أيام قرطاج المسرحية تعود بمشاركة دولية قياسية

قبل أسابيع قليلة من نهاية العام 2021 تعود أيام قرطاج المسرحية في دورتها الثانية والعشرين بعد توقفها العام الماضي بسبب تفشي جائحة فايروس كورونا بتونس. ويقام المهرجان في الفترة الممتدة بين الرابع والثاني عشر من ديسمبر القادم بمشاركة تسع وتسعين مسرحية من ست وعشرين دولة عربية وأفريقية وعالمية، ما يعدّ رقما قياسيا غير مسبوق في تاريخ المهرجان.
تونس - تسجّل الدورة الثانية والعشرون لأيام قرطاج المسرحية المزمع انعقادها في الفترة الممتدة بين الرابع وحتى الثاني عشر من ديسمبر القادم بالعاصمة تونس عرض حوالي مئة مسرحية من ست وعشرين دولة من بينها المغرب والجزائر ومصر والأردن وفلسطين وسوريا والعراق والكويت والسنغال وبوركينا فاسو وغينيا وتونس البلد المنظم.
وتمثّل الدورة وفق القائمين على المهرجان انطلاقة فنية جديدة وعودة الروح إلى الفضاءات المسرحية بشكل خاص، واستئنافا للعروض المسرحية التي ينتظرها المهنيون والجمهور العريض منذ أكثر من عام ونصف العام بعد الركود الفني وتذبذب النشاط الثقافي بشكل عام في تونس بسبب جائحة كورونا التي تسبّبت في تأجيل التظاهرة السنوية الأكبر للمسرح في الوطن العربي وأفريقيا.
تحافظ الأيام في دورتها الثانية والعشرين على مختلف أقسامها من مسابقة رسمية وعروض موازية تونسية وعربية وأفريقية إضافة إلى الانفتاح على مختلف التجارب المسرحية العالمية، مع التمسّك بثوابت الأيام وقيمها التي تتميّز بها في المنطقة والعالم من خلال تقديم برمجة ثرية ومتنوّعة تقوم على تشريك مختلف الفاعلين في المشهد المسرحي التونسي إضافة إلى ضيوف المهرجان من البلدان العربية والأفريقية والعالمية.
وتتنافس على المسابقة الرسمية للمهرجان أربع عشرة مسرحية منها ثلاثة عروض أفريقية وثمانية عربية وثلاثة تونسية اختيرت من بين نحو ثلاثمئة عرض.
بين الماضي والحاضر
كما يسجّل المهرجان حضور ثمانية عشر عرضا عربيا، وخمسة عروض أفريقية وعشرة عروض عالمية خارج المسابقة التي تضمّ ثمانية وثلاثين عرضا من بينها “من الألف إلى الياء” من السنغال، “منظر طبيعي” من الأردن، “حكاية زهرة” من فلسطين و”مكتبة الخلود” من تركيا.
فيما يضمّ قسم مسرح الحرية أربعة عشر عرضا، وثلاثة عروض في قسم تعبيرات مسرحية من المهجر، أما قسم مسرح الهواية وإنتاجات دور الثقافة فيشمل عشرة عروض ويحضر مسرح الطفل بستة عشر عرضا.
وللمرّة الأولى، ستكون تونس ممثلة بثلاثة أعمال مسرحية ضمن المسابقة الرسمية، وهي “منطق الطير” لنوفل عزارة و”آخر مرّة” لوفاء الطبوبي و”كابوس آينشتاين” لأنور الشعافي.
وتدور أحداث “منطق الطير” وفق القصة الأصلية لكاتبها الفارسي فريدالدين العطار حول رحلة مجموعة من الطيور بحثا عن طائر “السيمرغ” الذي يرمز إلى الخلود والكمال والجمال والسلطان.
واختارت الطيور الهدهد ليكون قائدها ومرشدها في الطريق إلى السيمرغ، فتمرّ أثناء الرحلة بالعديد من العوائق والمشقات، طارحة أسئلة وجودية محيّرة، وفي كلّ مرّة يتدخّل الهدهد لحثّها على السير والمضي في رحلة البحث عن المعنى التي تستوجب المرور تباعا من أودية الطلب فالعشق فالمعرفة فالاستغناء فالتوحيد ثم الحيرة وأخيرا الفناء والبقاء.

