اتحاد الشغل التونسي يستغل ذكرى عيد العمّال للتأكيد على تماسك مفقود

سامي الطاهري: الاتّحاد متمسّك بوحدته واستقلال قراره.
الجمعة 2025/05/02
الاستعراض في الشارع لا يخفي الخلافات

مرّة أخرى، تحاول قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل تعويم الخلافات الداخلية مع معارضيها داخل المنظمة بالتأكيد في خطابها على تماسك صفوفها واستقلالية قرارها، وهو ما ينفيه مراقبون بالتأكيد على أن دائرة الصراعات داخل اتحاد الشغل تتوسع تدريجيا.

تونس- استعرض الاتحاد العام التونسي للشغل مجددا في الشارع بمناسبة الاحتفاء بذكرى عيد العمّال، في خطوة اعتبرها مراقبون أنها تأتي للتغطية على صراعات داخلية حادة تعيش على وقعها المنظّمة، وتحاول من خلالها الأمانة العامة التأكيد على تماسك نقابي يبدو مفقودا.

وبدا واضحا في خطاب أعضاء القيادة، على غرار الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي والأمين العام المساعد له سامي الطاهري، نوعا من التأكيد على التماسك والاستقرار داخل المنظمة من حيث التنظيم والهيكلة والقرار.

لكن متابعين للشأن التونسي، يؤكدون أن الخلافات الداخلية للاتحاد لم تعد مخفية بل أصبحت علنية أكثر من أي وقت مضى، وهو ما كشفته التطورات الأخيرة وأبرزها تنظيم بعض الاحتجاجات النقابية من أعضاء معارضين للقيادة.

وأفاد المتحدّث باسم الاتّحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، بأنّ “رسالة المنظّمة في عيد العمّال واضحة، وسيعبّر عنها الأمين العام نور الدين الطبوبي في خطابه، وهي رسالة رسمية تعبّر عن موقفنا من الوضع العام في البلاد، بما في ذلك الحريات التي أصبحت مهددة.”

وقال سامي الطاهري في تصريح لإذاعة محليّة: “نؤكّد اليوم، في عيد العمّال، على وحدة الاتّحاد واستقلاليته. كلّ دعوة تصدر من خارج هياكل الاتحاد لا تهمنا. هناك أصوات، بعضها كان نقابيًا، لكنّها الآن خارج الهياكل، تطالب بحلّ القيادة الشرعية وتعويضها، وهذا أمر مرفوض وغير منطقي.”

المنذر ثابت: القيادة غازلت المعارضة بالإشارة للحريات والديمقراطية
المنذر ثابت: القيادة غازلت المعارضة بالإشارة للحريات والديمقراطية

وشدّد المتحدّث باسم اتحاد الشغل على أنّ “كلّ من له رأي في الاتّحاد، من داخل الهياكل أو خارجها، نحن منفتحون على الحوار معه، لكن في إطار الاتحاد، وليس من خلال دعوات مشبوهة أو خارجة عن الأطر الشرعية،” وفق تعبيره.

وأضاف الطاهري: “نشهد اليوم تراجعًا في الحريات، وفي مقدّمتها الحقّ النقابي، وهو أحد أهمّ المكتسبات، في حين كان من المفترض فتح حوار شامل حول القضايا الكبرى التي تهمّ كل التونسيين. من حقّ مختلف مكوّنات المجتمع، من منظمات، وجمعيات، وأحزاب، ومواطنين، المشاركة فيه،” على حدّ تعبيره. وأكّد على أنّ “الوضع الاقتصادي صعب جدًا.”

من جهته، أكد نور الدين الطبوبي، على أهمية الحوار الاجتماعي كوسيلة أساسية لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد. وقال بمناسبة الاحتفال بعيد العمّال والتجمع العمالي بساحة محمد علي بالعاصمة “لا يمكننا حل مشاكلنا إلا من خلال حوار صادق وشفاف وهادف.”

كما أشار الطبوبي إلى انطلاق جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 مايو الجاري، لافتًا إلى أن التفاوض في قطاع التأمين سينطلق يوم 30 مايو الحالي، واصفا هذه الخطوة بأنها “بادرة إيجابية نحو الأفضل.”

