"إنه عالم جميل".. فيلم يتماهى فيه الخيالي مع الواقعي

يتابع المخرج رامي نضال حميدي خلال هذه الفترة عمليات إنجاز الفيلم السوري “إنه عالم جميل” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما لعام 2021، ويصوّر الفيلم القصير قصة زوجين يعيشان في حالة من الانتظار والوحدة في مكان بعيد عن كل شيء ليخلقا لنفسيهما عالما أفضل رغم البؤس الذي يعانيانه نتيجة فقدانهما الاتصال بابنهما الوحيد بسبب الحرب
دمشق - لا يتّبع رامي نضال حميدي مخرج فيلم "إنه عالم جميل" الطريقة التقليدية في تقديم وجهة نظره الفكرية، فالفيلم القصير الذي يمتدّ على أربع عشرة دقيقة يتناول فكرة سينمائية يتماهى فيها الخيالي مع الواقعي، لتنهل الأحداث من العالمين في مزج فريد بينهما، حيث لا بداية ولا وسط ولا نهاية.
في الفيلم الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما وكتبه وأخرجه الشاب رامي نضال حميدي عوالم وهواجس تعيشها أسرة بسيطة تتكوّن من زوجين فقدا الاتصال بابنهما الذي يخدم في الجيش ولا تصل إليهما أية أخبار عنه، فيعيشان حالة انتظار وقلق على مصيره.
أزمنة متداخلة
لا يكشف الفيلم الكثير من الأحداث ولا يقدّم العديد من التعقيدات الدرامية، لكنه يذهب بعيدا في القليل الذي يقدّمه في تشريح معنى الانتظار، مستعرضا ما تعتري النفس خلاله من تغيّرات وتشوّهات ذهنية وعصبية سيلقاها من يعيش حالة مماثلة في أي مكان من العالم.
الروائي القصير يجمع بين عوالم شارلي شابلن الساخرة وإكراهات الحرب وتداعياتها على عائلة سورية مأزومة
و"إنه عالم جميل" من بطولة تيسير إدريس ورنا جمول ودينا خانكان ومجد مشرف وطالب عزيزي وبلال بوظو ومهند بزاعي.
ورامي نضال حميدي من الشباب السوريين الذين درسوا فن السينما أكاديميا، فبعد دراسته للاقتصاد وتخرجه من جامعة دمشق غادر إلى مصر ليدرس السينما، وعمل بعد تخرجه في مجال الإعلان، وقدّم بجهود إنتاجية بدائية محاولة سينمائية حملت عنوان “السابعة والربع مساء” وحاز العمل على تنويه خاص من لجنة التحكيم في مهرجان القدس السينمائي 2019 الذي يقام في غزة.
ويقول حميدي عن فيلمه “سعيد بأن الفرصة أتيحت لي لتقديم فيلم في أستوديو عريق كالمؤسسة العامة للسينما، مع فريق احترافي يقدّم كل طاقته في العمل”.
ويضيف "في الفيلم أقدّم وجهة نظر أبوين عاشا زمن حرب قاسية، فرضت عليهما الكثير من التفاصيل التي يمكن أن يصادفها أي شخصين يعيشان التجربة ذاتها، فما نقدّمه يتعلق بالمفهوم الإنساني الشامل لآثار الحرب وليس له خصوصية مكانية، كونه يبحث في الوجع الإنساني العميق دون استثناء".
ويؤكّد حميدي أنه حاول في روائيه القصير تقديم شيء مختلف من خلال طريقة الطرح، معتمدا على إيقاع اللقطة وطبيعة اللون في الإضاءة، ففي الفيلم مفصل محدّد ستتغيّر الإضاءة فيه بحيث تكون مختلفة عن الشكل الأول، كما أن الفيلم متداخل الأزمنة، يقدّم شيئا آنيا وآخر ماضويا، والحوار فيه قليل بل يكاد يكون منعدما.

وعن اعتماده صيغة المتناقضات في سردية الفيلم يقول “في الفيلم جرعة كبيرة من الألم، لكن في الوقت ذاته هناك شارلي شابلن ومشاهد محدّدة من أفلامه، وهنالك تقاطع فكري بين مشاهد شابلن وما يجري مع الزوجين. كما أن مذيع نشرة الأخبار بطريقة ما هو شخص له تأثير على مجريات الأحداث بشكل تجريبي غريب، كل هذه العناصر ستكون موجودة خلال ما يقارب الربع ساعة لكي نقدّم من خلالها رؤية سينمائية مختلفة عن الحرب وإكراهاتها".
