إقبال الأزواج على برامج التوعية الأسرية ينتشر في مصر

تشير الإحصائيات الرسمية في مصر إلى أن أكثر من ثلث حالات الطلاق يقع في الأعوام الثلاثة الأولى من الزواج، وهو ما يعني أن اختيار الشريكين لم يكن على أسس دقيقة، ما يجعلهما يخفقان في إدارة الحياة الزوجية فيتم الطلاق سريعا. لذلك بعثت الحكومة مشروع “مودة” الذي يهدف إلى تأهيل الأزواج وتحديدا المنتمين إلى الجيل الحالي للحفاظ على كيان الأسرة.
القاهرة - نجحت الحكومة المصرية أخيرا في جذب الكثير من الأزواج والمقبلين على الارتباط الرسمي في الحصول على البرامج التوعوية المرتبطة بتكوين الأسرة بشكل صحي، بعيدا عن الدخول في صدامات تقود إلى انهيار العلاقة سريعا، بما ينعكس سلبا على القوام العائلي ويقود إلى منغصات حياتية صعبة للشريكين والأبناء.
أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي ارتفاع عدد المقبلين على المنصات التوعوية الأسرية إلى أكثر من خمسة ملايين زوج وزوجة، إضافة للمقبلين على الزواج، في مؤشر يعزز زيادة الإقبال على البرامج التي تؤهل لحياة أسرية هادئة، والإصرار على تجاوز المشكلات الحياتية وثقافة العائلة وتقاليد المجتمع.
تكمن أهمية رقم الخمسة ملايين المستفيدين من البرامج التوعوية خلال العام الماضي في الزيادة الكبيرة في الإقبال، (20 ألفا في عام 2019) وكانت النسبة الأكبر مرتبطة بالنساء حيث بلغ الإقبال منهن نحو 71 في المئة، مقابل 29 في المئة للذكور، وتمثل الفئة العمرية ما بين 21 إلى 40 سنة، النسبة الأعلى لتبلغ 75 في المئة من إجمالي المستفيدين.
ما ساعد في زيادة الإقبال على البرامج التوعوية، انتشار مشروع “مودة” الذي يستهدف الحفاظ على كيان الأسرة، وإطلاق وزارة التضامن مبادرة جديدة تحمل اسم “اسأل مودة”، بما يسهل على الأزواج وأبنائهم المقبلين على الارتباط الرسمي، سرعة طرح المشكلة وأسبابها، والحصول على ردود سريعة من خبراء ومتخصصين.
يتم الرد على صاحب المشكلة في ساعات قليلة وبسرية تامة ومجانا، إضافة إلى إعداد بنك إجابات للأسئلة الأكثر شيوعا وتكرارا داخل الأسرة، بما يُمكن الاطلاع عليه، وتفاعل المستفيدين مع خدمة الاستشارات الرقمية المتاحة طوال الوقت، حيث يصل عدد الأسئلة شهريا لأكثر من ألفي استفسار عن حلول لمشكلات.
ما ساعد في زيادة الإقبال على البرامج التوعوية انتشار مشروع "مودة" الذي يهدف إلى الحفاظ على كيان الأسرة
واستعانت وزارة التضامن برجال الدين الإسلامي والمسيحي وأطباء الصحة الإنجابية وخبراء الاجتماع والاستقرار الأسري، إضافة إلى “المنتور”، وهي أكبر مؤسسة مصرية متخصصة في التدريب والتعليم عن بعد، لإنشاء منصة “مودة” وإدارتها إلكترونيا بأعلى مستوى من الأمن السيبراني والوصول لمعدلات استفادة غير مسبوقة، مع التفاعل مع آراء الشباب من خلال تحليل مستمر للبيانات وردود الأفعال.
وذهبت الحكومة بعيدا بالوصول إلى فئات عمرية في المرحلة الجامعية من المقبلين على الزواج، وخصصت لهم برامج تتناسب مع أفكارهم، لتوعيتهم بأسس الحياة الزوجية باعتبار أنهم سيصبحون في المستقبل أرباب أسر، بحيث يتم تحصينهم من دوامة الطلاق المبكر وجزء كبير منه ناتج عن عدم الخبرة.
يرمي مشروع “مودة” إلى إكساب المهارات ذات الصلة بالحياة الأسرية السليمة لسد الفجوة المعرفية لدى الأزواج والشباب، وتعريفهم بالأدوار المختلفة لأعضاء الأسرة والحقوق والواجبات، مع التركيز على أسس اختيار شريك الحياة بشكل سليم لضمان حياة مستقرة، أو تقريب المسافات معه إذا كانت هناك مشكلات.
تستهدف الحكومة تأهيل الأزواج وشرح أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأولى، بعدما تبين أن 38 في المئة من وقائع الانفصال تقع في الأعوام الثلاثة الأولى، وهو مؤشر على أن الشاب والفتاة يكون اختيارهما على أسس غير دقيقة، ويخفقان في إدارة خلافات المرحلة الأولى من الحياة الزوجية فيحدث الطلاق سريعا.
