إستراتيجية مشتركة لهيئات الإعلام المصري تُنهي الجزر المنعزلة

توافق على تكريس المهنية يختبر إرادة الحكومة.
السبت 2025/02/22
إعادة تشكيل وعي الجمهور

قدمت الهيئات الإعلامية المصرية خطة عمل مشتركة تهدف إلى تطوير المنظومة كاملة والاستجابة لمتطلبات الجمهور والسلطة، بإعلام فاعل ومؤثر، والعمل على تكريس الحرية والشفافية بين الجهات المسؤولة في الدولة ووسائل الإعلام والمواطنين.

القاهرة - تتحرك الهيئات الإعلامية في مصر بشكل متسارع لوضع إستراتيجية جديدة خاصة بالقطاع تمهيدا لرفعها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد أيام، فيما شهدت الأيام الأخيرة اجتماعات بين رؤوس المنظومة للاتفاق على خطة عمل مشتركة تضمن عدم تحرك أي جهة في مسار وحدها بعيدا عن باقي الهيئات، أملا في الوصول إلى إعلام قوي ومؤثر في ذروة التحديات التي تواجه الدولة.

واتفق رؤساء الهيئات الإعلامية الثلاث، المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، على ضرورة تنسيق الجهود بينهم لضمان الوصول إلى إعلام وطني يتسم بالمصداقية والموضوعية ويكون قادرا على دعم تصورات الدولة في مواجهة التحديات، مشددين على حتمية وجود تكامل وتعاون تام بينهم، بما يجعل الإعلام المصري مواكبا للمتغيرات العالمية المتسارعة.

وتقرر أن تركز الإستراتيجية الإعلامية على وضع رؤية متكاملة لمواجهة الشائعات والعمل على تكريس الحرية والشفافية بين الجهات المسؤولة في الدولة ووسائل الإعلام والمواطنين، وتقوية مصداقية المنابر المختلفة لجعلها قوية ومؤثرة وتتمتع بمهنية عالية مدفوعة بالمصداقية في تغطية الأحداث، وتقريب المسافات بين وسائل الإعلام والرأي العام.

واعتادت الهيئات الإعلامية العمل في جزر منعزلة، كل واحدة منها تسعى للظهور أمام الحكومة والرئيس السيسي باعتبارها الوحيدة التي تتحرك في اتجاهات مختلفة، وقادرة على صناعة الفارق، لكن ما يلفت الانتباه أن تلك الهيئات أصبحت تتحرك بشكل جماعي دون انفراد أي منها باحتكار المشهد لصالحها أو إدارته بالطريقة التي تتناسب معها، وهو ما قد يعزز إنجاز الإستراتيجية الإعلامية المرتقبة.

محمد شومان: مصر في أمس الحاجة إلى إعلام مؤثّر وفعّال
محمد شومان: مصر في أمس الحاجة إلى إعلام مؤثّر وفعّال

وأعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في تشكيله السابق عن قيامه بإعداد خطة إعلامية جديدة تمهيدا لرفعها إلى الرئيس السيسي، بحيث تكون هناك رؤية إعلامية متكاملة، لكن المجلس القديم رحل قبل إعلانها، غير أن ثمة تغيرات نسبية طرأت على المنظومة الإعلامية أخيرا أظهرت وجود نوايا حسنة للتغيير نحو الأفضل، لكن لا تزال التحركات عشوائية.

ويدعم الرئيس السيسي فكرة وجود سياسة إعلامية شاملة بغرض تكريس ثقافة الإعلام المحترف، وتقوم تلك الرؤية على أكتاف الكفاءات الشبابية ليكون الإعلام المصري مؤثرا ومقنعا وقادرا على إعادة تشكيل وعي الجمهور، لكن الهيئات الإعلامية التي تعاقبت على المشهد على مدار خمس سنوات لم تنجح في تنفيذ هذه الرؤية بشكل صحيح خلال السنوات الماضية.

وأعلنت الحكومة عن رؤيتها لتطوير أداء الإعلام المصري عام 2020، لكن لم ينفذ منها سوى القليل الذي لم يكف لجعل الجمهور نفسه يشعر بوجود تغيير إيجابي، حيث استمرت الوجوه نفسها تقريبا، وبقيت السياسة التحريرية ذاتها قائمة رغم إحاطتها بعدد من الخطوط الحمراء، وظلت الكثير من المنابر الإعلامية بعيدة عن التطوير أو على الأقل مواكبة الأحداث الهامة.

وحدث تغير في تشكيل الهيئات الإعلامية في نوفمبر الماضي، ولم يتغير شيء سوى إصدار بعض القرارات التنظيمية الخاصة بخريطة عمل البرامج وتحديد ما هو مسموح به وما هو ممنوع، دون التصدي للمشكلات الحقيقية التي قادت إلى تراجع جماهيرية الكثير من وسائل الإعلام وتحول شبكات التواصل الاجتماعي في نظر شريحة كبيرة من المواطنين إلى منابر بديلة للمعلومات والشكاوى.

