إقبال الأسر على الطب البديل في الجزائر يعكس عجزها عن تحمل نفقات الأدوية

الأوضاع الاقتصادية والصحية تفرز سلوكيات جديدة في المجتمع الجزائري.
الخميس 2021/08/26
الجائحة زادت من أعباء الأسر الجزائرية

تزايد إقبال الأسر الجزائرية في الفترة الأخيرة على دكاكين الطب البديل ما يعكس هروبا من نفقات الأدوية مرتفعة الأسعار من جهة، وتفشيا لدائرة الفقر من جهة ثانية. وقد زادت هشاشة الخدمات الصحية وقلة التكفل الاجتماعي بالحالات المعقدة من طرف المؤسسات الرسمية المختصة والمجتمع المدني من انتشار ظاهرة الطب البديل في الجزائر.

الجزائر - أثرت تداعيات الأزمة الاقتصادية ومعها مخلفات جائحة كورونا على المجتمع الجزائري، ما أنتج سلوكات جديدة لدى الأسر الجزائرية التي صارت ترتاد دكاكين الطب التقليدي هروبا من ثقل نفقات الأدوية.

وفتحت هذه الدكاكين باب العودة إلى الطبيعة وإلى أنماط اجتماعية سادت عقود ما قبل الاستقلال. ولئن كان هناك ما يبررها في تلك الفترة فقد صارت الآن مؤشرا على اتساع دائرة الفقر وتراجع دور الطب الحديث لصالح العقاقير والممارسات القريبة من الشعوذة.

وتزايد إقبال الأسر الجزائرية على دكاكين العقاقير والطب البديل خلال السنوات الأخيرة بشكل مثير للانتباه، وذلك بالتزامن مع موجة النصائح التي رافقت انتشار وباء كوفيد – 19، ومن أبرز هذه النصائح والإرشادات إمكانية علاج الوباء أو التقليل من آثاره بتناول بعض العقاقير والأعشاب التي صارت مادة تنافس أهمّ المواد النفيسة.

وساهم الإقبال اللافت لتلك الأسر على اقتناء تلك المواد والعقاقير في ارتفاع أسعارها ارتفاعا فاحشا، حيث صار سعر القرنفل والزنجبيل والزعتر البري والليمون يناهز أربعة أضعاف ما كان عليه في السابق. واتسعت دائرة الاتجار بالعقاقير والأعشاب؛ إذ شمل ذلك مختلف مدن البلاد، بما فيها العاصمة ووهران وقسنطينة.

وبين الغلاء والوباء باتت الأسر الجزائرية تتخبط في متاعب جديدة، انضافت إلى متاعب متراكمة نتيجة تراجع القدرة الشرائية واتساع دائرة الفقر، مقابل هشاشة الخدمات الصحية والتكفل الاجتماعي بالحالات المعقدة من طرف المؤسسات الرسمية المختصة والمجتمع المدني.

وتصدرت دكاكين الطب البديل المشهد الاجتماعي والخدماتي في البلاد. وحتى أهم شوارع العاصمة -على غرار ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي والعربي بن مهيدي- صارت تعج بتلك الدكاكين التي تحرص على جذب الزبائن ولفت انتباههم أكثر من حرص الصيدليات، وكأنها صاحبة علامات تجارية جديدة تغري الأفراد والعائلات الباحثة عن عشبة أو عقار تعالج بهما مرضا أو تحتاط بهما من فايروس كورونا.

الصورة
أزمة كورونا تعمق معاناة العائلات الجزائرية

ويرى مختصون أن هذه الظاهرة تمثل امتدادا طبيعيا لما يسود العالم من رغبة في العودة إلى الطبيعة، لكنها في المجتمعات المتخلفة تتخذ أبعادا أخرى حيث تحيل أصحابها إلى زمن الأزمات الصحية، لأن الظاهرة ترافقها روايات وأساطير قريبة من السحر والشعوذة أكثر من قربها إلى الحقيقة الطبية، كما أن نفقات الأدوية أثقلت كاهل المرضى فاندفعوا إلى تلك الدكاكين اعتقادا منهم أن أسعارها في المتناول لكنها في واقع الأمر باهظة جدا.

وبين هوس كوفيد – 19 وضعف القدرة الشرائية وسذاجة بعض المرضى وتأثرهم السريع بعبارات الإغراء يزداد الإقبال الفردي والجماعي على تلك المحال بغية العثور على عشبة أو عقار أو خلطة سحرية لعلاج مرض ما، لتجد العائلات الجزائرية نفسها بين سندان منظومة صحية هشة وسوق عشوائية استفادت من الدعاية الموازية ومن غض الحكومة النظر عن بعض الممارسات بسبب التفرغ الكلي لمواجهة وباء كورونا.

