إيطاليا تجني سريعا ثمار التعاون مع ليبيا وتونس بشأن ملف الهجرة

تقلص عدد المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى إيطاليا انطلاقا من الأراضي التونسية والليبية في الفترة الأخيرة، في خطوة أكدت حسب المراقبين أن إيطاليا بدأت تجني سريعا ثمار تعاونها مع البلدين بقيادة رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني.
تونس - نجحت السلطات الإيطالية في تقليص أدفاق الهجرة غير النظامية القادمة من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط (تونس وليبيا)، نحو سواحلها، وهو ما كرسته مجهودات رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني التي أقنعت تونس وطرابلس بمزيد تشديد الحراسة على الحدود البحرية.
ويرى متابعون أن جورجيا ميلوني، منذ تقلدها لرئاسة الحكومة الإيطالية راهنت على معالجة ملف الهجرة الذي ظلّ يؤرق سلطات بلادها لسنوات عديدة، وتسعى الآن إلى تقديم الخطوات التي قطعتها بشأن الملف كونها انتصارا يفتح أمامها آفاقا أوروبية واسعة.
وأكدت رئيسة الحكومة الإيطالية، الثلاثاء أنّ “التزام حكومتها مكّن حتى الآن من تقليل عدد المهاجرين غير النظاميين بنسبة 60 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية”. وأشارت ميلوني إلى أن ذلك “تحقق بفضل علاقات التعاون مع دول شمال أفريقيا، تونس وليبيا في المقدمة”، حسب تصريحاتها خلال إحاطة لمجلس الوزراء نقلتها وكالة الأنباء الإيطالية (آكي).
وكشفت أحدث أرقام رسمية إيطالية تراجعا غير مسبوق في أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من شرق ليبيا بمغادرة 203 فقط في الفترة ما بين 1 يناير و29 مايو الماضي. وحسب وزارة الداخلية الإيطالية تم تسجيل 25 ألفا و344 وافدا من الطريق التونسي و21 ألفا و561 من الطريق الليبي في الفترة بين 1 يناير و28 مايو 2023، لكن وصل منذ بداية العام 8761 مهاجرا من تونس و10700 شخص من ليبيا.
وأفاد المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن “ظاهرة الهجرة دائما تقترن بموجات، والمقاربات التي تبنتها جورجيا مبلوني خصوصا بعد الخطاب في زيارتها إلى تونس وأيضا توقيع مذكرة التفاهم في يوليو 2023، قلصت من أعداد المهاجرين”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، أن “المقاربة الأمنية ضد المهاجرين دفعت بهم إلى الذهاب نحو غابات الزيتون في ضواحي مدينة صفاقس (شرق)، فأصبح وضعهم أكثر هشاشة، وبالتالي تشديد الحراسة على الحدود وتحويل تونس وليبيا إلى مصيدة للمهاجرين ما قلّص من تدفقهم نحو السواحل الإيطالية”.
ولفت رمضان بن عمر إلى أن “نفس التمشي الذي اتبعته ميلوني مع السلطات التونسية نفذته في ليبيا”، مشيرا إلى أن “خيارات ميلوني بشأن ملف الهجرة تحقق نتائج، لكن من الجانب الإنساني كلفتها باهضة”.
وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قد قال الاثنين، إنّ تدفقات الهجرة غير النظامية من السواحل التونسية في اتجاه أوروبا تراجعت خلال شهر أبريل المنقضي. وأفاد، في تقريره الاجتماعي لشهر أبريل بأنّ العوامل المناخية غير المستقرة التي عرفتها السواحل التونسية خلال شهر أبريل إضافة إلى الانتشار الأمني المكثف برًا وبحرًا، ساهما في تراجع تدفقات الهجرة غير النظامية إلى الضفة الأوروبية.
وخلال زيارة إلى ليبيا في مايو الماضي، أكدت ميلوني أن “التعاون مع ليبيا في مجال مكافحة تدفقات الهجرة غير القانونية سيبقى أمرا أساسيا”، مشيرة إلى أن هذا “الملف يمتلك مركزية مطلقة في سياسة بلادها، وذلك في تصريحات صحفية عقب لقائها رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة.
