إيران والصيد الثمين

مسلحة بكمّ هائل من الغطرسة تسعى إيران لنشر التشيع ضمن إستراتيجية غير معلنة تحتاج إلى قوة وحلفاء وأذرع عسكرية تابعة لها في المحيط الإيراني وفي قلب الدول التي تدور في فلكها.
الخميس 2024/04/04
إيران تظهر ما لا تبطن

طالما اعتمدت إيران في عقيدتها الإستراتيجية مبدأ التقية، وهو علم قائم بحد ذاته حكّمت حلقاته جيدا، وحققت من خلال هذا المبدأ حزمة أهداف للنيل من العالم السنّي. في الاجتماع الأخير لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مع مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، قال هنية إن أحداث 7 أكتوبر حققت الكثير من الأهداف والطموحات التي يتطلع إليها الشعب الفلسطيني المتعطش للحرية وإقامة دولته.

هذا التصريح لا أساس له على الأرض، ولربما جاء لإرضاء الإيرانيين أو لكسب ودهم لا أكثر ولا أقل.

من لا يقرأ خارطة الأحداث في قطاع غزة يجهل أن الأمور تسير فيها نحو دمار شامل وخراب، وأن غزة بعد 7 أكتوبر خاوية على عروشها؛ المباني مهدمة والسكان يعانون الجوع والبنية التحتية مدمرة. هذا هو الحال كما يشاهده وكما يرويه أهل غزة.

◄ طهران ليست منافسا قويا للولايات المتحدة في المنطقة. واشنطن تسعى لاحتوائها لتكون وكيلها في الحرب ويدها التي تبطش بها وسدا منيعا في وجه قطبي التنافس معها؛ روسيا والصين

إذا نظرنا إلى المشهد على الأرض، نعلم أن الإيرانيين قرؤوا الحالة الأمنية في غزة، وعلموا جيدا حجم الدمار الذي حل بالقطاع.. لكنهم، وكما هو معهود عنهم، عملوا وما زالوا يعملون وفق سياسة أنا ومن بعدي الطوفان.

في مقال سابق كتبت أن طهران حققت الإنجاز تلو الإنجاز طيلة الشهور الستة الماضية، وفي مقدمة هذه الإنجازات غياب الضغط الدولي عنها، واختفاء الإلحاح الإسرائيلي حول برنامجها النووي. هذا صيد ثمين لإيران.. حقا إن مصائب قوم عند قوم فوائد.

مسلحة بكمّ هائل من الغطرسة، تسعى إيران اليوم لنشر التشيع ضمن إستراتيجية غير معلنة، وهي مهمة تحتاج إلى قوة وأذرع عسكرية وحلفاء تابعين لها في المحيط الإيراني وفي قلب الدول التي تدور في فلكها، كما في سوريا ولبنان.

عار أن تتكلم إيران عن احتلالا الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة وتجاهر بكلام أجوف عن تحرير فلسطين، بينما تحتل ثلاث جزر إماراتية فضلا عن منطقة الأحواز، وتقول إن هذا لا يشكل احتلال، وتصرّ على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد قال في كلمة له حول تصاعد التوتر مع واشنطن في منطقة الخليج العربي، إن “الخليج الفارسي ينتمي إلى الأمة الإيرانية، وسيظل اسمه كذلك. وليعلم الأميركيون أن اسمه ليس خليج واشنطن أو نيويورك”. مؤكدا أن “القوات الإيرانية ستظل دائما حارسة للخليج الفارسي”. في إشارة يفهم منها أن التهديدات الإيرانية في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط مستمرة. وكلها مقدمات لتبرير اختراق العالم العربي وإحكام السيطرة عليه. طموح لا يثنيها عنه أي شيء في غياب وحدة عربية حقيقية وسعي للملمة الصفوف وإعادة ترتيبها بشكلها الصحيح.

لتأكيد صحة هذا التحليل أشير إلى تقرير تناولت فيه مجلة “فورين أفيرز” الأميركية قبل نصف عقد تقريبا مساعي إيران لتوسيع نطاق سيطرتها السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، وتحدثت فيه عن محاولات إيران بسط نفوذها في المناطق التي تضم مجتمعات شيعية فيما بين النهرين وشرق البحر المتوسط.

◄ من لا يقرأ خارطة الأحداث في قطاع غزة يجهل أن الأمور تسير فيها نحو دمار شامل وخراب، وأن غزة بعد 7 أكتوبر خاوية على عروشها

عود على بدء، الصورة للأسف لا تبدو كما تعتقدها حماس وبعض المتشدقين الغارقين في الأوهام من كتاب ومفكرين وغيرهم، فالعاطفة وحب جمع المال الإيراني هو ما يسيطر عليهم. لقد أثبتت إيران عداوتها للعرب والمسلمين في أكثر من مناسبة، بإثارتها النعرات والقلاقل والفتن في البلاد العربية. ودائما رأس الفتنة كان على علاقة مباشرة مع الخميني، فقد قام صهره وممثله الخاص والمسؤول عن صلاة الجمعة في الكويت (وزير أوقاف فارس في الكويت) أحمد عباس المهري، بنشاطات مشبوهة وعقد ندوات في حسينيات، أثار خلالها قضايا سياسية واجتماعية، منها قضايا الإسكان وإنصاف الشيعة. وهذا يثبت أن يد إيران الطويلة في الخليج العربي قصيرة، لا بل مشلولة، عندما يتعلق الأمر بحماية غزة.

تتبع وفهم ما يجري من تفاعلات في منطقة الخليج العربي يثبت ذلك. بقيت طهران تسعى للسيطرة على مضيق باب المندب الإستراتيجي، بهدف السيطرة على بحر القلزم (البحر الأحمر) الذي يربط بين قارة آسيا والقارة الأفريقية، وبالطبع القارة الأوروبية، إضافة إلى دول الخليج العربي بموقعها الجغرافي المتميز وثرواتها الطبيعية من غاز ونفط وتجربتها السياسية والتاريخية وكذلك البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه المنطقة، وكلها ميزات تميزها عن باقي دول المنطقة، ونتيجة لهذه الميزات، يواجه الخليج العربي اليوم تحديات عديدة سببها أطماع إيرانية تصل إلى درجة تهديد أمن الخليج واستقراره، هذا إلى جانب استغلالها لأحداث الربيع العربي وتوظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مصالحها.. عين طهران على الخليج العربي أولا وأخيرا.

والسؤال المطروح بعد هذا كله، أين الولايات المتحدة من أطماع إيران في الخليج العربي وبلاد العرب؟

الإجابة لا تحتاج إلى تحليل وتأمل عميق.. طهران ليست منافسا قويا للولايات المتحدة في المنطقة. واشنطن تسعى لاحتوائها لتكون وكيلها في الحرب ويدها التي تبطش بها وسدا منيعا في وجه قطبي التنافس معها؛ روسيا والصين.

هؤلاء الذين يريدون شيطنة العرب السنة عليهم قراءة التاريخ قبل أن يكيلون المديح لإيران، فهو النبراس والهادي إلى الطريق الصحيح، من خلاله نقف على حقيقة طهران وأطماعها وعلى حجم عدائها للعرب، السنة منهم على وجه الخصوص.

8