إلزام المقبلين على الزواج بالفحوصات الطبية خطوة أولى نحو المصارحة

أسر مصرية تعتقد أن الفحوصات الطبية دخيلة على العادات والتقاليد.
السبت 2024/05/11
إهمال الفحوصات الطبية يعود بالضرر على الأطفال

توقيا من الأمراض الوراثية والعاهات المستديمة التي يمكن أن تصيب الأبناء، تلزم الحكومة المصرية المقبلين على الزواج بإجراء الفحوصات الطبية كخطوة أولى للمكاشفة بينهما. ومن شأن الفحوصات أن تمكن من توجيه أحد الشريكين، في صورة ثبتت إصابته بأي نوع من المرض، إلى المتابعة مع طبيب مختص، تمهيدا لبدء مرحلة العلاج دون التأثير في حرية اختياره لذلك.

القاهرة - لجأت الحكومة المصرية إلى خطوة أولى من نوعها بالإفصاح عن أمراض وراثية قد يصاب بها المقبلون على الزواج، وتنتقل إلى الأبناء مستقبلا، حيث شددت على إجراء الفحوصات والتأكيد على أهمية التزام الشباب والفتيات بالخضوع لها وعدم التهاون معها، والتخلي عن الاستخفاف بها.

وأعلنت وزارة الصحة تقديم العلاج والمشورة الطبية لنحو 32 ألف حالة تم اكتشافها مصابة بمرض وراثي “الثلاسيميا” من خلال مبادرة فحص المقبلين على الزواج، حيث ينتقل من الآباء إلى الأبناء ما لم يتم علاجه بشكل كامل قبيل التخطيط للإنجاب، في محاولة لتوعية الأسر بجدوى الفحوصات ومخاطر عدم الالتزام بها.

قال مسؤولون بقطاع الصحة إنه بعد ظهور نتائج الفحوصات للشاب أو الفتاة قبل الزواج قد يتبين إصابة أحدهما أو كليهما بمرض وراثي، فيتم توجيهه إلى المتابعة مع طبيب مختص، تمهيدا لبدء مرحلة العلاج دون التأثير في حرية اختيار الشريكين، ويتم تعريفهم بالمرض وخطورته وكيفية الوقاية من مضاعفاته.

مازالت بعض الأسر لا تعير اهتماما لفحوصات الزواج، وهناك من يعتقدون أن الالتزام بها يمثل عائقا أمام إتمامه ويتجاهلون حق كل طرف أن يكون على دراية بما يعاني منه الشريك كي لا تنتقل العدوى والأمراض الوراثية إلى الطرف الآخر والأبناء أو تكون للمرض تداعيات سلبية على العلاقة بين الزوجين.

رحاب العوضي: المشكلة الحقيقية تكمن في بعض البيئات المحافظة التي تميل إلى تطبيق الأعراف في الزواج
رحاب العوضي: المشكلة الحقيقية تكمن في بعض البيئات المحافظة التي تميل إلى تطبيق الأعراف في الزواج

تستهدف الحكومة من وراء الفحوصات تقليل نسبة حدوث الأمراض الوراثية وانتشارها ووقاية الأطفال من الإعاقات الذهنية والجسدية وخفض نسبة الوفيات بين الصغار نتيجة الإصابة ببعض الأمراض الوراثية كمدخل لتخفيف العبء النفسي والاجتماعي على الأسرة، وتجنب وصول علاقة الزوجين للطلاق. وظلت فحوصات الزواج في مصر تأخذ شكلا صوريا أكثر منه ضرورة حياتية وإنسانية لقوام أسري متماسك يخلو من المنغصات والأمراض التي يحملها الزوجان، وهو ما تسعى السلطات لتغييره بالتخويف من تبعات تجاهلها بشكل يجعل حياة الشريكين أقرب إلى جحيم، ما يفسر الجوء لمسار الإفصاح عن المخاطر.

وجزء من المشكلة أن شريحة كبيرة من الأسر في مصر لديها شعور بأن فحوصات الزواج وسيلة من الحكومة لجمع مبالغ مالية، ما يعكس غياب الوعي العائلي بمخاطر التحايل على إجراء تلك الفحوصات وعدم الاقتناع بأنها ركيزة أساسية لبناء قوام أسري متماسك لا ينتج عنه إنجاب أطفال مشوهين.

وأكدت رحاب العوضي استشارية العلاقات الأسرية في القاهرة أنه من الصعب استمالة الأسر والشباب في بعض المناطق بخطورة تجاهل فحوصات الزواج من دون توعيتهم بأن المصارحة مفيدة لكل الأطراف بعيدا عن اختزال الأمر فيما يمكن توصيفه أحيانا على أنه مقدمة للفضيحة، بحيث يتغير المفهوم وتصبح المكاشفة وسيلة مثالية لحماية الكيان الأسري من الانهيار.

