أي صورة للمرأة في السينما السورية بعد الحرب

أفلام رسمت واقع النساء السوريات بين القوة والانهيار في زمن الحرب والإرهاب.
الأحد 2020/07/19
نساء قويات ضد الحرب والإرهاب

تعتبر السينما بشكل عام وسيلة ثقافية ترفيهية ربحية تحمل في طياتها رسالة (إنسانية أو اجتماعية أو سياسية) في حال أحسن صناعها بثها، ولكن السينما السورية وبعيدا عن الظروف الحالية، لم تكن يوما سينما تجارية ربحية، ولم ينظر العاملون فيها من منتجين وفنانين على أنها صناعة، وبالتالي اعتبر العمل بها نوعا من أنواع المغامرة واقتصر إنتاجها على الدعم الحكومي المتمثل بالمؤسسة العامة للسينما، وهو دعم يهتم بإنتاج الأفلام النخبوية التي تحقق سمعة في المهرجانات وتنال الجوائز بغض النظر عن شعبيتها أو إقبال الجمهور عليها.

الحديث اليوم عن الأفلام السورية يُعد شائكا، فحالة السينما السورية حالة استثنائية، ليس فقط بسبب الأحداث التي حلت بسوريا منذ بداية العام 2011 ومازالت مستمرة حتى يومنا الحالي، والتي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد والإنسان السوري، بل أيضا بسبب هجرة العقول ومن ضمنها السينمائية التي تلقفتها أوروبا وقدمت لها الدعم والتمويل.

وبعد متابعة جل الإنتاج السينمائي السوري خلال سنوات الحرب وليس فقط إنتاجات العام 2019، يتبين لنا انقسام حاد ما بين الأفلام السورية المنتجة من قبل المؤسسة العامة للسينما وبين الأفلام السورية المنتجة من قبل جهات تمويل خارجية، عبر منح عربية أو أوروبية لمؤسسات غير ربحية، أو بدعم من محطات تلفزيونية ومهرجانات سينمائية، والفرق ليس فقط على صعيد النوع (روائي أو وثائقي)، وإنما أيضا على صعيد المضمون والتوجه والرسالة، والأهم من ذلك كله على صعيد المرأة كصانعة أفلام أو مشاركة في صناعتها وهو موضوع الكتاب الذي أصدره مهرجان أسوان لأفلام المرأة في دورته الرابعة وكان لصورة المرأة في الفيلم السوري موقع هام فيه.

 تعتمد وزارة الثقافة متمثلة بالمؤسسة العامة للسينما في إنتاجاتها الاحترافية على السينما الروائية الطويلة ومتوسطه الطول، بينما لا تعطي اهتماما مماثلا لإنتاج الأفلام الوثائقية، وبحسب أحد الإداريين في المؤسسة العامة للسينما “لا يمكننا القول إن المؤسسة أنتجت أفلاما وثائقية لهذا العام 2019، بالمعنى العلمي للكلمة، إنما تم إنتاج أفلام تسجيلية تتعلق بالأزمة، مثل فيلم عاشق تدمر وفيلم أبطال الحامية للمخرج غسان شميط، بالإضافة إلى فيلم عن مجمع اللغة العربية”.

ركزت إنتاجات المؤسسة العامة للسينما في إنتاجاتها الأخيرة، التي كان معظمها “سينما المؤلف”، على القضايا المتعلقة بالحرب وتداعياتها على المجتمع السوري وخاصة المرأة، ولكنها أولت اهتماما كبيرا بالقضايا التي تربط المرأة بالإرهاب (جبهة النصرة وداعش)، فقدم المخرج جود سعيد فيلمين شارك في تأليفهما، الأول بعنوان “درب السماء” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بالشراكة مع آدامز برودكشن، ودارت قصته الأساسية حول حالات النزوح التي أجبرت عليها بعض العائلات السورية وخاصة في المناطق التي طاردتها الحرب، ولكن كل شخصيات الفيلم النسائية ستعبر بسبب الإرهاب الممارس عليها إلى درب السماء أو بالأصح درب الموت.

التمويل يؤثر غالبا بشكل سلبي على مضمون الفيلم وطريقة سرد القصة ويؤثر بالتالي على الجمهور المستهدف

أما في فيلمه الثاني “نجمة الصبح”، الذي أنتجته مؤسسة السينما، فتدور أحداثه في قرية سورية صغيرة يتعرض سكانها لعملية إرهابية يتم خلالها اختطاف معظم فتيات القرية، وطيلة أحداث الفيلم نتابع ما تتعرض له المخطوفات من إهانة وتعذيب لفظي وجسدي يصل إلى الموت.