وتموت في هذه الرحلة العديد من الطيور، ولا يصل إلى النهاية إلاّ ثلاثون منها لتكتشف أن طائر السيمرغ الخالد ما هو إلاّ انعكاس لصورها.
وتحمل أحداث مسرحية “منطق الطير” التي يجسّد أدوار البطولة فيها كلّ من أحمد الدريدي وسفيان بوعجيلة وإسكندر براهم وآمال العيوني وثريا بوغانمي في مضمونها تلميحا للواقع التونسي الحالي، وهو واقع يشبه ترحال الطيور التي تبحث عن سلطان دائم وخالد.
فالواقع التونسي بات ما بعد الرابع عشر من يناير 2011 متشرذما، وكأنه رحلة في الانقسام والتشتّت الحزبي والأيديولوجي، حيث ما زالت الثورة تبحث عن معناها وعن تحقيق أهدافها وسط هذه الانقسامات السياسية والصراعات الأيديولوجية الطاحنة.
أما مسرحية “آخر مرّة” فتدور أحداثها حول امرأة ورجل (ريم بن حميدة وأسامة كشكار) يعيشان صراعا أبديا ناجما عن حالات العزلة والخوف والشكّ، رغم التواصل الحاصل بينهما ظاهريا.
وتطرح وفاء الطبوبي من خلال المسرحية مجموعة من القضايا التونسية الراهنة والحارقة، أبرزها العنف المسلّط على المرأة في البيت وفي العمل وفي الأماكن العمومية، رغم دورها الفاعل في المجتمع ورغم ريادتها العربية على مستوى الحقوق، إلاّ أنها لم تحظ بالمساواة الفعلية مع الرجل الذي ما زلت تطغى عليه نزعته الذكورية.
في حين تطرح مسرحية “كابوس آينشتاين” المقتبسة عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب التونسي كمال العيادي قضية الزمن والتحوّلات التي يعيشها الإنسان المُعولم في انتقال رشيق بين كاليفورنيا وبين مضارب الخيام العربية، وذلك عبر شخصيات من الزمن الحديث كآينشتاين ومارلين مونرو وأخرى من العصر الجاهلي كعلقمة وحُباب، وهو جمع طريف بين حضارتين وتاريخين متباعدين يُبرزان دون شك أنهم وأننا أيضا، جميعنا ضحايا التقدّم العلمي الذي أصبحت فيه العلوم لهوا باطلا.
والمسرحية التي يُؤدّي الأدوار فيها كلّ من البشير الغرياني وعلي بن سعيد وياسين الفطناسي والمنصف العجنقي ولطفي ناجح وآمال العويني وكمال زهيو وآدم الجبالي وأسامة الشيخاوي تنتقد بسخرية جادة مصير الإنسان وسط التنامي التسونامي للتكنولوجيا وسيطرتها على دقائق الحياة المُعاصرة.
وتتسابق الأعمال التونسية مع نظيرتها العربية والأفريقية على جوائز أفضل عمل متكامل، وقيمته خمسة وعشرون ألف دينار تونسي (حوالي تسعة آلاف دولار أميركي)، وكذلك على جوائز أفضل نص وأفضل سينوغرافيا وأفضل إخراج وأفضل ممثل وممثلة.
وتتشكّل لجنة التحكيم برئاسة التونسي معز مرابط، وتضمّ في عضويتها كلّا من اللبنانية لينا أبيض والمصري سامح مهران والمغربي خالد أمين وكنجني ألامدجردو من التوغو.
وعن عودة انعقاد الأيام بعد أن تمّ تأجيلها خلال السنة الماضية بسبب تفشي وباء كورونا تقول مديرة المهرجان نصاف بن حفصية “التظاهرة تعود كفعل مقاومة متجذّرة في الهوية التونسية العربية والأفريقية، وللقاء التفاعلي عبر ورشات التدريب والندوات التي تبحث في واقع الفنون في زمن الأزمات”.
