إيقافات تفتح ملف الفساد في قطاع الفوسفات بتونس

تونس - أثارت الإيقافات الأخيرة المتعلقة بشبهات فساد في شركة فوسفات قفصة التونسية تساؤلات بشأن إمكانية تمهيدها بشكل جدي لحلحلة أزمة الفوسفات العالقة منذ سنوات، خصوصا بعد الانتقال المسجل من مطالب تدعو إلى فتح الملف إلى الشروع في ملاحقات قضائية.
وأصدر قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بقفصة (غرب) في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء، خمس بطاقات إيداع بالسجن في حق ثلاثة موظفين سابقين بشركة فوسفات قفصة أحدهم تم عزله سابقا، ورئيس مصلحة بأمانة مال جهوية بإحدى المدن الساحلية وممثلة تجارية لمجمع أجنبي لصنع وبيع الآليات الثقيلة. وأوردت جريدة محلية أن “قاضي التحقيق أذن بإبقاء مديريْن عاميْن سابقيْن للشركة ومدير مركزي سابق وموظف في حالة سراح”.
وكانت الفرقة المركزية الأولى للأبحاث بإدارة الاستخبارات والأبحاث للحرس الوطني العوينة (قرب العاصمة تونس) قد تعهدت بالبحث في شبهة فساد تعلقت بصفقة عمومية لاقتناء آليات ثقيلة لفائدة شركة فوسفات قفصة سنة 2019 بقيمة 14 مليون دينار(4.53 مليون دولار).
ويأتي ذلك بعد فترة من دعوة الرئيس قيس سعيد إلى التعويل على الزيادة في إنتاج الفوسفات لمواجهة الأزمة المالية التي تمر بها البلاد خاصة مع عدم التوقيع على اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار.
وقال سعيد خلال اجتماع مجلس الأمن القومي في أبريل الماضي خُصّص للنظر في ملف إنتاج الفوسفات ومسألة نقله عبر السكك الحديد والفساد الذي عرفته صفقة شراء العربات التي قيل بعد أن تم اقتناؤها إنها لا يُمكن استغلالها على السكة الحديد الموجودة “تِبر في التراب في حين أن الدولة تشكو وضعا ماليا صعبا”.
وأضاف “الوضع الذي آل إليه هذا القطاع غير مقبول على أي مقياس من المقاييس خاصة وأن نوعية الفوسفات في تونس من أفضل ما هو موجود في العالم، ولا بدّ من إيجاد حل سريع لهذه المسألة”، وفق ما ورد في مقطع فيديو نشرته رئاسة الجمهورية عبر صفحتها على فيسبوك. وأشار إلى أنه بالإمكان استخراج حوالي 10 ملايين طن من الفوسفات في العام الواحد، خاصة مع وجود العديد من المناجم التي يمكن استغلالها.
وتعاني الشركة المملوكة للدولة من مصاعب مالية كبيرة بسبب التعيينات العشوائية والإضرابات المتتالية وما نتج عنها من خسارة الكثير من الأسواق، حيث تراجع حجم الإنتاج من حوالي ثمانية ملايين طن سنويا قبل أحداث الثورة عام 2011 إلى ما بين مليون وثلاثة ملايين طن.
وقال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي “نعتقد أن هناك شبهات فساد، والأزمة عميقة ومتعلقة أساسا بالوضع البائس اجتماعيا وبيئيا في محافظة قفصة (منطقة منجمية)، كما أن الاضطرابات الاجتماعية ساهمت في توقف الإنتاج”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الإيقافات لا تكفي لمعالجة هذا الملف، بل يجب أن يتم إصلاح هذا القطاع بأكمله بدءا بطرق نقل الفوسفات وتغييرها وصولا إلى مراجعة التعيينات المشبوهة”.
وتابع المغزاوي “عودة إنتاج الفوسفات قد تخفف من تداعيات الأزمة الاقتصادية في البلاد، وتساهم في جلب موارد جديدة من شأنها أن تنعش خزينة الدولة”. وطالب “السلطات (رئاستي الجمهورية والحكومة) بالعمل على إيجاد آليات وخطط جديدة ووضع هذا الملف فوق طاولة الحوار والشروع في حلّه”.
ويواجه قطاع الفوسفات من فترة إلى أخرى محاولات لتعطيل الإنتاج ناجمة عن احتجاجات اجتماعية تشهدها البلاد. وبعد أن كانت تونس ثالث منتج لمادة الفوسفات عالميا في سنة 2010 بإنتاج فاق 8 ملايين طن، أصبح الإنتاج في هذا القطاع معطلا ومتعثرا لأسباب تتعلق باحتجاجات منادية بالتشغيل وغيرها.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “هناك مشكلة في نظام الحوكمة والشفافية وأجهزة الرقابة في قطاع الفوسفات، كما اتخذ البعد الاجتماعي شكلا مخلاّ بمبادئ الحوكمة”.
واعتبر في تصريح لـ”العرب” أن “الأصل في الملف يبدأ بمعالجة الأسباب التي قادت إلى هذه الأزمة، والرئيس سعيد يرى أن هناك طاقة مهدورة وجب استغلالها من أجل المصلحة العامة”.
ودعا ثابت إلى “ضرورة معالجة واقع المؤسسات العمومية والنظر في المحاصصة الحزبية والجهوية وفق مقاييس معلنة وشفافة”، موضحا أنه “لو عاد مستوى إنتاج الفوسفات إلى ما قبل 2010 فسيمكّن من الحد من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية بالبلاد”.
ويفترض أن تعزز زيادة الإنتاج من إيرادات البلاد التي تمر بأسوأ أزمة مالية على الإطلاق، لكن لا يمكن الرهان عليه في ظل تعقيدات كبيرة تعترض طريق هذا المسار.
ويتطلب الاستثمار في نقل الفوسفات من قبل الشركة التونسية لسكك الحديد إمكانات كبيرة، في وقت تعاني فيه شركات النقل من الإفلاس، كما أن المشكلة تتعلق أساسا باللوجستيات أكثر من الإنتاج. ويمكن أن يوفر الفوسفات عائدات تتراوح بين 1.5 وملياري دولار سنويا، وهي نفس قيمة القرض الذي تنوي تونس الحصول عليه من صندوق النقد.