اتحاد الشغل التونسي يعود للمطالبة بحوار مرفوض من السلطة

الطبوبي يدعو إلى تنظيم حوار شامل منفتح على القوى الديمقراطية.
السبت 2023/10/07
الوضع مغاير لما سبق

يكثّف اتحاد الشغل التونسي من محاولاته لإقناع السلطة بالذهاب نحو حوار يسعى من خلاله إلى إعادة خلط الأوراق السياسية من جديد واسترجاع مكانة مفقودة، حيث باتت الأمانة العامة للمنظمة تقتنص كل الفرص السانحة لفتح قنوات التواصل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية التي تتجاهلها.

تونس - جدّد الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، دعواته إلى تنظيم حوار شامل ومنفتح على مختلف القوى الديمقراطية، وهو مطلب رفضته السلطة مرارا، خصوصا بعد تركيز المؤسسات السياسية (الحكومة والبرلمان) عقب إجراءات الرئيس قيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو 2021.

ويرى مراقبون أن الأمانة العامّة للاتحاد، فضلا عن مكوّنات الطبقة السياسية المعارضة في تونس، ما زالت لم تدرك بعد معاني الخطاب السياسي للرئيس سعيّد ودلالاته، وتستمر في تكرار مطالب حسمت السلطة في شأنها.

ويقول هؤلاء إن المنظمة النقابية تضع نفسها مرّة أخرى أمام محاولات يائسة لكسب ودّ السلطة والتقرّب منها بفتح قنوات التواصل معها، أملا في الظفر باسترجاع دور يمكّنها من المشاركة في صناعة القرارات السياسية.

 لكن يبدو أنه من غير المنتظر أن تحقق المنظمة العمّالية أهدافها، خصوصا بعد أن ظلّت مبادرة الحوار التي طرحتها مع عدد من المنظمات منذ قرابة سنتين عالقة، كما تصطدم بنهاية المسار الانتقالي في البلاد الذي يتعزّز بتأكيد الرئيس سعيّد بأنه “لا يمكن العودة إلى الوراء”.

خليفة الشيباني: الرئيس قيس سعيد اختار توجهه السياسي ومضى
خليفة الشيباني: الرئيس قيس سعيد اختار توجهه السياسي ومضى

واعتبر أمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي أن “تونس تعرف أزمة اقتصادية واجتماعية عمقت معاناة المواطنين في ظل تعطل الحوار الاجتماعي والسياسي الذي لن يزيد البلاد إلا تمزقا وانقساما”.

وجاء ذلك خلال كلمة ألقاها الجمعة لدى افتتاح المؤتمر السادس لنقابة الصحافيين التونسيين. وأضاف الطبوبي أنّ “هذه الأزمة تضع استقلال القرار الوطني في خطر من قبل قوى أجنبية”، مطالبا بـ”حوار شامل منفتح على القوى الديمقراطية لتكوين إرادة جماعية وتوافق حقيقي لتقاسم التضحيات”.

كما أكد الطبوبي على “دور الإعلام الحر في تطوير الحوار بين مكونات الشعب والدفع من أجل تحقيق أهدافه”. ويريد الاتحاد تكرار تجربة مبادرة الحوار الوطني، التي جرت في العام 2013، لإنهاء أزمة سياسية خطيرة شهدتها البلاد آنذاك على إثر سلسلة من الهزات الأمنية، أخطرها اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد براهمي.

وقد استفاد الاتحاد حينها من تلك التجربة بفرض نفسه رقما صعبا في المعادلة السياسية في تونس، عبر المشاركة في صياغة التحالفات التي قادت البلاد لعشر سنوات، والمساهمة في تشكيل حكومات وإسقاط أخرى.

وكان الاتحاد هو الحزب الحاكم والمعارض في نفس الوقت، حيث أشرف على الحوار الوطني في 2013 الذي أفضى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة مهدي جمعة، ومن وقتها كان حاضرا في التفاهمات التي تسبق أو تلي تشكيل أيّ حكومة. حصل على جزء من الوظائف الكبرى بالدولة، وساهم في تحديد السياسات الاجتماعية للحكومات.

لكن الأوساط السياسية والحقوقية في البلاد، تجمع على أن الظرفية الحالية مغايرة لما سبق، خصوصا بعد أن خصّصت السلطة للاتحاد مجالا ضيقا للتحرك النقابي والاجتماعي مع تحجيم دوره السياسي الذي كان يتمتع به في عهد حكومات منظومة الأحزاب.

وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “دعوة الاتحاد إلى الحوار، دليل على أن المبادرة التي طرحها في شكل رباعي مع عدد من المنظمات الوطنية قد انتهت، والحوار الشامل اليوم في حاجة إلى التفصيل”.

وأكد لـ”العرب” أن “الرئيس سعيد قال إنه ضدّ تسييس العمل النقابي”، متسائلا “الحوار مع من؟ وحول ماذا؟ وما هي آلياته؟ وهل سيكون تحت سقف إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021؟”، لافتا إلى أن “قيادة الاتحاد، والطبقة السياسية عموما، في تونس الآن لم تقرأ الخطاب السياسي للرئيس سعيّد الذي أكّد أن الحوار على طريقة قرطاج 1 وقرطاج 2 قد انتهى، ولا مجال للمقارنة بين الظروف الحالية، والظروف التي تمّ فيها تنظيم حوار وطني في 2013”.

باسل الترجمان: الطبوبي دخل في قطيعة مع السلطة فكيف سيتحاور معها
باسل الترجمان: الطبوبي دخل في قطيعة مع السلطة فكيف سيتحاور معها

وتابع الشيباني “الرئيس سعيد اختار توجهه السياسي ومضى، والاتحاد رغم تغاضي سعيد مازال لم يقطع خيط الصلة مع السلطة.. إنها محاولة أخرى من الاتحاد لمدّ يده للرئيس، لكن سعيّد أخذ طريقه السياسي”.

ويقول متابعون للشأن التونسي إن المبادرة التي أعدّها اتحاد الشغل بمعية ثلاث منظمات وطنية وهي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كان هدفها خلط الأوراق من جديد، خصوصا بعد إزاحة إجراءات سعيّد لمنظومة الأحزاب.

وكان الاتحاد يعتقد أن تعيد له المبادرة تلك المكانة، التي تآكلت خلال العامين الأخيرين، فضلا عن كونها خطوة لاسترجاع دور سياسي مفقود في المشهد. ويبدو أن الاتحاد لم يعد قادرا على بناء جبهة معارضة للسلطة بالتحالف مع أحزاب بعينها، حيث إن الأحزاب التي كان يتحالف معها يظهر أنها اختفت تماما بعد إزاحة الرئيس سعيد لمنظومتها.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان بأن “الطبوبي يريد البحث عن موقع له في المشهد، وهو يعلم جيّدا أنه أخرج قيادة الاتحاد من أي حوار ممكن، بعد أن عبّر عن توجهه السياسي وأبدى تعاطفه مع الموقوفين السياسيين”. وأوضح لـ"العرب" أن "الطبوبي دخل في قطيعة مع السلطة، فكيف سيتحاور معها؟"، مشيرا إلى أن ذلك "ذرّ رماد في العيون وهو محاولات يائسة".

ودخل الاتحاد في معركة ليّ أذرع مع السلطة من بوابة رفض قبول الحكومة بشروط يطرحها صندوق النقد الدولي في مفاوضات متعثرة، للموافقة على برنامج تمويل بنحو 1.9 مليار دولار تحتاجه تونس بشدة في مواجهة أزمة مالية طاحنة.

4