إغراءات مالية للأسر البسيطة في مصر لوقف توريث الأمية والفقر

ترى الحكومة المصرية أن محاولة إقناع الأسر الفقيرة بضرورة استمرار أبنائها في التعليم ليست كافية وحدها، فرصدت مبالغ مالية ثابتة للطفل المتعلم حتى تعدل الأسر عن تشغيل الأطفال الذكور أو تزويج الإناث في سن مبكرة، كما عملت على منحهم دروسا في مجموعات التقوية المدرسية دون مقابل، مع صرف مبلغ مالي كل شهر يساعدهم على شراء مستلزماتهم الدراسية.
القاهرة - اضطرت الحكومة المصرية إلى تعديل إستراتيجية التعاطي مع الأسر التي تدفع أولادها إلى العمل في سن صغيرة وترك المؤسسات التعليمية بسبب الفقر وصعوبات المعيشة، وذلك بتعزيز الإغراءات المالية المقدمة إلى كل منها من خلال منح الطفل المتعلم مبالغ مالية ثابتة مقابل استمراره في الدراسة، على أن يكون ذلك في صورة إعانة، ولا يتم تحميل الفقراء كلفة تعليم أولادهم أو دفعهم إلى الأمية.
وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر نيفين القباج مؤخرا إن الحوافز المالية المقدمة إلى أبناء الأسر الفقيرة هي جزء من سياسة حكومية تشجع على الحد من التسرب من التعليم بدلا من تضييع فرصهم وتوريث الفقر، وتقديمهم إلى سوق العمل مبكرا أو تزويج الفتيات وحرمانهن من فرصة الالتحاق بعمل يتناسب مع مستوى تعليمهن.
ويقوم الدعم الحكومي لأبناء الأسر الفقيرة على تقديم منح ثابتة للصغار، ويتم صرف مبلغ مالي لكل تلميذ لا تسمح ظروفه الأسرية بدخول المدرسة أو انقطع عن التعليم لأسباب مادية، بهدف رفع عبء تعليم الأبناء عن كاهل الأسرة ومنع توظيفهم عوضا عن تعليمهم، وهي إشكالية تطارد نحو نصف مليون طفل في مصر سنويا.
واتهم وزير التربية والتعليم رضا حجازي قبل أيام الفقر بأنه السبب الأول في زيادة معدلات هروب الأطفال من المدارس، بعدم التقدم في أي مؤسسة تعليمية أو ترك التعليم أمام الظروف المادية الضاغطة على الأسرة، وليس هناك بديل سوى تقديم كل الدعم للأسر التي تضطر إلى ترك أطفالها للأمية والدعم الثابت لوقف توريث الفقر.
ويشمل التحرك الحكومي الجديد دفع مصروفات الأبناء من ذوي الأسر الفقيرة، ومنحهم دروسا في مجموعات التقوية المدرسية دون مقابل، مع صرف مبلغ مالي كل شهر يساعدهم على شراء مستلزماتهم الدراسية، ومن المهم أن يكون الحصول على الدعم منتظما ومرتبطا بمعدل حضور مرتفع في المدرسة وليس الغياب المتكرر.
وتُتهم الحكومة المصرية بأنها تتحمل الجزء الأكبر من أسباب انتشار ظاهرة جهل أبناء البسطاء، لأنها رفعت تكاليف الدراسة على الأسر ما تسبب في عجز الكثير من العائلات الفقيرة عن تلبية احتياجات أولادها، علاوة على سوء الأوضاع المعيشية التي تدفع الأهالي إلى تشغيل صغارهم، وهي الأزمة التي رأت الحكومة أنها تورث الفقر والأمية في آن واحد.
وتتحمل وزارة التضامن الاجتماعي مسؤولية صرف الإعانات الشهرية لأبناء الفقراء، حيث تعترف بأن استمرار ظاهرة ترك التعليم يكرس الأمية الأسرية طالما أن المتسربين يرثون نفس الأفكار والعادات التي تجاهد الحكومة للقضاء عليها، مثل الزواج المبكر وختان الإناث والتطرف الفكري، وهي ملامح أصلها يعود إلى انتشار الأمية التي تتحدى تأسيس أسر متحضرة.
وانتهت الحكومة من إعداد قاعدة بيانات كاملة حول التلاميذ المتسربين وعائلاتهم وأماكنهم وظروفهم المعيشية وبيئاتهم الاجتماعية، وسيكون الحد الأقصى للمساعدة ثلاثة أبناء للعائلة الواحدة بشرط انتظام الابن في المدرسة، وإذا عاود التلميذ الانقطاع عن الدراسة يتم وقف الإعانات ومعاودة التفاوض مع الأسرة لمعرفة سبب التسرب من جديد.
