إجراءات استثنائية لتخفيف وقع إصلاح قطاع الكهرباء على العمانيين

مسقط- أقّرت السلطات العمانية تعديلا في هيكلة الإمداد بالطاقة الكهربائية باتّجاه تزويد المستهلكين من محدودي الدخل بالمزيد من الإمدادات في أعقاب شكاوى من ارتفاع حاد في الفواتير خلال فصل الصيف الذي يتزايد فيه استهلاك الطاقة الكهربائية.
وجاء هذا الإجراء ضمن جهود الحفاظ على التوازن بين المستوى المعيشي والظروف الاجتماعية للمواطنين ومتطلّبات الإصلاح الاقتصادي والإداري الذي شرعت فيه السلطنة كضرورة لم يعد بالإمكان إرجاؤها في ظلّ الظروف الاقتصادية والمالية الطارئة.
وتعتبر كلفة الطاقة المنزلية من المسائل الحساسة في سلطنة عمان التي شهدت قبل أشهر احتجاجات نادرة على البطالة استجابت لها السلطات بسلسلة من الإجراءات بعضها عاجل مثل التشغيل الفوري بعقود مؤقتة وبعضها أطول مدى مثل التسريع في عملية توطين الوظائف في القطاعين الخاص والعام على حدّ سواء.
وتريد الحكومة الإبقاء على قدر من دعم المواطنين في ظل مواصلة السلطان هيثم بن طارق الذي تولى مقاليد الحكم العام الماضي إقرار إصلاحات لتخفيف الضغط على المالية العامة للدولة. وشملت الإصلاحات إقرار ضريبة على القيمة المضافة بدأ العمل بها في أبريل الماضي، وكذلك إصلاح نظام الدعم المكلف.

سالم بن حمد الجهوري: تكامل المعطيات الاقتصادية والاجتماعية في الإصلاحت العمانية
وقال مسؤول بهيئة تنظيم الخدمات العامة في إفادة صحافية إنه بعد تلقي أكثر من خمسة آلاف شكوى قررت السلطات توسيع فئات الاستهلاك للأسر في خطوة ستُطبق بأثر رجعي لتغطية شهري مايو ويونيو الماضيين.
وبموجب التعديل سيتمكن المستهلكون الذين يدفعون رسما قدره 0.03 دولار لكل كيلوواط في الساعة من الحصول على ما يصل إلى أربعة آلاف كيلوواط في ساعة من الكهرباء ارتفاعا من الحد الأقصى السابق البالغ 2000 كيلوواط في ساعة. وسيتمكن المستهلكون الذين يدفعون 0.04 لكل كيلوواط في الساعة من الحصول على ما يصل إلى ستة آلاف كيلوواط في الساعة، مقابل أربعة آلاف سابقا.
وقال رئيس الهيئة منصور الهنائي للصحافيين إن معظم المواطنين يندرجون تحت هذين الفئتين. وأضاف “هناك مراجعة مستمرة ومتواصلة لمعرفة مدى تأثير ارتفاع تكلفة الكهرباء على بعض القطاعات الاقتصادية كالقطاع الزراعي وقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة”، موضّحا أن الهيئة أصدرت تعليمات للشركات المرخصة بإعادة الخدمات المقطوعة بسبب تأخر سداد الفواتير خلال الصيف.
وكانت الحكومة العمانية قد أعلنت قبل أشهر تعديل برنامج دعم الكهرباء والماء بتحويل تركيز إنفاقها إلى المواطنين الأكثر حاجة. وتهدف الخطة إلى جانب تطوير قوانين العمل والخصخصة والضرائب الجديدة إلى خفض العجز المالي الذي واجهته السلطنة بسبب تذبذب أسعار النفط من جهة وتأثيرات جائحة كورونا من جهة ثانية.
وبحسب الباحث العماني في الشؤون الدولية سالم بن حمد الجهوري فإنّ إصلاح قطاع الطاقة الكهربائية في سلطنة عمان يعدّ نموذجا عن تكامل المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية الإجرائية في العملية الإصلاحية الأشمل الجارية في السلطنة، حيث أشار في تصريح لـ”العرب” أنّ الإجراءات الجديدة تشمل أيضا عدم قطع الكهرباء لغير المسددين للفواتير من شهر مارس إلى شهر سبتمبر من كل عام مع إمكانية تقسيط المبالغ على المستهلكين.
وفي سياق أشمل من تحسين أداء قطاع الطاقة الكهربائية وملاءمته مع المتطلّبات البيئية التي اكتست أهمية عالمية متزايدة، تقرّر استكمال مشاريع إنتاج الطاقة من الطاقة النظيفة من الشمس والرياح، والاستغناء عن خمس محطات تعمل بالغاز، إضافة إلى دمج بعض المحطات لتغطية محافظات في مناطق جغرافية متقاربة. ويجري بالتوازي مع ذلك استكمال الربط الداخلي بين المحافظات، وتصدير الفائض في الطاقة إلى شبكة مجلس التعاون الخليجي.
ولا يزال النفط والغاز مصدرين رئيسيين للدخل في عمان فيما تضرر قطاع السياحة بشدة من جائحة كورونا وعمليات الإغلاق المتكررة في السلطنة. ورغم المصاعب الاقتصادية تشهد عمان استقرارا سياسيا ملحوظا لم يتأثّر بالتوترات الإقليمية الكبيرة المحيطة بالسلطنة ومن ضمنها الحرب في اليمن والأزمة العالمية والإقليمية مع النظام الإيراني.
ولدى تسلّمه السلطة، أظهر السلطان هيثم بن طارق توجّها إصلاحيا واضحا يتضمّن التخلّص من البطء والتكلّس في أجهزة الدولة وإزالة العوائق التي أخّرت الإصلاح الاقتصادي الذي كان مطلوبا بشدّة منذ سنوات. وتحصينا للوضع الاجتماعي من النتائج الجانبية للعملية التي تقتضي الضغط على الإنفاق العام والحدّ من سخاء الدولة في تقديم الدعم، ترافق الإعلان عن إقرار خطة تتعلق بإحداث التوازن المالي مع الإعلان في الوقت ذاته عن تسريع إنشاء نظام متكامل للحماية الاجتماعية.