إعلام تونس.. غزوة تطرف لعقول المراهقين

تونس - بعد عملية سوسة الإرهابية التي نفّذها متشدّد إسلامي، ارتأت قناة حنبعل التونسية الخاصة أن تمرّر في الفقرة التي تسبق أذان المغرب تسجيلا لامرأة منقّبة بلباس أبيض في محاولة لتغيير صورة النقاب الذي عادة ما يكون أسود اللون، وتم تقديمها على أساس أنها مشاركة في مسابقة لتلاوة القرآن في برنامج بعنوان “نجوم التراتيل” يشارك فيه الأطفال أيضا.
وأثار المشهد ضجة في أوساط المجتمع التونسي، واعتبر تسويقا “للباس الأفغاني” الذي يعد رمزا للتطرّف والتشدّد الديني.
وذهب البعض إلى اعتبار ما قامت به القناة التونسية تطبيعا مع التشدد خاصة وأنّه وقع القبض على عشرات الإرهابيين متخفّين في مثل هذا الزي الدخيل على المجتمع التونسي.
وكتبت الباحثة رجاء بن سلامة تحت عنوان “من بركات قناة حنّبعل؛ ضاقت الدّنيا؟ ألا توجد نساء قادرات على الحديث في الدّين غير هذا الشبح؟ أيّ رسالة تريدون إيصالها إلى الشبان والشابّات؟”.
وأضافت “هل المرأة عورة من أعلى رأسها إلى أسفل قدميها مرورا باليدين؟ ما الذي يفصل هذه المرأة عن الأموات؟ ألا بئس هذه الحرّية التي تجعل دوافع الموت ترتع بين الأحياء!”.
وقررت القناة إيقاف بث البرنامج بصفة مؤقتة في انتظار استكمال التحقيق والتثبت من حيثيات ظهور فتاة منقبة في البرنامج بعد انتقادات لاذعة وجهت للقناة.
وأوضحت القناة على صفحتها الرسمية على فيسبوك أن البرنامج المذكور من إعداد إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم (إذاعة خاصة) ويتم بثه بصفة مشتركة في ثاني تجربة بعد بثه في رمضان الماضي وتتولى إذاعة الزيتونة، اختيار المشاركين فيه من مختلف المدن التونسية.
ويواجه الإعلام في تونس تهما بالمساهمة في زيادة التشدد، فبعد أن ساهم في تعرية الواقع بعد الثورة أصبح غير قادر على احتوائه في توجهه إلى فئة المراهقين والشباب خاصة.
|
وتتواتر مصطلحات من قبيل الإرهاب، الجهاد، الخلافة، جهاد النكاح، داعش بكثرة في الإعلام التونسي الذي أسهم في جعل الإرهاب واقعا على الأرض عندما أصبحت بعض الصحف والإذاعات والقنوات الفضائية مختصة في الإرهاب تغطيّة ومتابعة وتحليلا لتحاصر الجمهور بـ”الإرهاب الإعلامي”.
ونتيجة لهذا الواقع، كانت رايات “داعش” ترفرف في احتفالات “دخلة الباك سبور” التي يقيمها طلاب المعاهد بمناسبة انتهاء العام الدراسي.
وشكلت مثل تلك الصور صدمة للمجتمع مثيرة موجة من المخاوف مما حدا بالعديد من الجهات إلى طرح سؤال عن مدى انهيار القيم المدنية لدى الشباب.
وأكد خبراء في علم النفس على أن رفع علم داعش في احتفالات الطلبة المتخرجين يوحي بمشاكل نفسية وأخلاقية خطيرة في حاجة إلى علاج.
وأجمعوا على أن هؤلاء هم جيل الثورة الذين تربوا على مظاهر العنف والإرهاب والذبح والتشويه واستفحال التهريب والجريمة المنظمة.
وعزت خبيرة نفسية استنجاد التلاميذ بعلم داعش إلى التعبير عن حالة اليأس والاشمئزاز من الواقع المعيش مثل غيرهم من باقي أفراد المجتمع، مؤكدة أنه “لا يعني البتة أنهم صاروا دواعش أو متبنين للفكر الداعشي أو أصبحوا بلا قيم”.
من جانب آخر وجهت تقارير تلفزيونية الاتهامات للكتاتيب والروضات القرآنية التي يقصدها الأطفال بأنها أصبحت مصانع لتفريخ الدواعش مع سيطرة متشددين عليها.
وكانت حلقة أذاعها التلفزيون الرسمي في تونس عن “الجن والشعوذة”، قبيل رمضان ساهمت في الإطاحة بأحد مقدمي البرامج، وإحالة باقي فريق العمل إلى “لجنة تأديبية”.
وانحاز المقدم بصفة فاضحة إلى “المقرئ” الذي أقام جلسة لإخراج جن من جسد متطوع على الهواء.
وتزامن الإعلان عن “الاستغناء عن خدمات” مقدم البرنامج، مع انحسار دور “شيوخ الاعتدال” في تونس، مقابل تنامي سيطرة دعاة التشدد على عقول الكثيرين من الشباب.
ويستغل الدعاة المتشددون ما يصفه مراقبون بـ”الفراغ الفكري” لدى بعض الشباب وتردي ظروفهم الاجتماعية للتغرير بهم.
ويصر مراقبون على ضرورة “التضييق على نشاط بعض الشخصيات المنسوب إليها التطرف عبر مختلف التلفزيونات الخاصة والإذاعات” خاصة بعد “الانزلاقات الخطيرة في التصريحات وإثارة الفوضى والفتن”.