إجبارية فحوصات الأمراض الوراثية للمقبلين على الزواج تحصين لأطفال المستقبل

تهدف الحكومة المصرية من خلال إجبار المقبلين على الزواج على إجراء فحوصات الأمراض الوراثية إلى تقليل انتشار تلك الأمراض بين الأطفال ووقايتهم من الإعاقات الذهنية والجسدية بغاية تخفيف العبء على الأسرة وتجنب وصول علاقة الزوجين للطلاق. وتطالب أصوات في مصر بإجراء فحوصات طبية قبل الزواج بشكل رقمي، بحيث يصعب التحايل عليها لتجنب الأمراض الوراثية.
القاهرة - لجأت الحكومة المصرية إلى استحداث فحوصات طبية إلزامية لم تكن مدرجة من قبل لإتمام عقد الزواج، حيث تم تعديل إضافة أنواع من التحاليل الطبية للطرفين تهدف لاكتشاف احتمال إنجاب أطفال مشوهين صحيا أو من ذوي الإعاقات الناجمة عن الأمراض الجينية، بحيث يتم التعرف عليها مبكرا.
وتسعى الحكومة لتقليل انتشار الأمراض الوراثية ووقاية الأطفال من الإعاقات الذهنية والجسدية وخفض نسبة الوفيات بين الصغار نتيجة الإصابة بهذه الأمراض، كمدخل لتخفيف العبء على الأسرة وتجنب وصول علاقة الزوجين للطلاق.
وتأخذ فحوصات الزواج في مصر شكلا صوريا أكثر منه ضرورة لقوام أسري متماسك يخلو من الأمراض التي يحملها الزوجان وتنتقل بالتبعية إلى الأطفال بطريقة تجعل حياتهم صعبة، ولعبت مؤسسات تشارك في الأزمة من خلال بيع الشهادات الصحية دورا في خلق أزمة مضاعفة بسبب التستر على أصحابها.
فحوصات الزواج في مصر تأخذ شكلا صوريا أكثر منه ضرورة لقوام أسري متماسك يخلو من الأمراض التي يحملها الزوجان
حصل الشاب المصري أحمد محمود منذ حوالي خمس سنوات على وثيقة طبية تثبت خلوه وخطيبته من الأمراض الوراثية لتقديمها للمأذون الشرعي عبر دفع مبلغ مالي لوسطاء، ولم يخضع وخطيبته للفحص الطبي، وصدرت الوثيقة وجاء المولود الأول مشوها لصلة القرابة.
وخاض الأب تجربة مريرة لعلاج ابنه حتى نصحه أحد الأطباء بالذهاب إلى الجهة الحكومية المعنية بالفحوصات الطبية الوراثية، وفوجئ بأن السبب صلة القرابة مع الزوجة، وما كان لهما أن يتزوجا بسبب أمراض جينية مشتركة، وكان بإمكانهما تفادي ذلك بالالتزام بإجراء الفحوصات الطبية.
وقال محمود لـ”العرب” إنه ندم على تزوير الفحوصات الطبية بعدما أصبح يعاني من إنجاب طفل معاق بسبب مرض وراثي، مؤكدا أن الأطباء أبلغوه أن أيّ طفل سوف يأتي عن طريقة هذه الزيجة مستقبلا سيكون مصابا بتشوهات وعليه الاتفاق مع زوجته على عدم الإنجاب مرة ثانية.
ويُحسب على الحكومة أنها عندما تقرر إجراءات صحية لإنقاذ الأسر والأبناء من مشكلات مستقبلية معقدة لا تتحرك لنشر ثقافة الوعي الصحي بين العائلات، ولا تلزم المؤسسات الطبية المتداخلة مع القضية لضبط الفحوصات وإحكام القبضة عليها تجنبا للتلاعب أو حدوث شبهات تزوير.
وهناك قائمة طويلة من الفحوصات الطبية التي أقرتها حكومات سابقة، واشترطت الانتهاء منها نظير إبرام عقود الزواج، لكن الشاب والفتاة يتحصلان عليها من خلال وسطاء ومعارف ورشاوى مالية، وفي النهاية يدفع الزوجان والأبناء فاتورة باهظة نظير التعامل باستخفاف مع هذا الإجراء.
وتتعالى أصوات في مصر تطالب بإجراء فحوصات طبية قبل الزواج بشكل رقمي، بحيث يصعب التحايل عليها لتجنب الأمراض الوراثية، بما يؤثر على حياة الأسرة.
ويبدو ربط عقود الزواج في مصر بجملة من الفحوصات الوراثية خطوة جيدة، لكن الحكومة لم تتحرك لإنشاء مراكز متخصصة في هذا الشأن، وصار بإمكان الشاب والفتاة الحصول على وثيقة تثبت خلوهما من الأمراض من مستشفى حكومي.
