اتحاد الشغل التونسي يجنح إلى هدوء نقابي مع السلطة بعد فترة من التصعيد

تونس - يبدو أن الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، اهتدى أخيرا لبلورة موقف عقلاني وفهم أنه لا فائدة ترجى من مزيد التصعيد مع السلطة بعد إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، وخصوصا بعد مرحلة من التوتّر شابت العلاقات بين الطرفين.
وتتجه قيادة المنظمة النقابية نحو الجنوح إلى التهدئة بعد أن أيقنت أنها مجبرة على الانحناء للعاصفة والتأقلم مع وضع سياسي جديد، لا ينفي وجودها النقابي بقدر ما يحجّم دورها السياسي الذي كانت تتمتع به في عهد الحكومات السابقة، في إطار محاصصات حزبية بعد ثورة يناير 2011.
وحتى لا تتهم المنظمة بتجييش الوضع أو التسبب في اختلاق الأزمات وتحريك الاحتجاجات الشعبية تحت مسمى المطالب الاجتماعية، سارعت إلى إحكام التعامل مع الواقع من خلال السعي لإيجاد حلول سلمية، ومن ثمة النجاح في تقديم تنازلات قد تغير نظرة السلطة لها، فضلا عن تسجيل نقاط سياسية وبلورة موقف يحظى باستحسان الجميع.
وربما أدركت الأمانة العامة للاتحاد، أن المنظمة لا زالت تعاني من تداعيات “خيبة الأمل السياسية” لإجراءات سعيد التي وضعت حدا للتعامل مع المفهوم التقليدي للحياة السياسية (الأحزاب والمنظمات)، فضلا عن ارتدادات المؤتمر الأخير الذي أغضب بعض القيادات كانت تنتظر تكريس مبدأ التداول السلمي على القيادة.
وأكد الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل سامي الطاهري، أن “الحياة داخل المنظمة متواصلة وقد اختار الاتحاد، في قراءة للواقع، التصرف بحكمة وإيجاد حلول سلمية لمختلف الإشكاليات في الظرف الصعب الذي تعيشه البلاد وتجنب التصرف بانفعالية والتصادمات”.
وقال في تصريح لإذاعة محلية، خلال إشرافه على هيئة إدارية جهوية بتطاوين (جنوب) “إن ذلك لا يعني التفريط في الحقوق والصمت عن الانتهاكات، والدليل أن العديد من القطاعات تواصل نضالها بتنفيذ الإضرابات والاعتصامات والتحركات، بالإضافة إلى تواصل الأنشطة الثقافية والسياسية والتكوينية والمؤتمرات” .
ولفت الطاهري إلى أنه “في صورة تواصل الوضع على ماهو عليه الآن وعدم الإسراع في تنظيم الحوار الاجتماعي، من المنتظر حدوث انفجار اجتماعي غير متوقع لا يمكن السيطرة عليه”.
ويقول مراقبون إن تغيير “التكتيك السياسي” الطارئ على منهجية المنظمة النقابية في التعامل مع المستجدات، فرض مراجعة الجانب الاتصالي لها، فبعد أن كانت تسارع لاستغلال كل الفرص للتصادم مع السلطة، هاهي تنتصر الآن إلى خطاب “متّزن” و”موضوعي” يعلي المصلحة العامة.
ويضيفون، أنه أصبح لزاما على الاتحاد شأنه شأن بقية مكوّنات الطبقة السياسية المعارضة في تونس، أن يستوعب أنه جُرّد من دوره السياسي السابق، وبات عليه التأقلم تدريجيا مع الوضعية الجديدة المقتصرة على الدور النقابي.
وأفاد الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري، أن “موقف الاتحاد طبيعي جدا وعقلاني في الوقت الحالي، والسلطة تهاجم كل تحرك نقابي، ويبدو أن المركزية النقابية ومن زاوية سياسية أيقنت أنه لا بدّ من الانحناء للعاصفة دون الاصطدام بالسلطة”.
وأضاف لـ”العرب”، “المنظمة النقابية حاولت في عديد المرات التصعيد لتحقيق أهدافها حتى تأخذها السلطة بعين الاعتبار، لكن جوبهت تلك المطالب بتعنّت السلطة”.
وأشار العياري إلى أن “المركزية النقابية لا تريد أن تتورط في تحرك احتجاجي واسع يعود بالوبال على عموم التونسيين، ولا تريد أن تتحمل وزر الناس سياسيا”.
وكثيرا ما سعى اتحاد الشغل، إلى مناورة السلطة سياسيا، من خلال المراهنة على احتجاجات النقابات، أهمها في قطاعات التعليم والنقل وغيرهما، حتى يثبت الوجود الهيكلي والسياسي للمنظمة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة أنه “يمكن اعتبار تصريح سامي الطاهري إيجابيا في إطار التفاعل الإيجابي مع ما أتاه رئيس الحكومة أحمد الحشاني الذي هنأ الأمين العام بحلول السنة الإدارية الجديدة وتجديد منشور الاقتطاعات في منشآت القطاع العام”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “داخل المنظمة موازين قوى لا تسمح بمواجهة السلطة في الوقت الحالي، لأن جراح المنظمة لا زالت تنزف بعد المؤتمر الأخير، وهذا الموقف مهم جدا للمناخ العام الذي تمر به البلاد”.
ولفت مراد علالة إلى أن “الاتحاد سيبقى سياسيا في مربع التأييد لمسار 25 يوليو 2021، كما قد تقدم القيادة الحالية تنازلات لتأسيس حوار اجتماعي، كما أدركت أن التصعيد مع السلطة لم يعد مجديا، وهذا موقف براغماتي”.
والأسبوع الماضي، أجري اتصالا هاتفيا بين رئيس الحكومة أحمد الحشاني والأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، وتبادل الطرفان التهاني بمناسبة حلول السنة الإدارية الجديدة.
كما تحدثا بخصوص ضرورة استئناف الحوار الاجتماعي وتنقية مناخات العمل، حسب ما أعلنت المنظمة النقابية عبر موقعها الإخباري.
وتطرق الطرفان إلى ملفات التربية والتعليم وما تشهده من تعثرات من شأنها تعميق أزمة التعليم وتعطيل مساراته.