ويقدم المخرج باسل الخطيب فيلما من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بعنوان “الاعتراف”، تدور أحداثه أيضا في فلك الإرهاب عبر مرحلتين زمنيتين مختلفتين، الأولى فترة الثمانينات وما عصف بها من أحداث في ظل حركة (الإخوان المسلمين) والفترة الثانية الحالية التي تمر بها سوريا والتي تتميز بعودة الأصوليين والإرهابيين، في إشارة منه إلى تطابق الأحداث ما بين المرحلتين، ويقدم الفيلم نماذج لنساء يعشن تأثيرات وتداعيات الإرهاب على حياتهن، ويعرض طريقة تعاطيهن مع تلك الأزمة التي حلت بسوريا سابقا وحاليا.

كما قدم المخرج سيف الدين سبيعي أولى تجاربه السينمائية بفيلم “يحدث في غيابك” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، حول الإرهاب من خلال قضية اختطاف ولكن بمعالجة مختلفة تماما عما قدمه جود سعيد في فيلمه “نجمه الصبح”، فاختار إعادة تجسيد قصة حقيقية حصلت في مدينة حمص ثالث أكبر المحافظات السورية، حيث يقوم صحافي سوري باختطاف سيدة ليقايض عليها بزوجته وابنه الرضيع المخطوفين لدى جماعات أصولية، ورغم أن قضية الاختطاف وأسبابها باتت تقليدية في ظل الحرب، إلا أن تناولها من هذا الجانب الإنساني وتداعياته على المرأة يبدو جديدا.

كما أنتجت المؤسسة العامة للسينما بالشراكة مع مؤسسة نجدت أنزور فيلما بعنوان “دم النخيل” وهو فيلم لا حضور للمرأة فيه إلا بشكل عابر، لكن المرأة حاضرة فيه ككاتبة وحيدة في العام 2019، لذلك وجب التنويه له.

أما بالنسبة إلى الأفلام الروائية المتوسطة الطول أو القصيرة، فقدم المخرج الشاب يزن نجدت أنزور فيلما من تأليفه بعنوان “جوري”، تدور أحداثه حول فتاة صغيرة تجد نفسها وحيدة بعد أن فقدت جميع أفراد عائلتها في منطقة محاصرة بالجماعات الإرهابية، وقدم المخرج الشاب حازم أيمن زيدان فيلما بعنوان (العين الساحرة) شارك في كتابته، ويتطرق فيه لقضية تتعلق بالمرأة أيضا.

أفلام في الخارج

بين النمطية والثورة
بين النمطية والثورة 

على النقيض من إنتاجات المؤسسة العامة للسينما التي اقتصرت مضامينها على الإرهاب، أتاحت بعض المنح إنتاج أفلام روائية قصيرة تحمل رسائل ومضامين مغايرة، مثل منحة الاتحاد الأوروبي التي قدمها بالشراكة مع منظمتي Search for Common Ground  ومدني السورية، وهما منظمتان مدنيتان تعنيان بقضايا حقوق الإنسان بشكل خاص، قدمت تلك المنح بهدف تمكين المرأة السورية في الدراما والسينما السورية وخاصة في ظل الأحداث الحالية، كما أنتجت أفلام بدعم من مؤسسات إنسانية وقدمت للمخرجين السوريين المقيمين في الخارج (تحديدا أوروبا).

الفرق بين المنحتين أن الأفلام التي نفذت من قبل الاتحاد الأوروبي كانت تشترط عدم الخوض في القضايا السياسية أو الجنسية كأساس لقصة الفيلم، بينما الأفلام المنفذة بدعم من مؤسسة إنسانية لم تخضع لشروط مسبقة، والملاحظ أن معظم نهايات تلك الأفلام تنتصر لقضايا المرأة، بل وأحيانا تقترح حلولا لها، وهي بذلك تختلف كليا عن نهايات الأفلام الروائية السورية المنتجة من قبل المؤسسة العامة للسينما والتي جعلت المرأة ضعيفة وضحية للمجتمع ونهايتها الموت.

ورغم أن الأفلام التي أنتجها الاتحاد الأوروبي تبدو تقليدية ومألوفة وصورة المرأة فيها نمطية ليس فقط بالنسبة للسينما السورية بل أيضا بالنسبة للسينما العربية، إلا أن معالجة تلك الأفلام سينمائيا جاءت مرتبطة بشكل مباشر بالحرب ومخلفاتها، وجاءت الأفلام على النحو التالي فيلم “قتل معلن” تأليف وإخراج واحة الراهب، ويدور حول زواج القاصرات وارتباطه بالظروف الحالية التي يعيشها اللاجئون السوريون في مخيمات اللجوء، شارك الفيلم في عدة مهرجانات منها آرغوس السينمائي الدانمارك.

