إغلاق سلسلة مطاعم يكشف عشوائية قرارات الحكومة في مصر

القاهرة- أثار إغلاق سلسلة مطاعم ومحال للحلويات تمتلكها شركة “بلبن” الكثير من الجدل في مصر، بسبب الغموض والمفاجأة اللذين شابا الإغلاق، وزاد من حدة التساؤلات غياب الجهات الرسمية عن توضيح أسباب الإغلاق، قبل أن يبادر موقع مجلس الوزراء بنشر بيان صادر عن الهيئة القومية لسلامة الأغذية الحكومية، الجمعة، أرجع سبب الإغلاق إلى مخالفة سلسلة المحال للاشتراطات الصحية.
وقالت الشركة في حسابها على فيسبوك السبت إنها تلقت استجابة سريعة وتدخلاً مباشرًا من الرئيس عبدالفتاح السيسي، ودعوة لعقد اجتماع عاجل مع الجهات المختصة، للالتزام الكامل بمعايير السلامة تحت إشراف من الجهات المختصة، مع الالتزام بجميع اشتراطات السلامة والمعايير المنظمة للعمل داخل السوق المصري.
وتم تنفيذ حملات تفتيش ميدانية موسعة على المصانع ومحلات بيع وتداول المنتجات الغذائية التابعة لسلاسل شركة “بلبن” واكتشف وجود بكتيريا ممرضة واستخدام ألوان محظورة، ما يشكل خطرًا على الصحة العامة.
ولم يفض بيان الهيئة إلى التهدئة المجتمعية، وعلى العكس زاد الموقف اشتعالا بعد حدوث تضارب بينه وبين بيانات جهات حكومية نشرتها بعض المواقع والصحف المحلية، أعادت قرار الإغلاق إلى عدم حصول الشركة على تراخيص لتشغيل المطاعم والمحال التابعة لها، ما حيّر المتابعين عمّا إذا كانت المشكلة في المعايير الصحية أم في التراخيص، أم أن هناك أسبابا أخرى لا أحد يريد التطرق إليها؟
ودفع التضارب مصريين كثيرين للبحث عن السبب الخفي أو غير المعلن لقرار الإغلاق على مواقع التواصل الاجتماعي، ما عزز فقدان الثقة بين الحكومة والمواطنين، وعبّر البعض عن عدم اقتناعهم ببيان هيئة سلامة الأغذية، ودللوا على ذلك بالإشارة إلى بيانات رسمية غير متوافقة، وأطلق آخرون العنان لخيالهم في تفسير ما حدث مع الشركة التي باتت منافسا رئيسيا لعلامات تجارية أقدم في سوق الأطعمة.
◄ لا أحد في مصر يعرف كم يبلغ رأسمال شركة "بلبن"، ولم تعلن الشركة عن حجم رأس المال وفقا لمعايير الإفصاح والشفافية،
ووسط الصمت الرسمي، بادر الإعلامي عمرو أديب بتوضيح الحقائق في برنامجه “الحكاية” المذاع على قناة أم بي سي مصر، مساء الجمعة، واستنكر الروايات الخيالية العديدة التي اختلقها البعض حول الموضوع، وعدم الاقتناع ببيان الهيئة القومية لسلامة الأغذية، لكن مبادرة أديب لم تسدّ الفجوات الموجودة في الأزمة، وكشف عن محاولته الاتصال بالجهات المسؤولة التي أحالته إلى هيئة سلامة الأغذية.
وأكد الإعلامي المصري أنه حاول الاتصال برئيس مجلس إدارة الهيئة الحكومية ولم يتلق ردا على الاتصال أو الرسائل النصية التي أرسلها، ولم يتمكن من تقديم إجابات محددة عمّا إذا كانت الحكومة سوف تسمح بإعادة فتح المطاعم والمحال بعد استيفاء التراخيص والاشتراطات الصحية المطلوبة أم يستمر الإغلاق، أو تتحول ملكية الشركة إلى ملاك آخرين.
ومقابل تجاهل الرد على عمرو أديب ومواصلة الصمت الرسمي عن تفسير الإجراءات الحكومية المتخذة بحق الشركة وتوقيتها، أفسح البرنامج المجال أمام مؤمن عادل صاحب ورئيس مجلس إدارة “بلبن” من خلال مداخلة هاتفية أجراها معه.
وقال في الاتصال الهاتفي “أنا تحت أمر الدولة في أيّ حاجة تطلبها ومستعد لتنفيذ أيّ حاجة،” ما فتح الباب لتفسيرات تآمرية عن طمع بعض الجهات في الاستيلاء على الشركة أو نسبة من ملكيتها، ما زاد الفجوة بين الحكومة وشريحة من المواطنين.
