إصرار أميركي - إسرائيلي على تجريد حماس من ورقة إعمار غزة

تعمل الإدارة الأميركية على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار ومنع تجدد التصعيد بين إسرائيل وغزة، من خلال معالجة جملة من الملفات أولها إطلاق ورشة إعادة إعمار القطاع مع الأخذ بالاعتبار ضرورة الحيلولة دون استفادة حماس من هذا الورقة.
القاهرة/رام الله- بات ملف إعادة إعمار قطاع غزة أحد العناوين الرئيسية التي تشغل بال الفلسطينيين والجهات المعنية بقضيتهم حاليا. وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مستهل جولة بدأها بإسرائيل الثلاثاء على أن الأولوية حاليا لهذا الملف مع التأكيد على ضرورة الحرص على منع استفادة حركة حماس منه.
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بلاده ستعمل على ضمان عدم “استفادة” حماس التي تسيطر على قطاع غزة من المساعدات الدولية التي ستخصص لإعادة إعمار غزة.
وجدد وزير الخارجية الأميركي التأكيد على التزام بلاده بدعم أمن إسرائيل، في المقابل تعهد نتنياهو برد “قوي للغاية” في حال خرقت حركة حماس وقف إطلاق النار، موضحا “في حال خرقت حماس الهدوء وقامت بمهاجمة إسرائيل، فإن ردنا سيكون قويا للغاية”.

سمير غطاس: تمسك حماس بالمساعدات يضعها في مواجهة مع السكان
ويقوم بلينكن بجولة هي الأولى في المنطقة، وتستهدف تثبيت وقف إطلاق النار والتفاهم حول سبل إعادة إعمار القطاع مع الأخذ بالاعتبار عدم السماح لحماس باستغلال المساعدات المنتظرة لقطاع غزة.
وهناك تخوف في غزة من أن تؤدي الخلافات حول الجهة المنوطة بالإشراف على المساعدات إلى تعثر جهود إعادة الإعمار مثلما حصل في السابق، وتريد السلطة الفلسطينية عبر الإمساك بهذا الملف إعادة تثبيت أقدامها في غزة، بعد أن فقدت نفوذها عمليا منذ سيطرة حماس على مقاليد الأمور هناك عام 2007، وباتت المتحكمة في تفاصيل الحياة الأمنية والسياسية.
في المقابل تتمسك حماس بحصولها على أموال المساعدات التي تأتي من الخارج وإنفاقها عبر قنواتها، على غرار المساعدات التي تأتي إليها من قطر كل شهر، والتي من المتوقع وقفها من جانب إسرائيل التي تأكدت أنها تخدم مصالح حماس.
وتمثل خسارة المنحة القطرية المقدرة بـ30 مليون دولار إزعاجا للحركة بعد إعلان إسرائيل رغبتها في تمريرها عبر السلطة الفلسطينية، وهي أموال تعتمد عليها حماس بشكل رئيسي في مساعدة الفقراء بالقطاع ودفع رواتب موظفيها.
وقال رئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج خالد مشعل “نحن نفضل أن يتم توجيه مساعدات إعادة إعمار غزة من الدول إلى قنواتنا مباشرة”.
وتبدي الحركة تحفظها على إشراف السلطة الفلسطينية على ملف إعمار غزة، لكنها قد لا تمانع في إدارة الملف من خلال تشكيل لجنة وطنية تضم متخصصين وممثلين للفصائل وشخصيات مستقلة لتجاوز العقبات الراهنة الرافضة لتسلمها المساعدات مباشرة أو قيامها بدور محوري في ملف إعادة الإعمار.