كما أن نسبة كبيرة من المستشفيات الحكومية لا تتوافر فيها الإمكانيات الحديثة التي تتيح لها اكتشاف الأمراض وتشخيص المخاطر الجينية، وأصبح الأمر برمته صعبا، ما يمهد لإمكانية أن تصبح الفحوصات مجرد ورقة يتم شراؤها بطرق ملتوية.
وسبق أن أعلنت هالة زايد وزيرة الصحة السابقة عن مشروع ضخم لإنشاء مظلة رقمية تقوم بإجراء الفحوصات الخاصة بالزواج، لكن المشروع لم يكتمل، ولا تزال الزيجات تتم بلا توافر فيها الحد الأدنى لمعايير السلامة الصحية للشريكين وأولادهما.
ويكتفي المأذون الشرعي بأي أوراق صادرة عن مؤسسة طبية حكومية تثبت خلو الشاب والفتاة من الأمراض الوراثية، ولا يوجد نص قانوني واضح يُلزمه بعدم إتمام العقد حال إصابة طرف بمرض وراثي أو معد، بما ينتج أطفالا مشوهين مستقبلا.
ورأى عمرو حسن مقرر المجلس القومي للسكان بوزارة الصحة سابقا أن الفحوصات الطبية الإلزامية قبل الزواج خطوة أولى لحياة أسرية مستقرة خالية من الأمراض التي تتسبب في تعكير صفو العلاقة بين الطرفين، غير أن المعضلة تكمن في عدم وجود وعي أسري بأهمية هذه الفحوصات.
مصريون يطالبون بإجراء فحوصات طبية قبل الزواج بشكل رقمي، بحيث يصعب التحايل عليها لتجنب الأمراض الوراثية، بما يؤثر على حياة الأسرة
وقال لـ”العرب” إن دور المؤسسات الصحية والإعلامية والدينية أن تلعب دورا فاعلا في توعية الأسر، وعدم الاكتفاء بإصدار قرارات حكومية لا يتم تفعيلها وغير مقنعة لكثير من العائلات، مع أن التحايل على الفحوصات قبل الزواج يحمل مخاطر للأسرة.
ولدى عدد كبير من الأسر في مصر شعور متصاعد بأن فحوصات الزواج وسيلة لجمع مبالغ مالية لصالح الحكومة، ما يعكس غياب الوعي العائلي بمخاطر التحايل على وثيقة خلو الطرفين من الأمراض كونها ركيزة أساسية لبناء لقوام أسري متماسك.
ويشير خبراء إلى صعوبة إقناع الأسر بجدوى فحوصات الزواج من دون تعامل الحكومة مع الملف كقضية أمن قومي لخطورة ذلك على مصير أسر بكاملها، لأن الزيجات المشوهة ينجم عنها ضحايا لا ذنب لهم في أنانية الأبوين.
ويطالب مؤيدون لفحوصات الزواج بحتمية أن تكون الحكومة جادة في تطبيقها مع سن عقوبات صارمة على المتحايلين عليها، ووضع سياسة تتبع الإصابات الوراثية بعد إتمام الزيجات والإنجاب للوقوف على طريقة التعامل مع القضية.
وأوضح محمد هاني استشاري العلاقات الزوجية والطب النفسي بالقاهرة أن هناك حساسية مفرطة من الشباب والفتيات مع فكرة الفحوصات الطبية قبل الزواج بذريعة أنها قد تهدد إتمام العلاقة لو وجد أن أيا منهما مصاب بمرض وراثي أو معد، وهما بذلك لا يفكران في المخاطر التي يمكن أن تحدث في المستقبل.
وذكر لـ”العرب” أن العديد من الأسر تعتقد أن فحوصات الزواج هي إجراء دخيل على العادات والتقاليد في ظل اعتقاد راسخ بأن زواج الأقارب لا بديل عنه مهما كانت المخاطر، مع أن هذه الزيجات تحدث على نطاق واسع بين العائلات الريفية وفي الأوساط الشعبية والقبلية، وهناك يتم الاحتكام للعرف لا العقل.
وحسب إحصائيات رسمية، فإن زواج الأقارب في مصر من أخطر الأسباب التي تنتج عنها أمراض أنيميا البحر المتوسط، وهناك 700 إصابة لكل ثلاثة آلاف حالة، والكثير من الأطفال يصابون بانخفاض في جهاز المناعة ويواجهون تشوهات خلقية، ما يجعلهم عرضة لمخاطر صحية قد تودي بحياتهم.
وبغض النظر عن اقتناع الأسر بجدوى الفحوصات، فالمشكلة سوف تظل قائمة طالما أن المؤسسات الطبية بمصر تتعاطى مع الشهادات الصحية الخاصة بالزواج باعتبارها انعكاسا على زيادة وعي الأسر، ولا تعترف بأن أغلبها يصدر بطرق غير قانونية، ما يعني لأي درجة تشارك الحكومة في غياب الوعي الأسري بسبب زيف الفحوصات.