إعلام عربي مستقل وموحد.. هذا ما نتطلع إليه

لنضرب صفحاً عن سلبيات الإعلام العربي، فالإعلام بشكل عام شكّل عبر العصور وما زال يشكل حتى يومنا هذا مصدر اهتمام كبير، فهو رافد مهم للثقافة والسياسة والاقتصاد. ومن خلال النظرة المتفحصة لتحولات الثورة التكنولوجية المتقدمة نجد أن عدد مشتركي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي خلال السنوات الثلاث الماضية في ازدياد، ليجدوا ضالتهم في مواقع التواصل الاجتماعي التي لم يعثروا عليها في الإعلام الرسمي والخاص، بحكم الهامش المتروك لهم للتعبير عن آرائهم.
إن ارتفاع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يرجع إلى النسبة الكبيرة من الشباب في العالم العربي ممّن هم تحت سن 25 عامًا، وهي أيضًا الفئة العمرية الرئيسية لمستخدمي الإنترنت، وهذا بحد ذاته يعتبر منطلقا وأرضية صلبة لمعرفة توجه هؤلاء الشباب.
إن هذا الضخ الإعلامي الذي يستهدف العرب يشبه التنويم المغناطيسي. ويوصف الإعلام العربي منذ النشأة الأولى حتى زماننا هذا بأنه غير محايد ولا يبلي جيدا في تأدية الغرض، هذه هي الحقيقة المرة للأسف. كما وينعت بأنه لا يوجد فيه شيء من الحرية وهذا واقعي، كما يوجد جمود شبه كامل في عدة مجالات كالحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني تصدعاً وأزمات لا سابق لها من جراء الحروب والصراعات التي تعاني منها بلادنا العربية منذ عدة سنين.
والمتأمل في تاريخ المسيرة الإعلامية العربية يكتشف أن الإعلام العربي لا يلبّي طموح الشعوب العربية، فالرسالة الإعلامية الصحيحة تكمن في التغير الذي تحدثه في الفكر، وتتناول الحقائق كما هي. ثمة أحزاب وتوجهات سياسية وفكرية في كل ركن وزاوية في الوطن العربي الكبير، لكل حزب سياسته الخاصة، وبرنامجه الفكري، وهذا لا يعني أن يتبع الإعلام هذا الحزب أو ذاك ويسير جنبه خطوة بخطوة، فالصحافة من فلسفتها أن تكون محايدة ولا تتبنى أيّ أيديولوجيا، وهذا أسمى أمانينا.
◄ الإعلام العربي يوصف منذ النشأة الأولى حتى زماننا هذا بأنه غير محايد ولا يبلي جيدا في تأدية الغرض، هذه هي الحقيقة المرة للأسف. كما وينعت بأنه لا يوجد فيه شيء من الحرية وهذا واقعي
المفروض أن يعمل القائمون على الإعلام على بناء جسور الثقة بينهم وبين الشعوب العربية، وهذا ما يبحث عنه المثقف العربي. فهنالك مفارقة بين الإعلام العربي والغربي، ثمة صحف وقنوات فضائية موالية للحكومات موجودة في عالمنا العربي لا تعبّر عن ذاتها للأسف، بينما الصورة مغايرة للإعلام الغربي وفلسفته، حيث يتناول الإعلام الغربي الخبر مفصلاً بعد تنقيته من الشوائب، فالمشاهد الغربي دائماً يبحث عن الحقيقة بصرف النظر عمّا إذا كانت تخدم مصالحه أم عكس ذلك، فتحري الصدق عندهم سمة.
ومن المهم أن نعلم أن في القرون الماضية تم استخدام السلاح كوسيلة لفرض السيطرة والاحتلال ضد بلدان العالم الثالث، إلّا أنه في الوقت الحاضر يتم استغلال وسائل الإعلام، خصوصاً الإلكترونية منها ووسائل التواصل الاجتماعي، في فرض الهيمنة الفكرية في محاولة للسيطرة على شعوب هذه البلدان، فهناك قدرة عميقة لوسائل الإعلام في التأثير على عقول الناس والسيطرة على أفكارهم وتوجهاتهم.
لقد غيّرت المنصات التي تضم مئات الملايين من الحسابات في المنطقة العربية أنماط التواصل وحتى اللغة التي تستخدمها الأجيال الشابة، ولكن هذا غير كافٍ، لذا فمن المهم تكثيف الجهود لتوحيد الخطاب الإعلامي بعيداً عن توجهات الدول. من المسلّم به أن تكون السلطة الرابعة مستقلة تماماً ولها كينونتها، وإلا فقدت محتواها وقللت من رسالتها التي وجدت من أجلها.
لا يطول الأمر بالقارئ قبل أن يكتشف أن الإعلام العربي مثال على حالة عدم التوحد في مواجهة الإعلام الإسرائيلي والغربي الذي ما زال يصور الضحية بأنه المجرم، والمجرم ضحية. إن ما يجري في غزة يتناوله الإعلام العربي بصور مختلفة، وفي خضم الحرب على غزة، تمارس كبرى المؤسسات الإعلامية الغربية ضغوطاً كبيرة على موظفيها لإخفاء تصرفات إسرائيل عن الجمهور، وفرض رقابة على الرواية الفلسطينية.
لكنّ اللافت أن يوصف الإعلام العربي بعدم الاستقلالية، مما يجعل الإعلام موجهاً في أغلب الأحيان وبذلك لا يعرض الحقائق وإنما ينتقي منها ويغيرها لتصبّ في مسار يغاير الحقيقة. أن يكون الإعلام العربي هو نافذة الشعوب التي من خلالها يطلون على العالم، وأن يكون إعلاماً موحداً نواجه من خلاله من يتربص بنا الدوائر، أتت الحاجة الملحة لدعم الإعلام العربي المستقل، وتطوير سياسات تحمي الهوية الثقافية المحلية وتعزز التنوع والانفتاح على التجارب العالمية دون تخندق أو انغلاق، وتنتصر لقيم الصحافة النزيهة وأخلاقياتها دون معايير مزدوجة، وتنحاز للإنسان بغض النظر عمّا يحمل من فكر ومعتقد. كما ينبغي على الإعلام الصحيح أن يُخاطب العقول، وأن يشار إليه بالبنان في مكافحة السلبيات، والتركيز على الأولويات، وصقل وعي الشباب، هذا ما نتطلع إليه.