وأطلقت وزارة التضامن حملة توعوية موسعة بعنوان “احسبها صح” تستهدف تغيير قناعات الأسر البسيطة ومحدودة الدخل تجاه التعليم وتوظيف الصغار بهدف إقناع الأهالي بأن المدرسة ضرورة ملحة، ولا يجب دفع الأبناء إلى امتهان حرف لجلب أموال والتسرب من التعليم وهم في سن صغيرة، وهي حملة يدعمها الإعلام المصري وعدد من نجوم الفن والشخصيات العامة.
وتستمر الحملة مدة شهرين بهدف الوصول إلى الأسر الفقيرة في كل أقاليم مصر، من خلال 15 ألف أخصائي اجتماعي للتعريف بمخاطر الأمية على الأبناء، والتسويق لمشروع المساعدات المالية المرتبطة بالتعليم، والاستماع إلى وجهات نظر الأهالي في حرمان أولادهم من المدارس، بالتعاون مع جمعيات أهلية ورجال دين عبر تنظيم لقاءات جماهيرية مباشرة لهم مع أرباب الأسر.
وقامت وزارتا التعليم والتضامن قبيل إقرار التحرك الحكومي بإنجاز دراسات ميدانية استعانت خلالها بفرق بحث التقت العديد من الأسر الفقيرة ورفعت تقاريرها إلى جهات مختصة لاجتراح حلول جذرية بناء على وقائع حية قبل أن تتفاقم الأزمة بشكل يصعب علاجه، واستقر الأمر على حتمية تقديم دعم خاص بالطفل، لا أن يتم منحه للأسرة، على أن يكون مشروطا بالتعليم.
ويرى داعمون لفكرة إعطاء أبناء الأسر الفقيرة مِنَحا دراسية أنها خطوة إيجابية تخاطب شريحة تحرم أولادها من التعليم بدافع الفقر بعيدا عن تقديم المساعدات، لكنها ليست كافية ولا تغير من الأمر شيئا، أما مخاطبتهم بلغة المال فذلك يقود إلى تغيير توجهاتهم، لأن العامل الاقتصادي هو المتحكم الأول في غالبية قرارات الأسر، وأي خطاب توعوي يوجه إلى هؤلاء لن يجدي نفعا ما لم تصاحبه مساعدات مالية.
الدعم الحكومي لأبناء الأسر الفقيرة يقوم على تقديم منح ثابتة للصغار، ويتم صرف مبلغ مالي لكل تلميذ لا تسمح ظروفه الأسرية بدخول المدرسة أو انقطع عن التعليم
وأكد أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن الطفل المصري، أن احتواء أمية الأطفال وإنقاذهم من الجهل والظروف الأسرية الصعبة بتحمل فاتورة تعليمهم، يمكن أن يقي المجتمع من أزمات أسرية مستقبلية عصية على الحل، فهؤلاء سيكونون من أرباب الأسر مستقبلا، وإما أن يرثوا أيضا حرمان أبنائهم من التعليم أو يشبوا على كراهية المجتمع كله، إضافة إلى توريث كل ما هو سلبي، فكرا وسلوكا.
وأوضح لـ”العرب” أن “الطفل الذي ينتمي إلى أسرة فقيرة ولا يتعلم سوف يكبر فقيرا، وطالما لم يتعلم لن ينجح في تأسيس كيان أسري يؤمن بالتعليم، وما يترتب على ذلك من تصرفات هدامة، فتراه يؤمن بختان الإناث والزواج المبكر ويستسلم للأمية ويكتسب معارفه من الشارع وليس المؤسسات التعليمية، ويفتقر للحد الأدنى من المعرفة بشأن التكوين الأمثل والأنسب للعائلة”.
وظل التعاطي الحكومي مع ظاهرة حرمان الأبناء من التعليم قائما على سياسة الترهيب والتهديد، لكن هذه النبرة لم تجد نفعا مع غالبية الأسر البسيطة، حيث لوّحت الحكومة بحرمانها من الدعم التمويني للسلع الأساسية، وعدم استفادتها من برامج الدعم المادي المخصصة ضمن برنامج “حياة كريمة”، لكنها اضطرت إلى تغيير الأسلوب العقابي وتبني توجه يؤمن بإقرار محفزات ومنح جيدة.
وما يميز خطة تقديم مساعدات إلى أبناء الفقراء أن الحكومة لم تشترط سنا أمام العائدين من الشارع إلى المدرسة، ومهما كانت أعمارهم سوف يتم قبولهم، على أن يتم تعويض ما فاتهم من دروس مضت وإعادة تأهيلهم دراسيا بما يتناسب مع قدراتهم التعليمية دون وضع عراقيل أمامهم من قبيل أن مستواهم ضعيف، لتشجيع المتسربين على العودة.