بالدعوة إلى تقديم مبادرة حوار وطني رغم وجود مؤسسات السلطة، في محاولة لتكرار تجربة الحوار الذي جرى في العام 2013.
تونس - لا يزال الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد، يتمسك بتنظيم حوار وطني ترفضه السلطة، في وقت يرى فيه مراقبون أن من غير المنتظر أن تحقق المبادرة أهدافها، خصوصا مع نهاية المسار الانتقالي في البلاد وتأكيد الرئيس قيس سعيّد أنه “لا يمكن العودة إلى الوراء”.
ويقول متابعون للشأن التونسي إن المبادرة التي يعدّها اتحاد الشغل بمعية ثلاث منظمات وطنية وهي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، هدفها خلط الأوراق، مع اقتراب نهاية المرحلة الانتقالية.
ويضيف هؤلاء أن الاتحاد يعتقد أن المبادرة من شأنها أن تعيد له تلك المكانة، التي تآكلت خلال العامين الأخيرين، فضلا عن كونها خطوة لاسترجاع دور سياسي مفقود في المشهد.
وقال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري إنّ “الحوار أساسي وهو القادر على تجنيب البلاد الاضطراب وحالة عدم الاستقرار، وتجاوز كلّ المشاكل التي تعانيها منذ أكثر من عشر سنوات”، مؤكّدا “أهمية تنظيم حوار تشارك فيه كلّ القوى الحية الوطنية في البلاد”.
وعبّر الطاهري في تصريح إعلامي لدى إشرافه السبت على أشغال المكتب التنفيذي الموسّع للاتّحاد الجهوي للشغل بمدنين (جنوب)، عن أمله في قبول مبادرة الرباعي والتوجّه نحو الحوار مع الحكومة، وفي غياب ذلك سيتم البحث عن أشكال أخرى لتجميع أكثر ما يمكن من الأطراف ومن المنظّمات والأحزاب حول المبادرة.
وأوضح أنّ “أبناء تونس يدركون الحاجة إلى الاتحاد وإلى هذه المنظمة، وأن انفراد السلطة بهم كموظفين أو عملة أو فئات اجتماعية سيؤدي إلى التفقير والتجويع ورفع الدعم ووقف التعيينات وتزايد نسبة البطالة وغيرها من المشاكل”.
ودخل الاتحاد في معركة ليّ أذرع مع السلطة من بوابة رفض قبول الحكومة بشروط يطرحها صندوق النقد الدولي في مفاوضات متعثرة، للموافقة على برنامج تمويل بنحو 1.9 مليار دولار تحتاجه تونس بشدة في مواجهة أزمة مالية طاحنة.
وقال أستاذ العلوم الجيوسياسية بالجامعة التونسية رافع الطبيب إن “القيادة الحالية لاتحاد الشغل والمنبثقة عن المؤتمر الانقلابي الذي انتظم في سوسة، تعيش حالة من الاختناق بعد أن فقدت أدوارها السابقة في المشهد السياسي”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “معركة كسر العظام بين الاتحاد والسلطة جسدتها المفاوضات بين وزارة التربية ونقابات التعليم في الفترة الأخيرة، فضلا عن الانسلاخات الجماعية التي تشهدها المنظمة، وقيادات الاتحاد تريد اختراقا سياسيا ووضع نفسها في حوار بهدف غض نظر السلطة عنها في المحاسبة”، لافتا إلى أن “السلطة الآن فتحت كل الملفات والقيادة الحالية للاتحاد قد تكون معنية بذلك”.
وتابع “الاتحاد يطالب بحوار في وقت توجد فيه مؤسسات الدولة (الحكومة والبرلمان وغيرهما)، في المقابل لا توجد حركة النهضة ولا الترويكا ولا التيارات الثورية ولا كذلك وضع جيوسياسي إقليمي يسمح بتنظيم حوار، وهناك أحزاب على غرار آفاق تونس والمسار، اعتبرت أن الاتحاد لا يملك دورا في الوقت الحالي”.
