إلى أي هاوية أو فردوس نذهب؟

جولات هوكستين بين لبنان وتل أبيب ما هي إلا محاولة لكسب الجانب الإسرائيلي المزيد من الوقت والتصريحات المتفائلة بقرب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ما هي إلا تضليل إعلامي للشعوب.
الأربعاء 2024/11/27
عن أي تفاؤل نتحدث

أبحث بين سطور الحاضر على أمل محاولة استبصار المستقبل.. محاولة صياغة إجابة منطقية لسؤالين: ماذا نتوقع أن يحدث؟ وأي مستقبل ينتظرنا؟

في ظل هذا الركام الباقي والمتمدد، هل من الممكن أن نتحدث عن تفاؤل بقُرب إيجاد حل لحرب القيامة القائمة في الشرق الأوسط؟ هل النهاية اقتربت أم ما زال الحديث مبكرا للحديث عن حلول ونهاية لغزة والضفة ولبنان والعراق وسوريا؟ وأي واقع من الممكن أن يتجلى قريبا؟ هل ينتظرنا المزيد من الأسى في البلاد المحيطة؟ وهل الضربات ربما ستتمدد لتشمل مناطق وأطرافا إضافية؟

يرى البعض جولات عاموس هوكستين بين لبنان وتل أبيب ما هي إلا محاولة لكسب الجانب الإسرائيلي المزيد من الوقت، وما الأمر إلا تمويه للأطراف، وأن التصريحات المتفائلة بقرب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار ما هي إلا تضليل إعلامي للشعوب، مجرد بيع أوهام غير قابلة للتطبيق ولا نوايا حقيقية لتطبيقها.

◄ ماذا حل بكل الفلسفات الأخلاقية الفكرية السياسية والمدارس الحزبية الفكرية لمحاولة الوصول إلى عالم متوازن حضاري

ربما نتنياهو وحاشيته اليمينية المتطرفة يريان في “الآن” الفرصة الذهبية لاستمرار مشاريعهما عسكريا وسياسيا وأمنيا سواء في فلسطين أو لبنان وربما أبعد. فلماذا يعقد نتنياهو اتفاقا في ظل ضرباته المستمرة وعملياته العسكرية البرية الممتدة؟ بل يبدو أن إسرائيل تحاول تدمير خصومها بشكل كامل في تكثيف ضرباتها. لعلها تريد أن تصل إلى نقطة حيث لا يتبقى هناك طرف تتفاوض معه لعقد اتفاق.

لذا، عن أي تفاؤل نتحدث بينما حجم الشرخ أعمق من أن تُلئمه مسودة اتفاق، والفجوة في المنطقة تعاظمت لتصبح بحجم ثقب أسود. أرى أنه من غير الممكن غض البصر عن الشرخ الأخلاقي القيمي البشري الذي أصاب العالم، ولا يمكن الخروج بسهولة من الجحيم الذي زُجّ به الشرق الأوسط.

فلسفيا، كما قلت سابقا، أعتقد أن نيتشه أصاب بنظريته “العود الأبدي”، فالماضي يتجلى بالحاضر، والإنسان عالق في حلقات مفرغة من الأحداث المتكررة. إن واقع الشرق الأوسط أشبه بثعبان يلتهم ذيله وغير قادر على التحرر من لعنة تاريخه.

بمعنى، حتى وإن تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، وبالمناسبة هو ما ينشده ويتمناه الجميع لوقف هذا النزيف البشري والمأساة المتفاقمة، لكن ستبقى المنطقة على كف عفريت، واقعها غير واضح، متشظ وغير مريح. فبنظر البعض، هذا الركام من المعاناة ومن الحقد والغضب سيكون له صدى عاجلا أم آجلا، أي ستكون هناك تداعيات في أقاصي العالم وليس في المناطق المنكوبة فقط على ما يجري اليوم. فلا يمكن طي صفحة كل ما حدث بكل بساطة، هذا الصراع ربما يولد رحلة انتقام هادئة.

البعض يرى الحرب ما زالت طويلة، ولن تنتهي بهذه البساطة، فتل أبيب وواشنطن يبدو أنهما لم يقررا إنهاء الحرب. ربما سموتريتش يريد فعلا فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية عام 2025، وماذا ينوي سموتريتش إذا أن يفعل بالسلطة الفلسطينية؟ يحجم دورها أو ربما يتخلص منها تماما؟ أما بن غفير السعيد جدا بالحرب المستمرة فلا يؤيد التوصل إلى أي وقف إطلاق نار، والجيش الإسرائيلي من الواضح أنه يطبق على أرض شمال قطاع غزة مشروع إنشاء منطقة عازلة كما كان يردد.

يقال في وسائل الإعلام الإسرائيلية إن أحد أسباب إقالة غالانت عدم دعمه لاستمرار الحرب في قطاع غزة، بينما حلف نتنياهو يرى أنها فرصة ممتازة لتجلي حلم رابين حين قال “أتمنى أن أستيقظ من النوم ذات يوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر.” فهل غزة على وشك أن يبتلعها البحر فعلا؟ وهل مصير 2 مليون فلسطيني التهجير الأبدي بعد أن تحول قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة؟ وهل تملك إسرائيل أيا من الإجابات على مصير غزة وأهلها؟

◄ البعض يرى جولات عاموس هوكستين بين لبنان وتل أبيب ما هي إلا محاولة لكسب الجانب الإسرائيلي المزيد من الوقت، وما الأمر إلا تمويه للأطراف

ربما واشنطن ترى في أحداث الشرق الأوسط فرصة لتصفية ما تصفه بـ”أذرع إيران” في الشرق الأوسط. هل أقصد أنه ربما يصل الأمر إلى ضربات موسعة في العراق وسوريا؟ ربما. ربما هذه الفرصة المثلى لدحر النفوذ الإيراني إلى ما أبعد من المنطقة العربية.

إن ما تشنه إسرائيل من حرب على جبهات عدة لا يمكن أن يتم دون دعم دولي عسكري استخباراتي تكنولوجي مالي سياسي، صحيح؟ وسط عدم اكتراث صيني – روسي لما يحدث حقيقة، طالما أن مصالحهما الاقتصادية في المقام الأول لن تتأثر، وخطوط الصراع الروسي – الأميركي لا تخرج من إطارها المتفق عليه ضمنيا.

ومن جهة أخرى، هناك من يرون أن الصراعات المحتدمة لن تنتهي، لأن البيئة الشعبية الرافضة لإسرائيل تتعاظم، والإصرار الشعبي على دحر خطط إسرائيل يراه البعض مستمرا حتى آخر رمق. حتى وإن وهنت الآن أو أصابتها الخسائر والدمار، لكنهم يرون أن في لحظة ما، الآن أو لاحقا، لن تصمت الشعوب على ما أصابها في آخر عام.

ما زال الجميع عالقا في “اللحظة المظلمة”، والجميع يتطلع محاولا إدراك إلى أي هاوية أو فردوس نذهب؟ إلى أين يقودنا القطار؟ ومن يقود القطار؟ واشنطن وتل أبيب؟ وهل هناك مكان للدول الإقليمية والدولية في قيادة القطار وتغيير الوجهة أم أن هذا هو العالم الذي نعيش به، عالم الرجل الواحد والقطب الواحد؟

إذا كانت الإجابة نعم، فماذا حل بكل الفلسفات الأخلاقية الفكرية السياسية والمدارس الحزبية الفكرية لمحاولة الوصول إلى عالم متوازن حضاري؟ هل من الممكن قريبا أن يتضح المشهد؟ الأيام القادمة تجيب.

9