وتتمثل الأزمة الداخلية للاتحاد في صراع بين معسكرين: معسكر الأمين العام (الطبوبي) الذي يريد أن يجدد قيادته بتعديل الفصل 20 من القانون الداخلي، والمعسكر المعارض الصاعد الذي يطمح لأخذ المشعل لقيادة اتحاد الشغل في المرحلة المقبلة.

وقال الكاتب والمحلل السياسي المنذر ثابت أن “التجمّع الشعبي الكبير بمناسبة عيد العمال يؤكد أنه لدى طبقة العمّال وعي في ظرف يعيش فيه الاتحاد حالة من الانكماش وتراجع الأداء، ويبدو أن القواعد متشبثة بهذا الاستثناء، لكن هذا لا يخفي حدّة الصراعات الداخلية في انتظار مؤتمر الحسم والذي لم تستجب القيادة الحالية لعقده إلى حدّ الآن.”

وأوضح في تصريح لـ”العرب”، “هي عملية استعراض شعبي لجماهيرية تقلّصت وتراجعت في مستوى التحركات النقابية والقطاعية، وهي مناسبة للعودة لواجهة الأحداث، والقيادة كانت حذرة في خطابها.”

مراد علالة: صورة الاتحاد اهتزت في الشارع النقابي التونسي
مراد علالة: صورة الاتحاد اهتزت في الشارع النقابي التونسي

ولفت ثابت إلى أن “الخلافات في اتحاد الشغل علنية، ويبدو أن المعارضة اتّخذت مسافة من التجمّع الرسمي للقيادة، وأعتقد أن الاتحاد سيظلّ في حالة من الاستقرار، والقيادة أرادت مغازلة المعارضة بالإشارة إلى مسألة الحريات والديمقراطية، ودائما يجلس الاتحاد بين مقعدين، يد ممدودة للسلطة وأخرى للمعارضة.”

ويقود قادة سابقون ونقابيون معارضون تحركات تطعن بشرعية القيادة الحالية وتدعو إلى مؤتمر استثنائي يعيد تشكيل مركز القرار داخل المنظمة، ومن جهة أخرى، ترفض القيادة المنتخبة أي حديث عن “أزمة داخلية”، معتبرة ما يجري خلافات عادية تعالج ضمن الأطر القانونية الداخلية.

ومع هذا التجاذب، يجد الاتحاد نفسه أمام لحظة دقيقة، لا تتعلق فقط بمصير هيكله التنظيمي بل أيضا بمدى قدرته على الحفاظ على استقلاليته التاريخية وسط اتهامات بالتقارب مع السلطة، وانقسامات غير مسبوقة داخل بعض قطاعاته الحيوية.

وأكد الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة أن “هناك أزمة داخلية للمنظمة، لكن الواقع يفرض عليها أن تكون حاضرة في هذه المناسبة، واتحاد الشغل مطالب لأسباب ذاتية وموضوعية أن يعبر لمنظوريه بأنه لا يزال يمسك بعديد نقاط القوّة.”

وقال لـ”العرب”، “المنظمة تتحرك داخل إطار مسار 25 يوليو، والأزمة الداخلية لم تعد خافية على أحد، ولاحظنا في الفترة السابقة تنظيم بعض الاعتصامات لتجاوز الأزمة.” وأبرز مراد علالة أن “الاتحاد فقد الكثير من بريقه وصورته اهتزت في الشارع النقابي التونسي، ولا بدّ من حلّ يعيد الشرعية والمشروعية لقيادة المنظمة.”

وخلال الأسابيع الأخيرة انفض اعتصامان متزامنان داخل مقر الاتحاد بالعاصمة تونس، أحدهما نظّمته مجموعة “اتحادنا للمعارضة النقابية”، وهي مجموعة من قدماء النقابيين يقودها الطيب بوعائشة، وتطالب باستقالة المكتب التنفيذي الحالي بقيادة الأمين العام نورالدين الطبوبي، والاعتصام الثاني كان لأعضاء من المكتب التنفيذي نفسه، سبق أن دعوا إلى عقد مؤتمر استثنائي لتغيير القيادة الحالية.

وانعقد مؤتمر سوسة في يوليو 2021 لتغيير قوانين الترشح في الاتحاد العام للشغل، بحيث يُسمح فيها بالتمديد لأعضاء المكتب التنفيذي الحالي. ووضع مسار الخامس والعشرين من يوليو حدودا جديدة لهذا الدور، وأعاد الاتحاد إلى مربع التوازن بين المطالبة الاجتماعية والحياد السياسي الحذر.

4