أياد تصنع العقول

عندما أصبت بمُتلازمة النفق الرسغي جعلني ذلك أفكر كثيرا في قيمة يدي التي ظلت حركاتها محسوبة ومحدودة لفترة. لم يكن بإمكاني حمل ابنتي وفي بعض أيامي السيئة جدا لا تقوى يدي حتى على فتح قارورة ماء.
خُيل لي أني أشبه بطلة قصة ألمانية قديمة تروي حكاية فتاة فقدت ذراعيها بسبب أنانية بعضهم، تتجول في الغابة وتتشبه بالحيوانات في البرية، تأكل كما يفعلون تصل إلى الطعام بأسنانها فقط. وأفكر كيف يمكنني أن أفعل مثلها.
لا شك أن أيدينا هي ما جعل عقولنا ما هي عليه الآن. إن أيدينا هي ما يفضلنا عن بقية الأنواع الحيوانية. بعبارة أخرى، نظرًا لأن أيدينا اكتسبت بمر الوقت مهارة كبيرة في صنع الأدوات والملابس، ثم برعت في الجمال والزينة والكتابة، بدأت عقولنا في صنع قصصها الخاصة أيضًا.
شاهدت ابنتي تتقن تدريجياً استخدام يديها. عندما كانت رضيعة، تحاول الإمساك بإصبعي ثم العثور على فمها. الآن يمكنها التلاعب بقطع الألغاز ورسم الحروف والدوائر بقلم تلوين. بدا لي كأننا نسير في نفس المسار في اتجاهين متعاكسين.
لكن دون أيدينا، هل تبدأ عقولنا في تغيير الطريقة التي نختبر بها العالم؟ ماذا يمكن أن يتغير في داخلنا دون أيدينا؟
ظاهريًا، لا تبدو أيدينا مختلفة كثيرا عن أيدي الشمبانزي. ولكن تحت الهيكل الخارجي، فإن أيدينا مغطاة بشبكة أعصاب فريدة تمامًا. إن الجمع بين المرونة والقوة والدقة في قبضتنا وكفينا وساعدينا وأطراف أصابعنا أمر معقد للغاية لدرجة أنه حرض على إجراء إصلاح شامل لجزء كبير من أدمغتنا. كان على الجهاز العصبي أن يتغير بشكل كبير من أجل الاستجابة لكل حركة يد.
في السنوات الأخيرة تقلصت استخدامات أيدينا حتى باتت تدور في مجملها حول الشاشات ولوحات المفاتيح، بعدما حلت آلات تصنع كل شيء محل الأيادي البشرية.
لم يعد البشر بحاجة اليوم إلى نسج سلالهم الخاصة أو خياطة سراويلهم بأنفسهم أو ربط أقواسهم والذهاب للحصول على طعامهم.
نحتاج بشدة إلى الاستمرار في المهام اليدوية التي أتقنتها أيدينا منذ زمن بعيد، على الأقل لأجل سلامتنا العقلية.
بغض النظر عن عملنا اليومي سنربح الكثير إذا أبقينا أصابعنا مشغولة بالقصائد والرسومات وأوتار الآلات ومقابض البستنة.
نمت يدا الفتاة مرة أخرى في آخر القصة مثل سيقان زهرة الربيع المسائية، في الأثناء تتماثل يديا للشفاء أيضا كل يوم وهي فرصة للتفكير في قيمة أيدينا وصنع الجمال.