وبعد أن كانت تلك العائلات تعمد إلى توفير صيدليتها الطبية تحسبا للحالات الطارئة أو النوبات المفاجئة الخفيفة صار الاهتمام الآن منصبا على صيدلية غير مألوفة قوامها عقاقير وأعشاب تلبي ما يتداول في الشارع من روايات حول دور هذا العقار أو تلك العشبة في علاج كورونا أو أي مرض آخر، حتى لو كانت وصفة الدواء أقرب إلى الخرافة أو تنطوي على أضرار وآثار جانبية خطيرة.

وبغض النظر عن مصدر وجدوى الوصفات التي كان الجزائريون يستعملونها خلال عقود الاستعمار الفرنسي لمعالجة أمراض وأوبئة كالجدري والحصبة، فإن هناك وصفات مشابهة عادت إلى الواجهة في الآونة، كاستعمال “النفة” لعلاج فايروس كورونا وبعض الأبخرة التي لا أحد يعرف أنواع النباتات والأعشاب وحتى أوراق الأشجار المستعملة في تكوينها.

الأسر الجزائرية باتت تتخبط بين الغلاء والوباء في ظل متاعب جديدة متراكمة ناتجة عن توسع دائرة الفقر

وفيما كان النشاط منحصرا في المناطق الداخلية المعزولة والأسواق الشعبية الأسبوعية -حيث يستغل بعض المتمرسين الانتهازيين سذاجة الناس لبيعهم أوهاما صحية، وهم تجار مميزون توارثوا الحرفة أبا عن جد ولهم من الفصاحة والبداهة ما يقنع ضحاياهم- انتشرت في الآونة الأخيرة تجارة الطب البديل بشكل لافت وسريع كما انتشرت قبلها تجارة الخبز والمأكولات التقليدية. ولئن ارتبطت الأخيرة بقلة حيلة المستهلكين ورغبة أصحابها في توفير مصدر رزق إضافي فإن محال الطب البديل استفادت كثيرا من وباء كورونا وصارت وجهة الأفراد والأسر في ظل انحسار أفق العثور على عقار طبي ناجع.

وترى الأخصائية في الأمراض المعدية والطب الوقائي صابرين بوفارو أن “هذه المواد الطبيعية من شأنها أن تخفف الإصابة بنزلات البرد أو الأنفلونزا الموسمية العادية، ولكنها غير صالحة في حالة الإصابة بفايروس كورونا؛ ذلك أن الأخير يتطلب المتابعة والرعاية الطبية من طرف أخصائيين في الأمراض المعدية”.

وبخصوص ما يتم تداوله عبر المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي من وصفات طبيعية للوقاية من عدوى كوفيد – 19 شددت على أنه “لا يوجد أي دليل طبي على أن هناك أعشابا طبيعية تحمي من عدوى فايروس كورونا، وأنه في حالة الإصابة قد تخفف هذه الأعشاب بعض أعراض المرض كالزكام لكن بعد تفاقمه لن تكون لها أي فائدة”.

ولفتت إلى أن جهاز المناعة يتعزز بتناول غذاء غني بالألياف المتوفرة في الخضروات والفواكه، وأن الجسم يحتاج إلى قدر كاف من الزنك وفيتامين ”ج” والحديد من أجل الحفاظ على نظام مناعة جيد، وأن التغذية الجيدة تضمن تقوية جهاز المناعة لمقاومة كافة أنواع العدوى الفايروسية.

ويرجع مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس هذه الظاهرة إلى حالة الهلع الناجمة عن أي أزمة، حيث يلجأ الناس إلى تجريب كل الحلول مصدقين فاعليتها ومكذبين خطورتها بحثا عن الاطمئنان. كما يرجعونها أيضا إلى تأثير الجانب النفسي للزبون؛ وهو عدم الشعور بالأمان في الوضع الحالي حيث انتشرت أخبار الوفيات والإصابات، ما يعني بالنسبة إليه أن عدم تناول الأعشاب أو العقاقير يساوي الإصابة وبالتالي الموت. ولذلك لا نرى من هؤلاء من يرفض غلاء أسعار مواد الطب البديل في هذه الفترة تحديدا، في حين يحتجون كثيرا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لأن تهديد الحياة منعدم في هذه الحالة.

21