وأضافت لـ”العرب” أن المشكلة الحقيقية تكمن في بعض البيئات المحافظة التي تميل إلى تطبيق الأعراف في الزواج، إذ يتم التعامل أحيانا مع الفحوصات على أنها انتهاك للخصوصية بلا وعي كاف بأنها تهدف إلى الحفاظ على العلاقة الزوجية وحماية الأبناء وتكريس صفو حياة الشريكين في المستقبل.

وتتمسك وزارة الصحة بعدم عقد قران الشاب والفتاة إلا بعد خضوعهما لفحص طبي، وعقب إتمام تلك الخطوة تتم مناقشة النتائج في جلسة سرية لكل طرف على حدة، ويكون كلاهما على دراية كاملة مسبقا بما يعاني منه الشريك بلا تدخل في إجباره على قرار بعينه، لكن بغرض النصيحة.

وتفسر هذه الخطوة سبب تحفظ بعض الشباب على إجراء الفحوصات الطبية اللازمة لعقد القران، حيث يتخوفون من أن يكون ظهور أي عرض مرضي دافعا أمام العائلة لإنهاء الزواج قبل تمامه، ويصعب التلاعب بنتائج التحاليل المرتبطة بالزواج، حيث تسير كل إجراءاتها بطريقة رقمية ومؤمنة.

ويتم ربط فحوصات الزواج بمجمع الوثائق المؤمنة، وهناك اهتمام رئاسي بالخطوة لاكتشاف الأمراض الوراثية والمعدية بشكل مبكر، ووضع الحلول العلاجية قبل فوات الأوان، مع حماية النشء من التشوهات ورفع الوعي الصحي بين كل أفراد الأسرة، بقطع النظر عن البيئة الاجتماعية.

◙ الحكومة تستهدف من وراء الفحوصات تقليل نسبة حدوث الأمراض الوراثية ووقاية الأطفال من الإعاقات الذهنية

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي صاحب فكرة تطبيق إلزامية فحوصات الزواج كي لا تكون العلاقة قائمة على الخداع والمغالطة من البداية، بحيث تصبح النتائج كاشفة بوضوح عن مستقبل العلاقة، ويقرر كل طرف مبكرا هل يستكمل مع شخص قد لا يكون مناسبا له صحيا ونفسيا أم يتراجع ويعيد حساباته مجددا.

يؤكد متخصصون في القطاع الطبي أن الإفصاح عن بعض الأمراض المكتشفة لمقبلين على الزواج يستهدف المزيد من توعية الأسرة بها لمساعدة الحكومة على وضع إستراتيجية واقعية لمواجهة الأمراض الجينية، وإقرار سياسة صحية تواكب المستجدات الراهنة، وهو ما لن يتحقق دون دق جرس إنذار للشباب وعائلاتهم. ويواجه هذا التحرك بممانعة من جانب شريحة معتبرة من الشباب والفتيات، ويتعاملون غالبا مع الفحوصات الطبية قبل الزواج بحساسية مفرطة بدعوى أنها قد تهدد إتمام الزيجة لو كان أيّ منهما مصابا بمرض وراثي أو معدٍ، ثم أن غالبية الأسر نفسها تعتقد أن الفحوصات إجراء دخيل على العادات والتقاليد.

مثال ذلك، زواج الأقارب في مصر، الذي مازال من أخطر الأسباب التي تنتج عنها أمراض وراثية تنتقل للأبناء، في حين أن هناك مناطق كاملة تنظر إلى تلك الزيجات بأنها أساسية مهما كانت المخاطر، وتتم من خلال العرف والتقليد العائلي بغض النظر عن التبعات الصحية على الزوجين أو أولادهما في المستقبل.

وحسب إحصائيات رسمية، فإن زواج الأقارب غالبا ما تنتج عنه أمراض أنيميا البحر المتوسط، وهناك 700 إصابة لكل ثلاثة آلاف حالة، والكثير من أطفال تلك الزيجات يصابون بانخفاض المناعة والتشوهات الخلقية، ما يجعلهم عرضة لمخاطر صحية قد تودي بحياتهم مع استمرار تراجع الوعي.

وأكدت الاستشارية الأسرية أنه من الضروري التعامل مع الفحوصات كجرس إنذار قبل الزواج، ومطلوب نشر ثقافة مجتمعية جديدة عنوانها أن تنتهي العلاقة قبل اتمامها لأسباب صحية أفضل من البقاء ثم الانفصال بعد إنجاب أبناء مشوهين، مع الاستعانة بنماذج لأزواج تورطوا في علاقات غير صحية لتكريس هذا الفهم.

وتتمسك دوائر رسمية بخطوة المصارحة الكاملة بنتائج الفحوصات بعدما تبين أن عدم وجود مكاشفة شاملة بين المقبلين على الزواج من أبرز مسببات الطلاق، كأن يخفي أي طرف إصابته بعائق صحي يمنعه من الإنجاب أو يكون لديه مرض معد.

15