إيطاليا حريصة على بناء علاقات قوية

حملت الزيارة الرابعة لرئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس دعوات لاعتماد “مقاربة جديدة” تجاه أفريقيا، بما يشمل مسألة الهجرة، مع تأكيد روما على مواصلة السلطات التونسية عملها لمكافحة التهريب والاتجار بالبشر والسيطرة على محاولات الانطلاق غير القانونية للمهاجرين.
تونس - تعهّدت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني لدى زيارتها إلى تونس بأن بلادها ستقدم إلى تونس تمويلات مالية حكومية، وذلك في إطار جهود روما لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية والحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وسط دعوات ملحة إلى مزيد التنسيق الثنائي من أجل التصدي لتجارة البشر.
وتقول أوساط سياسية تونسية إن إيطاليا لا تزال تتمسك بالمقاربة الأمنية في معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية، ذلك أن الدعم المالي المقدم من قبل روما وإن كان يندرج في إطار تنموي، فإنه يبقى ضعيفا بالنظر إلى احتياجات تونس المالية.
وترى تلك الأوساط أن روما تحاول في كل مرة تقديم دعم بسيط للحفاظ على تونس كشريك إستراتيجي، كما أن تحرك ميلوني مرده الانتقادات التي تتعرض إليها في الداخل الإيطالي وخصوصا من قبل البرلمان بشأن تناولها لملف الهجرة الذي يؤرق إيطاليا.
ولئن كانت إيطاليا تدرك ثقل انعكاسات ظاهرة الهجرة عليها، وتكثف جهودها حتى لا تواجه الظاهرة بصفة منعزلة، فإن زيارة ميلوني أيضا جاءت من منطلق تجاهل دول الاتحاد الأوروبي لتمويل تونس في إطار جماعي.
وقالت الرئاسة التونسية إن الرئيس قيس سعيد وجورجيا ميلوني أشرفا في أعقاب محادثاتهما الثنائية على مراسم توقيع ثلاث اتفاقيات.
وأضافت في بيان نشرته في صفحتها الرسمية على شبكة فيسبوك، أن هذا اللقاء “مثّل مناسبة جدّد من خلالها الرئيس قيس سعيد الإعراب عن اعتزاز تونس بعلاقاتها التاريخية المتينة مع إيطاليا، والتأكيد على الحرص على مواصلة تعزيز التشاور والتنسيق وتوثيق روابط التعاون والشراكة وتنويعها بين البلدين الصديقين، في الإطارين الثنائي ومتعدد الأطراف، خدمة للمصلحة المشتركة للشعبين التونسي والإيطالي”.
وجدّد سعيد تذكيره “بما يتوفر لتونس وإيطاليا من فرص مهمة لتنويع آليات التعاون والشراكة والتبادل ليس فقط في المجالات التقليدية بل أيضا في قطاعات جديدة وواعدة”.
وأكد قيس سعيد خلال محادثاته مع ميلوني “على موقف تونس الثابت الرافض لأن تكون بلادنا مستقرا أو معبرا للمهاجرين غير الشرعيين”، داعيا إلى اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر وبأعضاء البشر في جنوب المتوسط وفي شماله، لافتا إلى أن بلاده “لا يمكن لها كأيّ دولة أخرى تقوم على القانون أن تقبل بأوضاع غير قانونية على أراضيها”.
واعتبر في هذا السياق، أن المهاجرين غير الشرعيين “هم ضحايا نظام اقتصادي عالمي لم تكن تونس سببا من أسبابه بل هي من ضحاياه، فضلا عن أن هذه التدفقات على بلادنا بهذا الشكل تدل بكل وضوح على وجود تنظيمات تقف وراءها”.
من جانبها أكدت ميلوني على ضرورة أن تعمل إيطاليا وتونس معا “لمحاربة المتاجرين بالبشر، ومنظمات المافيا التي تستغل التطلعات المشروعة للذين يرغبون في حياة أفضل”.
وأضافت أن العلاقة الإستراتيجية التي وصفتها بـ ”المهمة للغاية” مع تونس “تمثل إحدى أهم أولويات إيطاليا”، وفق تعبيرها، لافتة في نفس الوقت إلى أن إيطاليا وتونس “تعملان على المستوى الثنائي، ولكن أيضا على مستوى متعدد الأطراف لمعالجة ظاهرة الهجرة وفق مقاربة جديدة”.
وقالت ميلوني “الطاقة هي إحدى القطاعات التي يجب أن يستمر تعزيز التعاون بين إيطاليا وتونس في إطارها”.
وذكرت ميلوني أيضا أن روما تريد بذل المزيد من الجهد لتشجيع الهجرة المنظمة في أعقاب اتفاقية أبرمت العام الماضي تسمح لنحو 12 ألفا من العمالة التونسية الماهرة بدخول إيطاليا على مدى ثلاث سنوات.