يشارك في العمل تيسير إدريس الفنان الذي لعب أدورا مسرحية وتلفزيونية شهيرة خلال مسيرته الفنية، والذي حصد عن فيلمه الشهير "صعود المطر" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد جائزة أفضل ممثل في مهرجان دمشق السينمائي في دور الكاتب الذي كان حدثا سينمائيا هاما آنذاك.
وآخر أعمال إدريس في السينما منذ سنوات هو الفيلم القصير "أطويل طريقنا أم يطول؟" مع المخرج الراحل ريمون بطرس، وقبله فيلم "بوابة الجنة" لماهر كدو.
ويقول إدريس عن مشاركته في الفيلم “أحببت فكرة العمل وطريقة كتابته، فالحوار قليل، وهو يعتمد على تقديم الفكرة من خلال أداء الممثل واستنادا إلى شيفرات ودلالات بصرية محدّدة. فالمخرج يعرف تماما ماذا يريد، وهو ما أفرز تفاهما عاليا بيني وبينه وراحة كبرى في سرد فكرة العمل".
وعن دوره في الفيلم يقول "دور الأب في الفيلم يحمل فكرا عاليا ويقدّم قيمة إنسانية كبرى من حيث تعلقه بأسرته وابنه وكيف يصرّ على الدفاع عنهما. تتداخل عنده الحقيقة مع الخيال وتصبح الأحلام جزءا من حياته اليومية، فتتشابك يومياته بشكل دقيق وتفصيلي".
وعن عمله في السينما، وهي الفن الذي يحبه، يقول إدريس "في السينما لغة التعبير أصعب على الممثل، كما في المسرح، وعلى عكس التلفزيون، ففي السينما لغة بصرية مكثفة دقيقة عالية القيمة الفنية وقواعد اللعبة الجمالية فيها أعلى وأجمل. يمكن أن تقول في السينما في دقائق ما يقال في ساعات في غيرها. كل تفصيل في السينما له مغزى ومعنى، حتى رمشة العين. السينما فن جميل وأنا أحب العمل فيها، وأعطي الدور كل الاهتمام والجدية للوصول به إلى النجاح المطلوب".
ثبات صامت
للمرأة الأم دور حاسم في أحداث الفيلم، وهي التي تكون رغم هزائمها الروحية جسر تواصل بين الشاب والأب، وتقاوم الظروف الصعبة التي تواجهها الأسرة بالكثير من الثبات.
وقُدّمت الشخصية رنا جمول في ظهور سينمائي جديد، وهي الفنانة التي كانت بدايتها مع السينما منذ كانت طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية. وقَدّمت مع المخرج عبداللطيف عبدالحميد شخصية سلمى في الفيلم الشهير "رسائل شفهية" مع فايز قزق، والذي يعتبر أحد أهم الأفلام السورية التي أنتجت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ولاقى صدى طيبا على المستويين العربي والعالمي.
وتقول جمول عن مشاركتها "عندما قرأت النص عرفت أنني أمام تجربة مختلفة، فرغم تعامله مع تيمة الحرب إلا أنه يقدّمها بالكثير من الشفافية ويتعامل مع نتائجها وليس مع تفاصيلها؛ فليس هناك حرب وعنف ودماء، بل آثار إنسانية للقسوة التي تتولّد عن الحروب".
وتضيف "أحببت التعامل مع المخرج، فهو هادئ ويعرف ما الذي يريد قوله، يقدّم في الفيلم إيقاعات زمنية بطيئة كمؤشر على بطء إيقاع حياتنا اليومية في ظل الانتظار المفروض علينا، أعني هنا الأم وزوجها. كل ذلك يحدث بالتوازي مع الإيقاع السريع والصاخب الذي يعيشه العالم الخارجي من حولنا".
وتؤكّد جمول أن المرأة القوية التي تدافع عن كينونتها وأسرتها بكل ما أوتيت من قوة وتحاول بكل السبل المتاحة أن تقدّم أفضل الحلول لمواجهة المشكلات التي تصادفها، موجودة في الحياة، وما دورها إلاّ نموذج حي للآلاف من الأمهات الصابرات.