إجراءات عراقية حازمة ضد شبكة تنصت وتزوير في مكتب السوداني

توجيه السوداني بتشكيل لجنة تحقيقية بحق أحد موظفي مكتبه تزامنا مع تفكيك شبكة تنصت يكشف عن عمق الفساد وتهديدات الأمان الرقمي في أعلى مستويات السلطة.
الثلاثاء 2024/08/20
السوداني يحارب الفساد داخل مكتبه

بغداد - في خطوة غير مسبوقة تعكس عزم الحكومة العراقية على محاربة الفساد، وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة تحقيقية بحقّ أحد الموظفين العاملين في مكتبه، في حادثة تسلط الضوء على خروقات قانونية خطيرة.

وجاء القرار بعد أن تبنى أحد موظفي مكتب رئيس الوزراء العراقي منشورا مسيئا لبعض المسؤولين وأعضاء مجلس النواب، مما استدعى إصدار أمر بسحب يده من منصبه لحين إكمال التحقيق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء العراقي في بيان "عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون، وهو يدعم كلّ الإجراءات القانونية بهذا الصدد."

وكانت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولت مؤخرا مقطع فيديو يظهر فيه شخص قيل إنه يعمل في مكتب السوداني يطلق عبارات نابية وألفاظا خادشة للحياء ضد بعض الأشخاص.

ولا يعرف إلى حد اللحظة ما إذا كان التحقيق مع أحد موظفي مكتب رئيس الحكومة، وسحب يده إلى إشعار آخر مرتبطا بشبكة التنصت والتزوير التي أعلنت السلطات العراقية اعتقال كافة عناصرها.

لكن في كل الأحول فإن تزامن التحقيق مع اعتقال الشبكة التي تعمل داخل مكتب رئيس الحكومة، يكشف عن عمق الفساد وتهديدات الأمان الرقمي في أعلى مستويات السلطة.

والشبكة، التي يترأسها محمد جوحي، معاون مدير عام الدائرة الإدارية بمكتب رئيس الوزراء، تتهم بالتنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين، وتوجيه جيوش إلكترونية لخلق أخبار مزيفة وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال، وفق منشور للنائب مصطفى سند عبر حساباته على منصتي فيسبوك وإكس.

وهذه الاعتقالات، التي جرت في محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب، تشمل عددا من الضباط والموظفين المتورطين، وتبرز بشكل جلي حجم الانتهاكات التي طالت الأمان الرقمي وخصوصية الأفراد.

واعترفت الشبكة بأعمالها وتم تدوين أقوال أفرادها، مما يسلط الضوء على مستوى التنسيق والقدرة على التلاعب بالأنظمة الحكومية.

ومن ضمن الاعترافات الكثيرة بحسب سند "انتحال رقم سعد البزاز (مالك قناة الشرقية الفضائية) وإرسال صورة مفبركة لقناة الشرقية تحتوي صورة أربعة نواب: (سند وعدي ومحمد نوري وهيثم الزهوان) لخبر كاذب وإرسال الصورة على أرقام هواتف النواب جميعهم على الخاص".

وأوضح أن "هناك عدة ضغوطات تمارس من أجل إخراجهم، لكن لم يخضع القاضي المختص لتلك الطلبات، وبدورهم قام النواب المتضررون بتقديم الشكاوى وصدق أقوالهم".

وفي تصريح لمحطة تلفزيون محلية، قال سند إن الشبكة كانت "تتنصت على هواتف النواب"، وإن "رقم هاتف مزيفا كان يستخدم لتوجيه النواب أو الضغط عليهم للتصويت في مشاريع قوانين وملفات حساسة مثل اختيار مرشح رئيس البرلمان".

وأضاف "الموظف بمكتب السوداني استعان بضابط في الأمن الوطني خبير في الأمن الرقمي لمساعدته على التنصت وابتزاز النواب".

وتأتي هذه الأحداث في وقت حرج للعراق، حيث يشهد البلد معركة ضد الفساد الذي يتغلغل في أعماق المؤسسات الحكومية.

والقرار السريع لرئيس الوزراء العراقي بتشكيل لجنة تحقيقية وسحب يد الموظف المعني، يعكس جديّة الحكومة في مواجهة الفساد وضمان الشفافية.

وتكمن أهمية هذه الخطوة في كونها رسالة قوية إلى جميع من تسول لهم أنفسهم التلاعب بالمؤسسات الوطنية.

وتشكيل لجنة تحقيقية ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو إشارة إلى التزام الحكومة بمحاكمة الفاسدين وتحقيق العدالة.