نجح مشروع “مودة” في تغيير قناعات الكثير من الأزواج، تحديدا المنتمين إلى الجيل الحالي في الكف عن التعامل مع الزواج باعتباره عادة أو طقسا يرتبط بالأعراف والتقاليد ويمكن تسييره وفق النهج الموروث من العائلة أو البيئة المحيطة، وأصبح هناك فهم لطبيعة الشراكة المتكاملة لمواجهة صعوبات الحياة بالتكامل والتضحيات وتجاوز المشكلات بالوعي.
يرى متخصصون أن توعية الأزواج وأرباب الأسر في المستقبل من الأبناء يحصنهم من الأفكار المغلوطة التي يتوارثونها عن عائلاتهم تجاه مؤسسة الزواج، لأن تحمل المسؤولية دون فهم لما سوف يقابل الشريكين قد يؤدي إلى أزمات يخفق الطرفان في حلها، ما يعزز أهمية تكثيف التوعية بمتطلبات الحياة الزوجية.
ويعتقد هؤلاء المتخصصون أن زيادة معدلات الإقبال على برامج التوعية الأسرية من جانب شريحة معتبرة من الأزواج، يعكس لأي درجة هناك تغيرات جذرية طرأت على عقلية أرباب الأسر، والاقتناع بأن الفهم الصحيح لطبيعة العلاقة يحصن الكيان العائلي من الانهيار، والارتكان إلى التعامل وفق الميراث المجتمعي الجاهلي يكرس الخلافات ويسرع انهيار العلاقات لأسباب واهية.
وتضاعف الحكومة جهودها في هذا الملف لاقتناعها بأن الزواج من دون حصول كل طرف على معرفة كافية بالعلاقة مع الآخر وإدارة الحياة معه بمرونة، يقود إلى كثرة الخلافات وتضخيمها ولو كانت بسيطة، ما يهدد العلاقة برمتها حتى لو نتج عنها أطفال، ومهما كانت تكلفة البرامج التوعوية ضخمة على الدولة، لكنها ستجلب مكاسب مجتمعية وأسرية أكبر.
تشير الكثير من مبررات الطلاق في مصر إلى أن الأجيال الجديدة وحتى شريحة كبيرة من المتزوجين قديما، يخوضون تجربة الزواج بلا فهم صحيح لدستور العلاقة، ولا يدركون معنى الأسرة، وهو ما يظهر في محاولة كل فرد أن يفرض سيطرته على الآخر بلا تشارك أو تفاهم، فيصبح الانفصال القرار الأول.
يعتقد خبراء في العلاقات الزوجية أن زيادة جرعات الوعي الموجهة للآباء والأبناء تسهل مهمة تغيير مفاهيم الأسرة برمتها تجاه مؤسسة الزواج، لتعريفهم بأن هذه العلاقة ليست مجرد وسيلة لإشباع غريزة أو عاطفة، والخلافات التي تحدث يفترض أن تقود إلى التقارب، لا التباعد والانفصال، المهم التعامل معها بعقلانية وفهم.
قالت عنان حجازي استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة إن زيادة الإقبال على برامج التوعية الزوجية مؤشر إيجابي على عدم استسهال الأجيال الصاعدة للانفصال كوسيلة لإنهاء المشكلات، وهذا يعني اتساع دائرة الشريحة التي تتمسك بالعلاقة الزوجية لأطول فترة ممكنة، مؤكدة أنه كلما ارتفع منسوب الوعي بالحقوق والواجبات وحل المشكلات تراجع معدل الانهيار الأسري.
وأضافت في حديثها لـ”العرب” أن حصول كل طرف على معرفة كبيرة بالعلاقة مع الآخر، ولو بعد الزواج، يسهل مهمة تجاوز الخلافات وعدم تراكمها بما يُحدث الضغينة والكراهية ويقود إلى صراعات، وميزة هذه البرامج أنها أشبه بالطرف المستقل الذي يقدم النصيحة دون مصلحة، بعكس التدخلات العائلية التي قد تنحاز لأي طرف، وبالتالي متوقع مستقبلا انخفاض معدلات الطلاق مع زيادة الإقبال على التثقيف الذاتي للأزواج.
تقدم مؤسسة الأزهر والكنيسة ودار الإفتاء أيضا دورات تأهيلية للأزواج والمقبلين على تكوين أسر حديثة، لكن أغلب المشاركين فيها رجال دين، أي أنها منقوصة الخبرات الكافية، ولا تتعمق في المشكلات الموجودة ولا تقدم مفاهيم دقيقة عن الزواج الصحي، بعكس ما تفعله وزارة التضامن من خلال مشروع “مودة”.
تزداد أهمية التكثيف من جرعات التوعية الموجهة للأزواج مع زيادة المشكلات الحياتية والغلاء والظروف الاقتصادية الصعبة والعجز عن حل المشكلات الطارئة التي تجعل الطرفان يشعران باليأس والإحباط، لأن هذه البرامج تنير بصيرة الشريكين بشكل نفسي واجتماعي وتكشف لهم التصرفات الصحيحة وقت الأزمات.
وميزة البرامج التوعوية أنها تُطبق من خلال المحاكاة، أي بسرد مشكلات تواجه أغلب الأسر وشرح طريقة حلها بشكل مبسط وبما يتناسب مع الواقع المعيشي للأهالي، ما يجعل الحلول المقدمة جذابة ومقنعة وتلامس صميم الخلافات والأزمات التي يعاني منها الأزواج، وهو ما يفسر عمليا زيادة الإقبال عليها.