واعتبر المحلل السياسي المنذر ثابت أن “ميلوني في سياق حملة انتخابية أوروبية ومن أجل البرلمان الأوروبي، كما توجد أفق لتكوين حلف أقصى اليمين في الانتخابات القادمة”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن “ميلوني تقدم ما حققته في تونس وطرابلس على أنه انتصار”، متسائلا “لكن هل أن تونس وطرابلس في وضع مريح كما هو الحال بالنسبة لروما”.
وأكد ثابت أن “صرامة الإجراءات الميدانية في تونس ومقاومة شبكات التهريب، فضلا عن تفكيك عصابات الاتجار بالبشر، هي أهم أسباب تقلص نسبة الهجرة نحو إيطاليا، ذلك أن السلطة تمكنت من صرب تلك الشبكات”.
وأوضح أن “تونس أصبحت بلد إقامة، على عكس ليبيا التي فيها أوضاع أخطر وغير مستقرة بوجود ميليشيات مسلحة، كما أن تدفقات المهاجرين تمس الأوضاع الأمنية الهشة”، مشيرا إلى أن “ميلوني تمكنت من تسجيل نقاط لحسابها الخاص، بعد أن أقنعت تونس وليبيا بمراقبة السواحل، لكنها تسجل نقاطا إيجابية دون أن تتحمل التبعات السلبية لتواجد المهاجرين في تونس وليبيا”.
واستطرد المنذر ثابت “الضغط يتعاظم على تونس خصوصا في المناطق الداخلية على عكس السواحل”. وكانت السلطات في تونس أطلقت حملة أمنية واسعة لملاحقة مهاجرين غير نظاميين على أراضيها، وذلك أثار انتقادات منظمات حقوقية في البلاد.
وكثفت إيطاليا والاتحاد الأوروبي تنسيقهما مع تونس لكبح التدفقات من سواحلها، مقابل حوافز مالية واقتصادية، لكن أعدادا كبيرة من المهاجرين انتشرت وسط الحقول والغابات وفي عدة أحياء سكنية بمعتمدية العامرة التابعة لولاية صفاقس (شرق)، ما تسبب في توترات مع السكان المحليين.
وشهدت منطقة العامرة مؤخرا اشتباكات بين المهاجرين غير الشرعيين وقوات الأمن وسط مخاوف من توطنيهم، رغم تأكيد الرئيس قيس سعيد أنه لا مجال لانتهاك السيادة الوطنية فيما يتعلق بملف الهجرة.
وأفادت وسائل إعلام محلية نقلا عن مصادر أمنية مؤخرا عن تورط بعض المهاجرين الأفارقة في الانتماء إلى تنظيم بوكو حرام، إضافة إلى عصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر. وأعلنت السلطات التونسية في مايو الماضي تسجيل عودة نحو 12 ألف مهاجر غير نظامي من أفارقة جنوب الصحراء إلى بلدانهم في إطار “العودة الطوعية” منذ بداية العام الجاري.
كما أجلت السلطات التونسية مئات المهاجرين الأفارقة من المخيمات التي أقيمت أمام وكالات الأمم المتحدة في تونس، في الثالث من مايو الماضي ثم رحلتهم باتجاه الحدود الجزائرية، وفق منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التونسي.
وتم في 16 يوليو 2023، توقيع “مذكرة تفاهم” بين تونس والاتحاد الأوروبي حول “شراكة إستراتيجية وشاملة”، وتهم بالأساس ملف الهجرة غير النظامية. وقد قام بتوقيعها الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وقد طالت مذكرة التفاهم العديد من الانتقادات على الصعيد الحقوقي في تونس، واعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ هذه المذكرة “خطيرة وتكرس دور الحارس والسجان”، وفق توصيفه، كما انتقد المنتدى مرارًا ما أسماها توجهات “إيطاليا لجعل تونس نقطة ساخنة لتجميع المهاجرين” وهو ما رفضه العديد من س٣النشطاء الحقوقيين أيضًا.