وتساءل رافع الطبيب “بأي حال سيقابل الاتحاد الناس وقد شارك في الحكومات السابقة وكان جزءا من الأزمة التي أدت إلى بروز إجراءات 25 يوليو؟”.
ويبدو أن الاتحاد من خلال هذه المبادرة، يريد تكرار تجربة مبادرة الحوار الوطني، الذي جرى في العام 2013، لإنهاء أزمة سياسية خطيرة شهدتها البلاد آنذاك على إثر سلسلة من الهزات الأمنية، أخطرها اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وقد استفاد الاتحاد حينها من تلك التجربة بفرض نفسه رقما صعبا في المعادلة السياسية في تونس، عبر المشاركة في صياغة التحالفات التي قادت البلاد لعشر سنوات، والمساهمة في تشكيل حكومات وإسقاط أخرى.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “الاتحاد ورّط نفسه وتسرع في الإعلان عن تقديم مبادرة على الملأ، ولكن هذه المبادرة ولدت ميّتة، والمنظمة النقابية انتقلت إلى ما بعد الخامس والعشرين من يوليو بنفس الأفكار السابقة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “في سنة 2013 كان الوضع مغايرا لما عليه الآن وكانت البلاد في حاجة إلى حوار وطني باعتبار وجود حالة من الانقسام في المشهد واغتيالات سياسية طالت أبرز رموز المعارضة، لكن اليوم مؤسسات الدولة قائمة وموجودة (رئاسة جمهورية وحكومة وبرلمان) في انتظار إرساء المحكمة الدستورية ومجلس الأقاليم والجهات”.
واستطرد الرابحي “ربما يمكن التفكير في تنظيم حوار اقتصادي لمعالجة الصعوبات الاقتصادية والمالية بعيدا عن المجال السياسي”.
وحتى الآن، لم يعلن الاتحاد عن تفاصيل المبادرة، وهل ستقف عند الحوار السياسي، أم ستشمل الجوانب الأخرى خاصة الاقتصادية والمالية، ما يجعلها أقرب إلى إعلان نوايا فضفاض منها إلى مبادرة.
ويشكك كثيرون في دوافعها، محذرين من أن مثل هذه المبادرات الأحادية من شأنها أن تعمق أزمة البلاد، كما أنها تأتي في وقت حسم فيه الرئيس التونسي قيس سعيد الجدل بأن لا عودة إلى الوراء ولا حوار مع مكونات المنظومة السابقة.
وقال سعيد في فبراير الماضي إن “الفساد ينخر في البلاد كالسرطان ويتحدثون عن الخلاص والحوار فمع من الحوار؟ في حين تتمثل مشاكل الشعب التونسي الحقيقية في البؤس والفقر والتّهميش”.
وسبق أن انتقد رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة المبادرة ووصفها بالمنقوصة وتغيّب من يمثل الدولة، معتبرا أن البرلمان هو الأولى بأن يكون فضاء للحوار وليس اتحاد الشغل أو بقية المنظمات المشتركة معه.
وقال بودربالة في حوار لإذاعة محلية إن “مبادرة اتحاد الشغل منقوصة وهي لا تمثل إلا طيفا واحدا من المجتمع المدني وتقصي الدولة ممثلة في الحكومة ومنظمات وطنية أخرى، على غرار الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد النسائي”.
ووصف زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب المبادرة بـ”المنتهية والمتأخرة”. وأكد المغزاوي في تصريح إعلامي أن رفض الرئيس للمبادرة لا يعني رفض الحوار بشكل عام، معتبرا أن “البرلمان الحالي مطالب بالحوار مع الاتحاد والقوى السياسية” .
وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل في يناير الماضي عن بدء الاجتماعات التنسيقية من أجل صياغة مبادرة يقول إن الهدف منها “إنقاذ” البلاد من الانهيار.
وجاء الإعلان عن بدء المفاوضات من أجل صياغة المبادرة قبل يومين فقط على إجراء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، التي شكلت المحطة الأخيرة من المسار الانتقالي، الذي انطلق في الخامس والعشرين من يوليو 2021.