وفيلم “جدايل” تأليف وإخراج إسماعيل ديركي، ويتطرق لقضية حقيقية تعاني منها المرأة ضمن المناطق الراضخة للجماعات الإرهابية “داعش وجبهة النصرة” في ظل عدم وجود محاكمات قانونية تحميها، إنها قصة من قصص العشرات من النساء السوريات اللواتي قدمن تضحيات جسيمة ومازلن بسبب الحرب.

نجد كذلك فيلم “اليقظة” تأليف وإخراج عمرو علي، الذي يعالج الصورة النمطية للمرأة في ظل ظروف اجتماعية اضطهادية يمارسها الزوج ولا تحترم إنسانيتها، شارك الفيلم في عدة مهرجانات منها مهرجان مكناس الدولي لسينما الشباب ومهرجان مالمو للسينما العربية، وفيلم “سمكة حرة” للمخرج مجد زغير، وتدور أحداثه في قرية سورية حول نظرة المجتمع للمرأة الأرملة الحاضنة في ظل عدم تطبيق القوانين التي تحفظ حقوقها، عرض الفيلم في مهرجانات عربية ودولية.

فيلم (عزيزة) للمخرجة سؤدد كعدان، وهو من نوعية أفلام الكوميديا السوداء ويرصد حياة سيدة سورية في بلد اللجوء، شارك الفيلم في عدة مهرجانات وحصل على جائزة التحكيم من مهرجان ساندانس، والجائزة الفضية من مهرجان شيكاغو السينمائي.

أما من الأفلام القصيرة المنتجة بدعم من مؤسسات إنسانية وتدور حول المرأة، فيأتي فيلم “قلادة” للمخرج الشاب رامي قصاب الذي يرصد الظروف التي تتعرض لها فتاة سورية أثناء رحلتها غير الشرعية لأوروبا برفقة مجموعة من السوريين، عرض الفيلم في عدة مدن ألمانية، كما شارك في مهرجان كاف للفيلم القصير بتونس ومهرجان إسكندرية للفيلم القصير.

 الوصول إلى العالمية

سينما تهتم بالقضايا التي تربط المرأة بالإرهاب
سينما تهتم بالقضايا التي تربط المرأة بالإرهاب

  قدمت شبكات تلفزيونية عالمية تمويلا لدعم بعض الأفلام الوثائقية السورية، نالت اهتماما عالميا، نذكر منها فيلم “من أجل سما” الذي صورته وأخرجته الصحافية وعد الخطيب وساعدت في إنتاجه القناة الرابعة البريطانية مع ادوارد واتس صانع الأفلام البريطاني الحائز سابقا على جائزة أيمي عن فيلمه “الهروب من داعش”، عرض الفيلم في عدة مهرجانات عربية وعالمية، وكانت وعد الخطيب أول مخرجة سورية تفوز بجائزة بافتا لأفضل فيلم وثائقي، كما رشح الفيلم في القائمة القصيرة لجوائز الأوسكار.

أما فيلم المخرج فراس فياض المعنون بـ”الكهف” فقد أنتجته شبكة “ناشيونال جيوغرافيك”، وعرض في عدة مهرجانات عربية وعالمية، كما ترشح في القائمة القصيرة لجوائز الأوسكار عن فئة أفضل فيلم وثائقي.

وتدور أحداث الفيلمين حول المستشفيات الميدانية التي أسست في ظل وضع غير إنساني في المناطق التابعة سيطرتها للمعارضة، ولكن بمعالجتين مختلفتين تماما طبقا للرسائل المراد تمريرها والتي تختلف باختلاف جهات التمويل، في فيلم الكهف يتابع المخرج فراس فياض الأحداث اليومية لطبيبة تعمل في مستشفى ميداني مركزا بشكل واضح على المستشفى والعاملين فيه من أطباء وممرضين، كما يتابع عن كثب بعضا من الحالات المرضية المستعصية، بينما تحاول الصحافية السورية وعد الخطيب أن تسجل يومياتها عبر كاميرتها الشخصية في مدينة حلب المحاصرة، وتقترب إلى حد ما من عمل صديقها الطبيب حمزة الخطيب الذي أسس مستشفى ميدانيا، والذي ستتزوجه المخرجة لاحقا وتنجب منه ابنتها سما الذي عنونت الفيلم باسمها، لكن الفيلم لا يركز على المستشفى بقدر تركيزه على قضية التهجير القصري التي عانتها فئة ليست بالقليلة من السوريين.