وأكّدت بن حفصية أن الأيام حافظت في دورتها الجديدة على هويتها العربية والأفريقية التي بُعثت من أجلها سنة 1983، كما حافظت على المسابقة الخاصة بالأعمال المسرحية المحترفة التونسية والعربية والأفريقية التي تمّ إنتاجها خلال سنتيْ 2020 و2021.
ضيوف وتكريمات
تحلّ مصر ضيف شرف على الدورة الجديدة، وقد تمّ اختيارها تماشيا مع سياسة الدولتيْن التونسية والمصرية في إعلان 2021 سنة التبادل الثقافي بينهما.
وتكرّم الدورة ثلّة من المبدعين التونسيين، وهم سعيدة الحامي وعبدالغني بن طارة وفاتحة المهداوي وجمال مداني والأسعد بن عبدالله، ومن العالم العربي والقارة الأفريقية كلّا من الأردنية أمل دباس والمصري أحمد فؤاد سليم والجزائرية فضيلة حشماوي وفلوريس أدجنهوم من البنين وجان سيبي أكومو من كينيا.
فيما يحضر كلّ من الفنانين المصريين أحمد بدير وسميحة أيوب ضيفين على الدورة، حيث سيتم تنظيم احتفال تكريمي لهما في العاشر من ديسمبر القادم.

كما يكرّم المهرجان في دورته الجديدة فرقة مدينة تونس للمسرح التي تعتبر من أعرق الفرق المسرحية في البلاد، وواحدة من أعرق فرق المسرح في الوطن العربي، وهو تكريم قالت عنه بن حفصية إنه “احتفاء بأجيال من المسرح التونسي الذين مرّوا بالفرقة من كُتاب ومخرجين وتقنيين”.
وتحتفي الأيام أيضا في دورتها الجديدة بالمخرج والكاتب التونسي نورالدين الورغي والممثلة العراقية عواطف نعيم.
ويحلّ المسرحي الكندي ميشيل كورتمانش صاحب التجربة الطويلة في العروض الأدائية وعروض المايم والملقب بـ”صاحب الوجه المطاطي” لبراعته في الاعتماد على عضلات الوجه لتغيير الشخصيات والانتقال من حالة إلى أخرى، ضيفا خاصا على المهرجان، حيث يقدّم ورش تدريب للمتخصّصين.
وتبحث الندوة الكبرى للدورة الثانية والعشرين لأيام قرطاج المسرحية في محور “المسرح في زمن المخاطر”. وسيتطرّق المشاركون فيها إلى “المسرح وآليات التعامل الظرفية والدائمة مع الأزمات والطوارئ والمخاطر” و”المقاربات النظرية للمخاطر ومدى تطويعها لخصوصيات المسرح” و”المعالجة المسرحية كتابة وإخراجا وتقنيّا لموضوعات المخاطر والجوائح والكوارث بأصنافها” و”تأثيرات المخاطر على علاقة المسرح بالسلطة” بالإضافة إلى “الممارسة المسرحية مقاربة وإنتاجا والسلوكات ذات المخاطر”.
ويعتبر مهرجان أيام قرطاج المسرحية الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الثقافية التونسية، من أعرق المهرجانات المسرحية عربيا وأفريقيا، وهو الذي تأسّس في العام 1983 على يديْ المسرحي التونسي الراحل المنصف السويسي، وكان ينظم كل سنتين بالتناوب مع أيام قرطاج السينمائية قبل أن يصبح موعدا سنويا لعشاق المسرح. وهو يسلّط الضوء بشكل خاص على المسرح الأفريقي والعربي إلى جانب تقديمه لعروض أخرى من مختلف قارات العالم.
وإضافة إلى المسرحيات المشاركة في المسابقة الرسمية والأعمال التي تعرض خارج إطار المسابقة استحدث المهرجان منذ سنتين تجربة مسرح السجون تحت مسمّى “خارج القضبان”، حيث يقوم مسرحيون بالعمل مع السجناء لتقديم أعمال مسرحية في القاعات، وقد لاقت التجربة استحسانا كبيرا وترحيبا واسعا.
كما تشمل الأيام تظاهرة موازية بعنوان “أيام قرطاج للمسرح المدرسي” التي تقدّم مسرحيات مدرسية تكون مفتوحة أمام الجمهور من مختلف الشرائح العمرية.