إجراءات تونسية لإصلاح منظومة التعليم

لا تزال دعوات إصلاح قطاع التعليم تتصاعد في تونس، مع محاولات “محتشمة” من كل الوزراء المتعاقبين على وزارة التربية، يراها مراقبون أنها ظرفية وغير كافية، وسط دعوات ملحة إلى القيام بمراجعات شاملة لكل جوانب القطاع واتباع إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف.
تونس - أقرّت وزارة التربية حزمة من الإجراءات في إطار مراهنتها على إصلاح منظومة التعليم المتدهورة منذ سنوات، في خطوة ثمّنها مراقبون، لكن اعتبروها غير كافية لقطاع مأزوم في حاجة إلى مراجعات شاملة ومناهج جديدة.
ويرى خبراء وأكادميون أن عملية إصلاح هذا القطاع تستدعي طابعا تشاركيا بين مختلف الأطراف المتداخلة في منظومة التعليم على غرار وزارة التربية والخبراء والبرلمان والنقابات، إلى جانب وضع آليات وبرامج مدروسة وواضحة، فضلا عن تنظيم حوار حقيقي حول المسألة يعالج مختلف الجوانب المتداخلة في العملية التربوية.
ويعتبر قطاع التعليم الحيوي من أبرز القطاعات التي راهنت عليها دولة الاستقلال في 1956 وخصصت له ثلث ميزانيتها، وذلك على حساب البنى التحتية والنفقات العسكرية وغيرهما.
وكشفت وزيرة التربية سلوى العباسي، الاثنين، أن “وزارة التربية اتخذت عدة إجراءات لإصلاح المنظومة التربوية”.
وأكدت العباسي في تصريح لإذاعة محلية “التفكير في إرساء أقطاب تعليم تقني من خلال استغلال الأرصدة العقارية في المناطق المهمشة لانتشال شبابها من البطالة والانقطاع المدرسي والفشل والغش”، حسب وصفها.
وأضافت أن “هذه الأقطاب تتمثل في بناء مدارس إعدادية مع معاهد حسب نظام الأقاليم أي بمعدل قطب في كل إقليم وتكون مجهزة بكافة مقومات الإعاشة من مطاعم ونقل”، معلنة أن “الاعتمادات المخصصة لتنفيذ هذه الفكرة متوفرة بقيمة 50 مليون دينار من قرض للدولة التونسية”.
ويعاني قطاع التعليم في تونس من أزمة حادة عقب اندلاع ثورة يناير 2011، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج وبسبب النقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية للقطاع، كما ساهمت السياسات الخاطئة في تدني هذا القطاع، وسط تحذيرات الخبراء من تراجع جودة التعليم في تونس.
وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي “ما لاحظناه منذ سنة 2011، أن كل وزير يأتي يمحو ما أنجزه الوزير الذي سبقه، وإصلاح منظومة التعليم يستدعي تفعيلا لجملة من الأفكار القائمة على غرار الاستشارة الوطنية للتعليم”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “اليوم نعاني من منظومة تعليم فاشلة، وربما أرادت الوزيرة القطع مع سياسة الوزير السابق محمد علي البوغديري”، لافتا إلى أن “عملية الإصلاح تستدعي إحداث لجنة بيداغوجية مستقلة خاصة بعيدا عن الحسابات السياسية ويشارك فيها أخصائيون من علم النفس وعلم الاجتماع والمثقفون”.
واستطرد الرابحي قائلا “علينا أن نفكر في الأجيال القادمة، ونبني جيلا بتعليم عصري يلائمه”.
ولم يكن قطاع التعليم في تونس بمعزل عن الصراع السياسي، وظهر في معظم الإصلاحات التربوية بعد الاستقلال، سواء في رهان توحيد التعليم أو في السؤال عن لغة التعليم بين التعريب وثنائية اللسان، وصولا إلى البرامج، وخاصة تلك المتعلقة بالتربية الدينية والفلسفة.
ويقول متابعون إن مشاكل هذا القطاع الحيوي تركة قديمة وثقيلة، تستدعي مراجعات شاملة وتتعلق بتدني رواتب المدرسين مع وجود آليات التشغيل الهش، والتوظيف العشوائي، إلى جانب ضعف البنية التحتية، وغياب المدرسة الحاضنة التي تعوّض دور الأسر، إلى جانب غياب الرقمنة في ظل التطور التكنولوجي والاقتصادي.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة بأن “الإصلاح لا يقوم على ردّ الفعل ولا نريده أن يقترن بأحداث معينة، بل نريد عملية تشاركية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك عدة جوانب في علاقة بقطاع التعليم يجب إصلاحها على غرار البنية التحتية، حيث توجد مؤسسات تربوية تعاني من مشكلات كبيرة وأقسام آيلة للسقوط، فضلا عن مسألة التوظيف، إذ لا بد مع القطع مع التوظيف الهش والعشوائي والقيام بمراجعات جذرية لذلك، مع استرجاع هيبة عملية التفقد والمنهجية البيداغوجية، مع رد الاعتبار للعملية التربوية وإشراك كل الأطراف المعنية في ذلك”.
وتابع مراد علالة “منظومة التعليم مثل بقية القطاعات تأثرت بجملة من العوامل، ويجب وضع رؤية واضحة لمشروع وطني شامل ومتكامل لإصلاح التعليم”.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أشرف في وقت سابق، بقصر قرطاج، على اجتماع تناول مشروع النصّ الذي سينظم المجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي تم إنشاؤه بمقتضى دستور الخامس والعشرين من يوليو 2022.
وأكّد سعيد حينها أنه “تم العبث مطوّلا بالتعليم في السنوات الأخيرة، فبات مصير الأجيال رهين قرار وزاري يتغيّر كلّما تغير المسؤول عن الوزارة”، داعيا إلى “الإحاطة بإطار التعليم وإعادة الحياة إلى دار ترشيح المعلمين ودار المعلمين العليا”.
ولفت الرئيس التونسي إلى “أهمية التربية والتعليم فكلاهما من قطاعات السيادة، وثروتنا البشرية لا تنضب”، قائلا إن “الكفاءات التونسية التي هاجرت إلى الخارج لا تقدّر بثمن، فتونس هي في الواقع من يقرض الذي يقرضها في الخارج”.
ويرتبط إصلاح واقع التعليم المتردي في تونس بمراجعة الزمن المدرسي وتحيينه، ومراجعة الحياة العامة داخل المؤسسة التربوية في مستوى المعاملات والعلاقات والأنشطة المعرفية والترفيهية، فضلا عن ضرورة تخصيص موازنات مالية هامة لذلك.