وترصد المخرجة زينه قهوجي عبر فيلمها “قفص السكر” يومياتها العائلية التي تعيشها ضمن مدينة دمشق الآمنة نسبيا رغم صوت القذائف وبعض الاعتداءات الصهيونية، ولكنها أيضا كغيرها من السوريات تقع تحت ضغط ظرف اقتصادي ومعيشي صعب جدا بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر الوقود والماء في بعض الأحيان، الفيلم من إنتاج اتجاهات وبوست برودكشن، وعرض في مهرجان “دوك لايبزيغ” في ألمانيا. من الملاحظ أن صورة المرأة في الأفلام الوثائقية الثلاثة السابقة تبدو قوية جدا، سواء كانت تعيش في المناطق الآمنة أو خارجها.

إنتاجات المؤسسة العامة للسينما ركزت في إنتاجاتها الأخيرة على قضايا الحرب وتداعياتها على المجتمع السوري وخاصة المرأة
إنتاجات المؤسسة العامة للسينما ركزت في إنتاجاتها الأخيرة على قضايا الحرب وتداعياتها على المجتمع السوري وخاصة المرأة

أما بالنسبة للأفلام الوثائقية القصيرة، مثل “دومه تحت القصف” الذي صوره وأخرجه تيم السيوفي، وفيلم “لم أر شيئا ..رأيت كل شيء” الذي أخرجه ياسر قصاب، والمنتجان من قبل مؤسسة بدايات، فلم يتعرضا لصورة المرأة بقدر تعرضهما لصورة الحرب كما يراها أصحابها من المخرجين الذين عايش بعضهم يوميات تلك الحرب وسجلها.

وفي حين يحاول فيلم مايا خوري “في الثورة” الذي أنتجته production The Abounaddara Collective تقديم موضوع متعلق بالثورة السورية، يكتفي فيلم “سجون مرئية” للمخرج عروة الأحمد، الذي أنتجته Furat Media –London Leo Production -Paris، بتسجيل شهادات لبعض السوريين في الشتات حول الآثار النفسية التي يعيشونها جراء خروجهم من وطنهم.

تلعب الأفلام السينمائية دورا هاما في نقل الرسائل وحمل المضامين، ويفوق تأثيرها في أحيان كثيرة تأثير وسائل الإعلام التقليدية، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالإنتاج الوثائقي مقارنة بالروائي، ولأنه كذلك فإن إنتاجات بعض الجهات الأجنبية أو العربية الخاصة كالمؤسسات الإنسانية والثقافية وحتى القنوات التلفزيونية تقتصر عليه، ولكن حجم التمويل الذي تقدمه منظمات المجتمع المدني لإنتاج أي فيلم سينمائي وثائقي، يختلف عن المقدم من قبل جهات سينمائية ثقافية أو محطات تلفزيونية سواء كانت إخبارية أو غير إخبارية، وهذا الاختلاف لا يقتصر على الدعم المالي المطلوب بل أيضا على إتاحة فرصة عرض للفيلم لاحقا ضمن محافل ومنابر سينمائية عريقة وكبيرة، وهو أمر يتوقف عنده ويفكر فيه معظم المخرجين السوريين.

كما أن التمويل يؤثر في أحيان كثيرة بشكل سلبي على مضمون الفيلم وطريقة سرد القصة، ويؤثر بالتالي على الجمهور المستهدف، ففي حال كان الفيلم ممولا من جهة بريطانية أو أميركية يكون الجمهور المستهدف أوروبيا وإنجليزيا بالدرجة الأولى، كما تشير وعد الخطيب مخرجة فيلم “من أجل سما” في حوار صحافي لها “الأمر الذي يستدعي أن تتضمن قصة الفيلم تفاصيل أكثر وشرحا أعمق عن الحرب في سوريا ليتمكن المشاهد الأوروبي من التفاعل معها، أما في حال كانت الجهة الممولة محطة إخبارية فعادة ما يطلب الحياد في سرد القصة مما يؤثر على الرواية أو الحاجة لتوجيه أصابع الاتهام لجهة معينة”.

وكما يؤثر التمويل على الفيلم الوثائقي يؤثر أيضا على الفيلم الروائي وخاصة في حال كان التمويل حكوميا، فيؤثر بشكل مباشر على المضمون والرسالة الموجهة والجمهور المستهدف، ولاحقا على إمكانية العرض والتواجد في محافل سينمائية عربية كانت أو أجنبية.

15