إصلاح قطاع النقل في تونس يبدأ بتفكيك منظومة الفساد

قطاع النقل يمثل مشكلة رئيسية في تونس، والجميع متفق على ضرورة الإصلاح. وفيما تعمل الحكومة على إصلاح واسع يبدو بتفكيك منظومة الفساد، فإن اتحاد الشغل يرى أن الحل يكمن في زيادة الإنفاق الحكومي وليس الإصلاح الواسع الذي قد يقود إلى التفويت في بعض المؤسسات للقطاع الخاص.
تونس - طرح تردي مستوى خدمات قطاع النقل في تونس وتقادم أسطوله البري والجوي، بالموازاة مع الخراب المتواصل خصوصا في النقل العمومي بسبب تفشي ظاهرة الفساد التي نخرت هياكل الدولة، تساؤلات حول قدرة الحكومة التونسية على تفكيك ملفات الفساد وتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين في هذا القطاع الحيوي.
وحكمت هيئة الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالقطب القضائي المالي بالعاصمة الخميس على موظفين موقوفين من شركة نقل تونس بـ10 سنوات سجنا.
كما قضت الدائرة الجنائية بنفس الحكم في حق بقية المتهمين المحالين بحالة فرار والإذن بالنفاذ العاجل في حقهم وتخطئتهم بأكثر من أربعة ملايين دينار (1.26 مليون دولار)، على خلفية استيلاءات ضخمة وتجاوزات بتعاونية شركة نقل تونس بين سنتي 2015 و2017.
وشملت الأبحاث في القضية تسعة موظفين نسبت إليهم افتعال وتدليس وثائق لسحب أموال من التعاونية فاقت أربعة ملايين دينار، وفق ما أوردته صحيفة “الشارع المغاربي” المحلية.
ويعد قطاع النقل من القطاعات الحيوية إلى جانب الصحة والتعليم في تونس، وتعود ملكية حوالي 70 في المئة منه إلى القطاع العام، ويتكون أساسا من ثلاثة ميادين رئيسية وهي النقل البري والنقل البحري والنقل الجوي.
ورغم ما يتم الإعلان عنه من إصلاحات سنوية إلا أن مردود قطاع النقل العمومي يعرف تراجعا من سنة إلى أخرى وهو ما يبين صعوبة الإصلاح داخله ومعالجة المشكلات العالقة والمتواصلة.
وقال الخبير الاقتصادي الصادق جبنون، في تصريح لـ”العرب”، إن “النقل قطاع هام ورئيسي في تونس، ومنذ 20 سنة راهنت الحكومات المتعاقبة في سياساتها على الاهتمام بالطرقات السيارة، وهو ما أنتج ضعفا في منظومة النقل الحضري والمشترك”.
ويهدد خطر الإفلاس أغلب الشركات الحكومية التونسية التي كانت تقرض قطاع النقل طيلة السنوات الأخيرة الماضية، وهو ما أدى إلى ارتفاع حجم ديونها أكثر وضرب توازناتها.
ويثير اقتناء وسائل نقل دون مواصفات، قلقا متواصلا لدى المتابعين والمواطنين، نظرا إلى كونها لا تستجيب لتطلعاتهم في توفير نقل مريح وفعّال على غرار الحافلات المستخدمة والمتقادمة التي يتم شراؤها من الخارج.
وفي وقت سابق، أعلنت المكلفة بالإعلام بشركة نقل تونس حياة الشمطوري، أن “الشركة تعمل حاليا على وضع اللمسات الأخيرة لصفقة اقتناء 300 حافلة مستعملة من فرنسا لتعزيز الأسطول مرجحة وصول 120 حافلة إلى تونس قبل موفى السنة الحالية”.
وتعاني مختلف المؤسسات العمومية من أزمات مركّبة خصوصا قطاع النقل العمومي بسبب تفشي ظاهرة الفساد التي نخرت هياكل الدولة، فضلا عن الإضرابات والاحتجاجات سواء التي ينفذها المسافرون المحتجون على تردي مستوى الخدمات، أو الأعوان بخصوص تحسين ظروف عملهم.
وقالت آمال الورتتاني نائبة رئيس لجنة الإصلاح الإداري ومقاومة الفساد بالبرلمان السابق “هناك مشاكل كبيرة في النقل، ويفترض أن يتم في شهر ديسمبر المقبل تجديد جزء من الأسطول، لكن يبدو أن الحكومة ترفض ذلك”.