ويرى خبراء في المجال الإعلامي بمصر أن المنظومة برمتها ليست في حاجة إلى خطط أو إستراتيجيات جديدة، سواء لضبط الأداء أو لمواجهة الشائعات والبحث عن كيفية تقريب المسافات مع الجمهور، بقدر ما تحتاج بشكل عاجل إلى تصعيد الكفاءات والخبرات التي تزخر بهم المهنة، والاتفاق بين الهيئات الإعلامية على ضرورة إقناع الحكومة بفتح المناخ العام كي تعمل القنوات والصحف بأريحية.

وقاد بقاء بعض الوجوه والسياسات القديمة إلى دفن عناصر مهنية يمكنها صناعة التفوق لكل وسيلة إعلامية، والكثير من هؤلاء لديهم قدرة على نقل المهنة إلى مستوى جيد بإمكانيات قليلة دون التحجج بأزمات مالية أو ظروف اقتصادية، في حين أن هناك مؤسسات صحفية وتلفزيونية تعتمد على شخصيات بعضها يفتقد الحد الأدنى من الفهم لأبسط قواعد ومتطلبات المهنة.

المنظومة برمتها ليست في حاجة إلى خطط أو إستراتيجيات جديدة بقدر ما تحتاج بشكل عاجل إلى تصعيد الكفاءات والخبرات التي تزخر بهم المهنة

ويرتبط سعي الهيئات الإعلامية لوضع خطة واقعية لتطوير الأداء ورفعها إلى الرئيس السيسي، بأنه لا يزال غير راضِ عن أداء الإعلام، وكثيرا ما أعرب عن تحفظاته حول الخطاب الموجه للجمهور، حيث يبدو سطحيا ولا يتمتع بتعمق أو تأثير ولا يخاطب مختلف الفئات ويعتمد على وجهة نظر أحادية أحيانا، لكن تلك إشكالية مرتبطة بهيمنة الصوت الواحد على الكثير من المنابر.

كما أن استمرار أغلب الصحف والبرامج في ترديد وجهة نظر الحكومة لن يعيد لوسائل الإعلام جماهيريتها المفقودة وستظل شبكات التواصل هي الإعلام البديل بالنسبة إلى الكثيرين، وهذا يعبر عن أزمة حقيقية تتعلق بكيفية الوصول إلى منابر متوازنة تناقش كل القضايا دون محاذير، وبوجهات نظر مختلفة، مع حتمية توافر المعلومات التي يُبنى على أساسها النقد عن فهم.

ويدعم السيسي تلك الرؤية، وطالب بأن يتحدث الإعلام بشكل متوازن دون تبني وجهة نظر الحكومة، ودعا المسؤولين في مختلف الوزارات والهيئات إلى التفاعل مع الإعلام بشكل إيجابي والرد على استفسارات وتساؤلات الناس، على الأقل إذا قرر أي شخص أن ينتقد أو يحلل أو يفسر، يكون رأيه مبنيا على معلومة حقيقية وليست شائعة، في ظل محاصرة الدولة يوميا بطوفان من الشائعات.

ورأى الخبير الإعلامي محمد شومان أن الإعلام المصري بحاجة ماسة إلى سياسة واضحة المعالم، بحيث تكون لكل منبر هوية تخصه، وهناك ضرورة لتصعيد كوادر قادرة على تطبيق السياسة الإعلامية خاصة وأن مختلف وسائل الإعلام تمتلك كفاءات قادرة على إحداث الفارق، بالتالي لا يجب التوافق عند وضع إستراتيجية بقدر التخطيط الجيد لكيفية تطبيقها وتفعيلها على الأرض.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر في أمس الحاجة إلى إعلام مؤثر وفعال يلبي تطلعات الجمهور طوال الوقت، ويجب أن تكون هناك قناعة بضرورة التوازن في مناقشة الموضوعات وتوافر المعلومات والتفاعل الإيجابي من المسؤولين مع استفسارات الناس لدحض الشائعات وتعميق الوعي الجماهيري بعيدا عن تركهم لشبكات التواصل التي تغرق بأخبار وتحليلات تكون مبنية على غياب الحقيقة.

وبعيدا عن مضمون الإستراتيجية الجديدة وأهدافها ثمة شواهد تشير إلى أن المنظومة الإعلامية في مصر قادرة على التعافي، والعبرة في حُسن توظيف الإمكانيات والأدوات بشكل صحيح، والاتفاق بين الحكومة والهيئات المعنية بإدارة المشهد على تحديد البداية الحقيقية للتطوير، هل بتغيير الوجوه أم بفتح الباب أمام الحريات، أم بتعميق الاستعانة بالمتخصصين، وكل ذلك يرتبط بتوافر الإرادة أولا.

5