وذكّر البعض بواقعة مشابهة حدثت مع شركة “ألفا” التي أنشأها ثلاثة صيادلة غير معروفين، واكتسبت شهرة واسعة بعد تأسيس سلسلة صيدليات 19011، وفي غضون ثلاث سنوات توسعت واستحوذت على سلاسل صيدليات منافسة، وبلغت فروعها 300 فرع، وتسابقت برامج “التوك شو” في استضافة أصحابها والاحتفاء بهم.
وفجأة تم اكتشاف أن الشركة تأسست بالمخالفة لقانون الصيدلة المصري رقم 127 لسنة 1955، ويمنع امتلاك أكثر من صيدلي واحد لعدة صيدليات، ثم غرقت الشركة في الديون التي وصلت إلى 7 مليارات جنيه (حوالي 137.25 مليون دولار)، وانتهى الأمر باستحواذ الشركة المتحدة للصيادلة على 50 في المئة من ملكيتها مقابل تصفية ديون ملاكها، ولا توجد معلومات موثقة عمّا إذا كانت المتحدة للصيادلة تابعة للشركة المتحدة للإعلام المملوكة لجهات حكومية أم مستقلة.
وأثيرت تساؤلات عن السبب الذي دفع الجهات الرسمية لتنفيذ حملات تفتيش على مطاعم ومحال “بلبن” المنتشرة في كل محافظات مصر، في هذا التوقيت تحديدا، رغم أن الشركة تعمل منذ أربع سنوات دون أن تسجل أو يعلن عن وجود مخالفات صحية أو مخالفات تراخيص عليها، وذهب البعض إلى أن الهيئة الصحية إذا كانت جادة في معاقبة المخالفين للاشتراطات سوف تغلق أغلب المطاعم العاملة في مصر.
وأشار آخرون إلى أن سبب الإغلاق هو الاشتباه في أن الشركة والمطاعم التابعة لها مجرد واجهة لغسيل الأموال، مع التوسّع المخيف لها في مدة قصيرة، مع تداول شائعات بأن مؤمن عادل صاحب الشركة سوري الجنسية قبل أن يتبين لاحقا أنه مصري، وانتشار أخبار قالت إن الشركة واجهة لرأس مال تابع لجماعة الإخوان.
◄ تم تنفيذ حملات تفتيش ميدانية موسعة على المصانع ومحلات بيع وتداول المنتجات الغذائية التابعة لسلاسل شركة "بلبن" واكتشف وجود بكتيريا ممرضة واستخدام ألوان محظورة
وطرح مصريون أسئلة عديدة حول مصدر مليارات الجنيهات التي ساعدت مؤمن عادل في التحول من امتلاك محل حلويات واحد في مدينة الإسكندرية عام 2021، إلى افتتاح 110 فروع في معظم محافظات مصر، بخلاف فروع في تسع دول عربية، خاصة أن عمله السابق كطبيب بيطري لا يوفر له ثورة تمكنه من تأسيس شركة ضخمة لديها ما يقرب من 300 فرع في مصر وخارجها، يعمل بها 25 ألف موظف.
ومن المفارقات لا أحد في مصر يعرف كم يبلغ رأسمال شركة “بلبن”، ولم تعلن الشركة عن حجم رأس المال وفقا لمعايير الإفصاح والشفافية، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول أسباب تساهل الحكومة في التعامل معها طوال السنوات الماضية.
وأدان البعض إفساح مجال الاستثمار لأشخاص مجهولين يمتلكون ثروات غير معروفة المصدر للعمل في مصر سنوات قبل اكتشاف مخالفاتهم، وذكروا بحالة رجل الأعمال الراحل محمد الأمين الذي عمل في مجال الأدوات الصحية بدولة الكويت، ثم ظهر في مصر لينشئ مجموعة قنوات سي بي سي وجريدة الوطن دون معرفة مصدر تمويله، وتم الكشف عن مخالفاته ليعاقب بالسجن بتهمة هتك عرض فتيات في دار أيتام كان يمتلكها، وتوفي في السجن في ديسمبر عام 2022، وقبلها بأربع سنوات كانت ملكية القنوات والجريدة انتقلت إلى شركة قريبة من الحكومة.
وتملك الشركة العشرات من الفروع، موزعة على ست علامات تجارية، هي: “كرم الشام” المتخصص في الطعام السوري، و”وهمي” المتخصص في البرجر، و”بهيج” المتخصص في المأكولات البحرية، و”عم شلتت” للفطائر، فضلا عن محلين للحلويات هما: “بلبن” و”كنافة وبسبوسة”.