إنقاذ المؤسسات المتعثرة في تونس يبدأ بـ"تطهيرها من المندسين"

مانحون دوليون يطالبون تونس بخوصصة مؤسسات عمومية ضمن خطة إصلاحات اقتصادية.
السبت 2023/10/28
قيس سعيد يتعهد بتطهير المؤسسات من الفساد

تونس - جدد الرئيس التونسي قيس سعيد، الخميس، دعوته إلى تطهير المؤسسات ممن وصفهم بـ”المندسين” وإنقاذها من شبح الإفلاس.

وكثيرا ما يكرر سعيّد دعواته إلى تطهير الإدارة التونسية، ويقول إنّها “مخترقة” من أشخاص يعمدون إلى تعطيلها وخصوصا ممن تم تعيينهم بعد 2011.

ويأتي ذلك بعد أن طالب مانحون دوليون تونس بخوصصة مؤسسات عمومية ضمن خطة إصلاحات اقتصادية، لكن سعيد أكد أنه لن يتم التفريط فيها، معتبرا أن الإصلاحات الاقتصادية “تهدد السلم الاجتماعي”.

ويرى مراقبون أن المؤسسات العمومية تشكو من صعوبات مالية بسبب ضعف الحوكمة وارتفاع نسبة الديون المتعثرة، فضلا عن تفشي ممارسات الفساد داخلها.

رضا الشكندالي: هناك سوء تصرّف بسبب التعيينات الكبيرة في المؤسسات
رضا الشكندالي: هناك سوء تصرّف بسبب التعيينات الكبيرة في المؤسسات

وقالت الرئاسة التونسية في بيان لها إن سعيد أكد خلال لقائه برئيس الحكومة أحمد الحشاني أن “العديد من المؤسسات والمنشآت العمومية التي كانت في السابق تحقق أرباحا صارت عاجزة نتيجة للفساد ولسياسة ممنهجة منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي” بغرض بيعها.

وأثنى الرئيس سعيد على الاتفاق الأخير لإنقاذ الشركة العامة للمقاولات والمعدات والأشغال “سومترا جات” حتى تتجاوز الصعوبات المالية التي تمرّ بها.

وكان سعيد أذن في الأيام القليلة الماضية بإيجاد حل سريع للمؤسسة حتى تعود إلى سالف نشاطها بعد أن تم حجز العديد من تجهيزاتها بهدف القضاء عليها نهائيا، مؤكدا أن العديد من المؤسسات والمنشآت العمومية التي كانت في السابق تحقق أرباحا صارت اليوم عاجزة نتيجة للفساد ولسياسة ممنهجة منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي للتفويت فيها.

كما شدد سعيّد على ضرورة الإسراع في عمليات التدقيق في الانتدابات التي تمت خارج أي إطار قانوني وأدت إلى الاستيلاء على أموال المجموعة الوطنية من قبل من اعتبر أن السلطة غنيمة يقتطع منها ما يشاء ويوزع على من يواليه ويخدم مصالحه الخاصة كما يشاء.

وظل ملف المؤسسات العمومية منذ سنوات مطروحا على طاولات التفاوض والنقاش سواء على الصعيد الداخلي بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، أو على الصعيد الخارجي في علاقة بمشاورات تونس مع صندوق النقد الدولي دون التوصل إلى حلول جذرية بشأنها.

وتفاقمت الأوضاع المالية للمؤسسات وتحولت إلى عبء على ميزانية الدولة بدل أن توفر حلولا مالية، وأصبحت على حافة الإفلاس.

وأفاد أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن “الرئيس يتحدث عن المؤسسات العمومية التي تشهد كلفة عالية، ويعتبر أن هناك في هذه المؤسسات من يعطّل سيرها ويجرّها نحو الإفلاس”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه “يقصد بإفلاس المؤسسات أن تصبح غير قادرة على توفير مواردها الذاتية وتستمر من خلال دعم الدولة لها بعد أن كانت تموّل ميزانية الدولة وتقدم خدمات بأسعار مقبولة لدى المواطنين، لكن هناك سوء تصرّف بسبب التعيينات (الانتدابات) الكبيرة والمحسوبية وزيادة كبيرة في الأجور”.

وأكّد الشكندالي أن “كلفة هذه المؤسسات أصبحت تتحملها الدولة والجزء الآخر يتحمله المواطن”.

المنذر ثابت: تفاقم التداين عن قصد للتفويت في المؤسسات بأبخس الأثمان
المنذر ثابت: تفاقم التداين عن قصد للتفويت في المؤسسات بأبخس الأثمان

وشهدت تونس بعد انتفاضة 2011 حالة استقطاب وتجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين والعلمانيين لم تقتصر على الخيارات الكبرى التي تم انتهاجها، بل طالت أيضا التعيينات في الإدارة التونسية التي يرى البعض أنها تخضع للمحاصصة الحزبية.

وواجهت البلاد في العشرية الماضية موجة كبيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والضغط من أجل توفير الوظائف، كما صدر مرسوم العفو التشريعي العام في 19 فبراير 2011، الذي تم بمقتضاه انتداب حوالي 7 آلاف موظف في الوظيفة العمومية دون مناظرات رسمية.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “في فهم الرئيس سعيد، من الواضح أنه يشكّ في وجود أطراف في منظومة ما قبل 25 يوليو 2021 تعطل سير الدولة وجهاز الإدارة، ويقصد بالتطهير على قاعدة اللون السياسي والتعيينات وأيضا التطهير المالي بعدما أسيء التصرف فيها وتفاقم التداين عن قصد للتفويت فيها بأبخس الأثمان”.

وأكد لـ”العرب” أن “المؤسسات العمومية غداة الاستقلال في 1956 كانت وظيفتها الأولى خلق فرص التشغيل وتوفير الإنتاج مثل شركة الفولاذ والنقل وتوزيع المياه والكهرباء والغاز، فضلا عن تمكين الاقتصاد من رافعات”.

واعتبر ثابت أن “التصرّف العقلاني تم إهماله مقابل عقد تفاهم بين من كانوا في الحكم والنقابات التي تحولت إلى سلطة داخل تلك المؤسسات، كما أن التعيينات التي جاءت في إطار العفو التشريعي العام طرحت عدة تساؤلات، ولا زالت الأرقام غامضة إلى حد الآن”.

وكانت الحكومة التونسية قد فتحت العام الماضي عدّة قضايا في ملفات فساد وإرهاب تعود إلى السنوات التي توصف بـ”العشرية السوداء”، كما استجابت إلى الدعوات المطالبة بفتح تحقيق في التعيينات التي جرت خلال الأعوام الماضية، وفتحت ملف التعيينات المشبوهة في الوظيفة العمومية.

4