إضرابات في قطاعات حيوية تفاقم مشاكل التونسيين

تونس - تشهد قطاعات حيوية في تونس على غرار النقل والصحة سلسلة من الإضرابات احتجاجا على عدم تلبية الحكومة لجملة من المطالب النقابية مثل تحسين الأوضاع المهنية لعمال القطارات والأطباء المتربصين بالمستشفيات. ولئن أجمعت الأوساط الشعبية والحقوقية في تونس، على مشروعية تلك الإضرابات وما تخفيه من مطالب مهنية، خصوصا بعد جملة من المفاوضات مع السلطة، فإنها أكدت أن تلك الاحتجاجات ستعطل بطريقة أو بأخرى مصالح المواطنين من مسافرين ومرضى في المؤسسات الاستشفائية.
وتضيف تلك الأوساط أنه، وجب وضع رزنامة مفاوضات بين النقابات والحكومة، تتم وفقها مناقشة المطالب في كل القطاعات، دون تعطيل شؤون المواطنين خصوصا في النقل والصحّة. وتعطلَ سير القطارات على كامل شبكة السكك الحديدية بالخطوط الدّاخلية والمسافات البعيدة، مما أدى إلى إلغاء مئات الرحلات وسبّب ارتباكا في حركة النقل. وأعلنت الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية عن إضراب شامل لمدة يومين، (أمس الخميس واليوم الجمعة)، بعد فشل المفاوضات مع النقابة، مما سيؤدي إلى توقف حركة القطارات في كامل البلاد.
وقال حسان ميعادي الناطق الرسمي باسم الشركة، إنه تم توضيح أسباب الإضراب والإجراءات التي اتخذتها الشركة لضمان نقل المواطنين خلال هذه الفترة الصعبة. وأضاف في تصريح لإذاعة محلية، أن الإضراب جاء نتيجة تعثر المفاوضات بين الطرف الإداري والنقابي على مدار جلسات صلحية عدة، كان آخرها في 11 يونيو الجاري، رغم محاولات الشركة لتأجيل الإضراب والاستجابة لبعض المطالب، تمسك الطرف النقابي بالقرار، مما أدى إلى الإعلان عن الإضراب.
وتتمحور مطالب، عمال شركة السكك الحديدية، حسب الميعادي، حول عدة نقاط، أبرزها؛ تنقيح النظام الأساسي للشركة، خاصة الجوانب المالية والإدارية، وتسوية وضعية الحاصلين على شهادات علمية، ومعالجة ملفات الترقيات للعاملين الذين قضوا أكثر من 25 سنة في نفس الفئة الوظيفية.
وأثّر إضراب سائقي القطارات في تونس على آلاف المسافرين الذين يستخدمون شبكة السكك الحديدية في تنقلاتهم اليومية، خاصة في العاصمة، ما أثار تذمّرا واستياء واسعيْن من تحميل المواطنين تبعات هذا الإضراب، وذلك رغم محاولة السلطة المسؤولة التخفيف من تأثيراته، بتوفير وسائل نقل بديلة. بالموازاة مع ذلك، دخل الأطباء الشبان في تونس في إضراب حضوري لمدة خمسة أيام، مرفقًا بمقاطعة شاملة لاختيار مراكز التربصات، للمطالبة بتحسين أجورهم وسداد مستحقاتهم من حصص الاستمرار.
وذكرت المنظمة التونسية للأطباء الشبان، في بيانها أن الإضراب، الذي يمتد من 12 إلى 18 يونيو الجاري، سيشمل كافة الأعمال الاستشفائية والجامعية، بما في ذلك الأنشطة الأكاديمية ودروس التعليم التكميلي. ومع ذلك، تم استثناء حصص الاستمرار وأقسام الاستعجالي لضمان استمرارية الحد الأدنى من الخدمات.
وأكدت المنظمة على إلزامية حضور جميع الأطباء المقيمين والداخليين بكلية الطب بتونس طيلة أيام الإضراب، والمشاركة في الوقفات الاحتجاجية بالكلية. كما شددت على أن مقاطعة اختيار مراكز التربصات ستكون كاملة ودون أي استثناء.
ويأتي هذا الإضراب بعد صدور قرار مشترك مؤخرًا من وزراء الدفاع الوطني والمالية والصحة، ينص على صرف منحة خصوصية بقيمة 2000 دينار (676.12 دولار) شهريًا للمجندين المقيمين لأداء الخدمة الوطنية بوزارة الصحة، مع تكفل الوزارة بخلاص معلوم الحجز للتغطية الاجتماعية، لكن يبدو أن هذا القرار لم يلبّ مطالب الأطباء الشبان بشكل كامل.
وأفاد الخبير الجبائي والاقتصادي، محمد صالح الجنّادي أنه “يفترض أن تكون هناك أجندة نقاش بين الحكومة والنقابات بخصوص تحسين ظروف العمل في عدة قطاعات، ويبدو أنه لا توجد إرادة واضحة من الحكومة لفتح مجال لحوار جدي في هذا الشأن.”
وأوضح في تصريح لـ”العرب”، “نحن في حاجة إلى الأطباء الشبان والمتربّصين، وتونس تكاد تكون قاطرة صحيّة، والصحة قطاع له أهميته لدى الدولة وتُنفَقُ عليه أموال طائلة، ويفترض عند إقرار الإضراب وجود أطباء ينوبون من أضربوا عن العمل، لأن ذلك سيزيد من مستويات الضغط على المواطن،” لافتا أن ذلك “مسؤولية حوكمة، وهناك غياب تام لعدة وزارات يجب عليها أن تتناقش مع الحكومة قبل اللجوء إلى الإضرابات، كما أنه يجب على الوزراء أن يؤدوا عملا ميدانيا للوقوف على كل المشاكل، بدل الاقتصار على الاجتماعات.”
ولفت الجنادي إلى أن “وضع التونسيين اليومي لا يحتمل المزيد من الأزمات والمشاكل ونحن قادمون على موسم صيفي وسياحي،” مشيرا إلى أن “شركة السكك الحديدية تعاني بدورها من أزمة مالية ولوجيستية وتقنية.” وتشهد خدمات قطاع النقل العام في تونس إضرابات متكرّرة، بسبب مطالب مادية واحتجاج على تقادم أسطول النقل وتردّي ظروف العمل، في وقت تعاني فيه تونس من أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة. ويعاني القطاع الصحي من نقص الموارد البشرية والمعدات، وتزايد الضغط على المستشفيات، خاصة بعد جائحة كورونا.
كما يعاني العديد من المهنيين في القطاع من ظروف عمل صعبة، وتأخر صرف المستحقات المالية، بينما يحذّر متابعون من أن الإضراب قد يؤدي إلى شلل في الخدمات الطبية، وتأخير في مواعيد العمليات والاستشارات، ما قد يؤثر سلبًا على صحة المرضى، خاصة في المناطق الداخلية التي تعتمد بشكل كبير على المستشفيات العمومية. وقد يزيد من الضغط على أقسام الاستعجالي التي ستواصل العمل خلال الإضراب.
ويشتكي المواطنون الذين يتوجّهون إلى المستشفيات العمومية ومؤسسات الصحة العمومية بشكل عامّ من طول الانتظار للمرور أمام الطبيب بسبب الاكتظاظ والعدد الكبير للمرضى، فضلا عن قيام بعض الموظفين بدعوتهم إلى التوجّه لعيادة خاصّة أو مطالبتهم بدفع مبلغ مالي حتى يسرّعوا عمليّة تسجيلهم وبالتالي فحصهم.