وأضافت الورتتاني لـ”العرب” أن “فتح ملفات الفساد في القطاع أصبحت ضرورة، ومن المؤكّد أنه يوجد سوء إدارة في المؤسسات، ما يؤدي إلى ممارسات الفساد والتعيين بالولاءات لأشخاص لا يملكون الكفاءة وينتفعون من تلك المناصب”.
وتابعت “تلقينا تقريرا في البرلمان السابق، أثبت أن حادث منطقة عمدون سنة 2019 استخدمت فيه حافلة غير مؤهلة للاستعمال”، مطالبة بـ”ضرورة توفير الإرادة السياسية اللازمة لتوظيف الكفاءات في المجال، وفتح ملفات الفساد، فضلا عن المحاسبة وتحديد المسؤوليات”.
وسبق أن قررت محكمة الاستئناف في محافظة باجة (شمال) تثبيت الحكم الابتدائي الصادر في قضية حادث حافلة عمدون والمتمثل في الحكم بالسجن لمدة عامين ضد صاحب وكالة الأسفار، حسب ما أكده الناطق الرسمي للمحكمة الابتدائية في باجة رياض بن بكري.
وأسفر الحادث عن وفاة 26 شخصا وإصابة 16 آخرين على طريق جبلية خطيرة، وفتح وقوعه ملفّات أزمات لم تنجح الحكومات المتعاقبة بعد 2011 في تجاوزها.
ومنذ 2011 يعارض الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية بالبلاد)، إصلاح شركة الخطوط الجوية التونسية (تونيسار)، بزعم الخوف من التفويت فيها للقطاع الخاص.
والعام الماضي، توجهت الرئيسة المديرة العامة للخطوط التونسية السابقة ألفة الحامدي برسالة مفتوحة إلى الرئيس قيس سعيد استعرضت فيها ما اعتبرته الأخطاء الإستراتيجية الكبرى المرتكبة في حق الشركة، محملة اتحاد الشغل ورئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد وحركة النهضة والمديرين العامّين للشركة والفريق المصاحب لهم خاصة بين سنوات 2017 و2019 المسؤولية في ذلك.
وضمنت الحامدي رسالتها مجموعة من الحلول لإنقاذ الشركة لخصتها في 10 نقاط من بينها “تسريح ما يقارب 1333 عاملا للترفيع من الإنتاجية” معللة ذلك بأن “نظام الرواتب غير عادل”.
وارتفعت سابقا أصوات تدعو إلى خصخصة البعض من شركات القطاع العام المتعثرة من بينها البنوك، التي باتت تثقل كاهل الدولة، غير أنها اصطدمت بمواجهة حادة مع الاتحاد العام التونسي للشغل.
وسبق أن قضت الدائرة الجنائية المختصّة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس بالسجن مدّة 12 عاما في حقّ مدير عام سابق لشركة الخطوط التونسية الفنيّة مع خطيّة مالية قدرها 19 مليون دينار.
كما قضت هيئة الدائرة بالسجن مدّة 10 أعوام مع خطيّة مالية قدرها 11 مليون دينار في حقّ المسؤول عن صيانة الطائرات بالشركة المذكورة وذلك على خلفية اتّهامهما بالاستيلاء على محرّكات طائرات وقطع غيار تابعة لطائرات تقوم الشركة بإصلاحها، وذلك لفائدة شركات أجنبية مما تسبّب في خسائر مالية بعشرات الملايين من الدنانير وتعطيل العديد من الرحلات التابعة لشركة الخطوط الجوية التونسية.
وانطلقت الأبحاث في هذه القضيّة منذ أواخر سنة 2019 وتعهّد بها آنذاك القطب القضائي المالي وشملت الأبحاث العديد من الكوادر والفنيين التابعين لشركة الخطوط التونسية الفنية وتمّ اللجوء إلى اختبارات فنيّة حدّدت خسائر الشركة.
وكشفت الحكومة في 2017 عن إستراتيجية لإصلاح وضعية الشركات المتعثرة بطريقة تشاركية مع الأطراف الاجتماعية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والأحزاب السياسية. وقالت حينها إنها تخطط لبيع 15 مؤسسة ومنشأة بحلول عام 2020 كمرحلة أولى، لكن لا شيء تم منذ ذلك التاريخ.
ويشكل ارتفاع عدد الموظفين حجر عثرة نحو الإصلاح، حيث تعاني الشركة من مشكلة كثرة الموظفين الذين كان عددهم يقدر بنحو 7 آلاف عامل عام 2010 ليصل إلى نحو 8200 في عام 2012.