وأفاد مسؤول بمكتب رئيسة الحكومة الإيطالية أن “روما عرضت على تونس تمويلات حكومية نقدية بقيمة إجمالية تبلغ 50 مليون يورو في إطار عدة اتفاقيات تهدف لمساعدتها على تعزيز مشروعات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة”.
وأضاف أن هناك “اتفاقية منفصلة تنص على تسهيل ائتماني بقيمة 55 مليون يورو تهدف إلى دعم الشركات التونسية الصغيرة والمتوسطة”.
والاتفاقيات التي تم توقيعها هي “اتفاق بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة الجمهورية الإيطالية لدعم الميزانية العامة للدولة التونسية”، و”اتفاقية مالية بين البنك المركزي التونسي ومؤسسة الودائع والقروض الإيطالية بخصوص دعم وتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة”، ومذكرة تفاهم بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الجامعة والبحث الإيطالية للتعاون في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي.
وأفاد الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري أن “هذه الاتفاقيات المبرمة هي قديمة جديدة، ونلاحظ دائما وجود نفس الديناميكية والدبلوماسية الإيطالية تجاه تونس، وفي كل ممرّ تحوّر روما من مفاهيمها للتصدي للهجرة وفق مصالحها”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “الدعم المالي المقدم مجرد ذرّ رماد على العيون للمحافظة على تونس كشريك إستراتيجي، ولو نظرنا إلى الملف عموما لوجدنا أن الدعم المالي الإيطالي ضعيف جدا”.
ولفت العياري إلى أن “ميلوني تتحرك في إطار المسائل التي تؤرق الإيطاليين، حيث أن البرلمان الإيطالي ينتقد ميلوني بشدة بخصوص جهودها المبذولة في ملف الهجرة، وهي تزور تونس لمحاولة الضغط المسلط عليها من قبل الشارع الإيطالي”.
واستطرد قائلا ” إيطاليا لا تزال تحافظ على المقاربة الأمنية في التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية”.
وكانت رئيسة الوزراء الإيطالية قد وصلت إلى تونس في وقت سابق الأربعاء في زيارة خاطفة استغرقت عدة ساعات هي الرابعة لها لتونس في غضون أقل من عام.
ورافق ميلوني خلال هذه الزيارة وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي ووزيرة الجامعات والبحث آنا ماريا بيرنيني ونائب وزير الشؤون الخارجية إدموندو سيريلي.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان أن “ميلوني عادت إلى تفهم الموقف التونسي واحترام تعهداتها تجاه تونس، وهذه الزيارة هي اعتراف ضمني بمصداقية الدور التونسي في التعاون في ملف الهجرة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “ميلوني جاءت انطلاقا من أن هناك إحساسا بوجود تجاهل من قبل دول الاتحاد الأوروبي لتمويل تونس”.
ولفت الترجمان إلى أنه “ليس لتونس حدود مع دول جنوب الصحراء وبالتالي من يقوم بنقل المهاجرين هي شبكات الاتجار بالبشر”.
وتعد تونس، إلى جانب ليبيا، نقطة الانطلاق الرئيسية للآلاف من المهاجرين الذين يحاولون عبور وسط البحر الأبيض المتوسط نحو سواحل إيطاليا.
ووفقا لإحصائيات إيطالية، شهد عدد الواصلين من المهاجرين من تونس، والذي كان يتناقص منذ الخريف وحتى بداية العام، ارتفاعا بين منتصف مارس ومنتصف أبريل مع وصول 5587 مهاجرا.
وأكد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “تونس لن تكون أرض عبور أو توطين للمهاجرين، وهناك حرص إيطالي على تطبيق الاتفاقيات مع تونس في هذا المجال”.
وقال لـ”العرب” إن “تجارة البشر محرّمة دوليا وأصبحنا نلاحظ أن هناك مافيات تنشط في هذا المجال، وإيطاليا تقدم دعما ماليا لأن الملف تنموي بالأساس”.
وأبرم الاتحاد الأوروبي في يوليو الماضي اتفاقا مع تونس لتقديم مساعدات مالية مقابل الحدّ من محاولات انطلاق المهاجرين. وجرى ذلك بمبادرة من ميلوني التي جاءت ثلاث مرات في الصيف الماضي إلى تونس، منهما مرتان صحبة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وأثارت مذكرة التفاهم الموقعة انتقادات شديدة في أوروبا، فقد صوّت البرلمان الأوروبي في منتصف مارس على قرار للطعن في شروط صرف بروكسل مبلغ 150 مليون يورو لدعم موازنة تونس من خلال إدانة “تراجع الحقوق في تونس”.