القاهرة تدعم فكرة قيام السلطة برئاسة محمود عباس بالإشراف على عملية إعادة الإعمار كممثل شرعي للشعب الفلسطيني
وقالت مصادر فلسطينية لـ”العرب” إن “حماس اقتربت من خسارة ورقة المساعدات الخارجية، ومن المرجح أن يتولى الهلال الأحمر والأمم المتحدة والأونروا تلك المهمة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية بعيداً عن قنوات الحركة”.
وأضافت المصادر ذاتها أن الحركة قد تجد نفسها مضطرة للقبول بهدنة طويلة المدى كي تتمكن من الاستفادة مجدداً من تلك الورقة بمشاركة هيئات عديدة أخرى، مهمتها ضمان عدم استغلال المساعدات لصالح الإنفاق على السلاح أو حفر الأنفاق، أو قد تلجأ للقبول بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية، وتصبح جزءاً من السلطة التي ستكون لها المساهمة الأكبر في عملية الإعمار عبر لجنة ضمان دولية.
وأشار رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة سمير غطاس إلى أن إصرار حماس على تلقي المساعدات عبر قنواتها يضعها في مواجهة مع المواطنين في غزة، وعليها تحمل ردة الفعل الشعبية في ظل حالة الغضب المتصاعد، نتيجة حجم الكارثة التي حلت بالقطاع من التصعيد الأخير الذي كانت حماس من بادرت إليه.
وأوضح غطاس لـ”العرب” أن حجم الدمار كبير للغاية ولا يمكن لطرف واحد تحمل مهمة إعادة البناء، خاصة أن هناك إصرارا دوليا على أن تكون المساعدات بعيدة عن حماس التي طالما استفاد قادتها من تلك الأموال على حساب الفقراء داخل القطاع.
وتدعم القاهرة فكرة قيام السلطة برئاسة محمود عباس بالإشراف على عملية إعادة الإعمار كممثل شرعي للشعب الفلسطيني وكهدف للعودة إلى مركزية السلطة ودفع عملية السلام، والحد من تبعات الفصل بين الضفة الغربية وغزة.

الولايات المتحدة ستقدم 5.5 مليون دولار مساعدات فورية لغزة و32 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين
ودعت إسرائيل إلى التنسيق مع الولايات المتحدة واللاعبين الآخرين لمنع حماس من توظيف المساعدات لخدمة مصالحها، حيث تتهمها بسحب أموال إعادة الإعمار من صراعات سابقة لحفر أنفاق تحت أراضي غزة وإنتاج صواريخ.
في المقابل فإن عدم إطلاق ورشة إعادة الإعمار قد يؤدي إلى تصعيد جديد، وهو ما يبدو أن إدارة جو بايدن حريصة على تلافيه من خلال إيفادها لوزير الخارجية إلى المنطقة.
والتقى بلينكن إلى جانب قادة إسرائيل الثلاثاء الرئيس محمود عباس في رام الله، معلنا عن أن إدارة الرئيس جو بايدن ستطلب من الكونغرس تقديم 75 مليون دولار مساعدات تنموية واقتصادية للفلسطينيين.
وقال بلينكن بعد اجتماعه بعباس إن الولايات المتحدة ستقدم أيضا 5.5 مليون دولار مساعدات فورية لغزة و32 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين.
ويرى مراقبون أن السلطة الفلسطينية هي أبرز المستفيدين حاليا من الزخم السياسي الحاصل، بعد أن كان دورها خلال أيام التصعيد ثانويا.
وبات من الصعوبة أن تتجاوز حماس دور السلطة الفلسطينية وما يقرّره المجتمع الدولي بشأن المساعدات وإعادة الإعمار، ولذلك سوف تقبل به في النهاية، وهي تسعى حاليا للتوصل إلى الحد الأدنى للاستفادة منه.
ويتطلب إصلاح الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي مساعدات تقدر بنحو 16 مليار دولار، ما يجعل مسألة إعادة الإعمار أولوية قصوى بالنسبة إلى الحركة خوفاً من تكرار المظاهرات التي اندلعت ضدها العام الماضي ورفعت شعار “بدنا نعيش”.
وتمخض القصف الإسرائيلي على غزة عن مصرع 248 شخصاً، وإصابة 1900 آخرين، وتشريد الآلاف وإلحاق أضرار بالغة في العديد من مباني القطاع.
إسرائيل دعت إلى التنسيق مع الولايات المتحدة واللاعبين الآخرين لمنع حماس من توظيف المساعدات لخدمة مصالحها
ويتكرر الحديث عن إعادة الإعمار في غزة منذ العُدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2007 – 2008، ولم يتم تبني خطة واضحة لتنفيذها في القطاع، وبُعيد حرب 2014 وتدمير نحو 86 ألف منزل في القطاع بسبب القصف الإسرائيلي.
ودعا الرئيس الأسبق باراك أوباما في حينه إلى عقد مؤتمر دولي في شرم الشيخ، اعتمد خمسة مليارات دولار لإعادة الإعمار، ولم يتم تنفيذ ما تم إقراره في المؤتمر.
ويرتبط ملف إعادة إعمار غزة بالتوصل إلى اتفاق سياسي بين الفصائل الفلسطينية، وهو ما جعل القاهرة تعمل على توجيه دعوة جديدة للقوى المختلفة لحل أزمة إعادة الإعمار والتمهيد لإطلاق مسار سياسي خاص بالمفاوضات قبل أن تتبخر نتائج الحرب على غزة، ويعاد إنتاج المواقف السابقة بكل سلبياتها.