والعملية القضائية التي تقودها محكمة تحقيق الكرخ تمثل خطوة حاسمة في سعي العراق لإعادة بناء ثقته في النظام القضائي.

وتتزامن هذه الإجراءات مع حملة واسعة لمكافحة الفساد، مما يعزز من موقف الحكومة في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية.

والاعتقالات والاعترافات التي تم الحصول عليها من الشبكة تمثل دليلاً إضافيًا على وجود ممارسات غير قانونية تنخر في جسم الدولة.

وتتعرض مؤسسات العراق المختلفة إلى هجمات سيبرانية بشكل متزايد، مما أدى إلى تسريب معلومات هائلة من وثائق وقاعدة بيانات جهات عديدة بينها جهات أمنية يفترض أن تبقى بمستوى عالٍ من السرية والتكتم، فضلا عن تسريب بيانات المواطنين المختلفة كمعلومات الهوية الشخصية وبطاقتي السكن والتموينية وغيرها، وسبق وأن عرضت هذه المعلومات للبيع وبأسعار زهيدة.

وفي ظل عدم اتخاذ الإجراءات المطلوبة لحفظ الأمن السيبراني، يشير خبراء مختصون في أمن تكنولوجيا المعلومات إلى أن العراق لديه نقص وفراغ في القوانين التي تفرض اتخاذ الإجراءات المطلوبة لحماية الأمن السيبراني والإعلان عن حصول حالات الاختراق في حال حدوثها، وأن تتخذ الجهة التي تم اختراقها كافة الوسائل المتاحة للحرص على عدم تكرار حالات الاختراق.

ويعرف الأمن السيبراني بكونه حماية "الأنظمة والشبكات والبرامج من الهجمات الرقمية، التي تهدف إلى الوصول إلى المعلومات الحساسة أو تغييرها أو إتلافها أو ابتزاز المال أو مقاطعة العمليات التجارية".

وتراجع العراق 22 مرتبة عن آخر إحصائية، إذ حصل على المرتبة 129 عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني من أصل 182 دولة، وتراجع عربياً أيضاً 4 مراتب، إذ حصل على المرتبة 17 متقدماً على موريتانياً، والصومال، وجزر القمر، وجيبوتي، واليمن، بينما تفوقت عليه بقية الدول العربية بما فيها سوريا، وفلسطين، وليبيا، ولبنان، والسودان.

ورغم أن العراق يجرم تسريب الوثائق، الا أن القوانين لم تشمل الأمن السيبراني وحماية المحتوى الالكتروني داخل المؤسسات.

وقال الخبير القانوني محمد العكيلي في تصريح لموقع "باسنيوز" المحلي إن "ملف الأمن السيبراني في العراق يعتمد على إصدار تعليمات فقط، وهذه التعليمات لا تصل إلى قوة القانون، وما ينظم حفظ الوثائق هو قانون رقم (70) لسنة 1975 وهذا القانون له ذات قوة قانون رقم (37) لسنة 2016 والذي شرعه البرلمان، وهذا القانون قد حاول تحصين الوثائق كافة".

وأضاف "القانون قد جرم تسريب الوثائق، وكذلك لدينا قانون انضباط موظفي الدولة، ولكن جميع تلك القانون لم تشمل الأمن السيبراني وحماية المحتوى الالكتروني داخل المؤسسات بحماية حقيقية فاعلة لمنع ووقف عمليات الهجوم السيبراني التي قد تستهدف مؤسسات الدولة بشكل خاص وعموم المؤسسات بشكل عام".

وأكد الخبير القانوني، أن "البرلمان مدعو إلى تشريع قانون يضمن توفير الحماية الالكترونية وتعزيز جانب الأمن السيبراني لمؤسسات الدولة والتي قد تكون معرضة للاختراق ومن قبل أقل المخترقين أو ما يسمى بـ (الهاكرز) كفاءة، ولدينا في قانون العقوبات، تصل عقوبة من يسرب معلومات يمكن أن يستخدمها العدو للإضرار بالأمن الداخلي، إلى الإعدام أو السجن المؤبد".

ولا تزال نسب جرائم الابتزاز الالكتروني تنمو لتشكل تهديدا آخر يستهدف بنية المجتمع العراقي بجميع مكوناته، وفيما طالبت جهات مختصة بالإسراع بتشريع قوانين صارمة بحق مرتكبي هذه الجرائم، أكدت أن ارتفاع نسب تلك الجرائم يعود إلى الانفلات الرقمي، وعدم الرقابة الحقيقية، وتراخي الردع المجتمعي، لاسيما مع عدم وجود تشريع يتناول تفاصيل هذه الجرائم بشكل خاص.