أنقرة تعيد تدوير ورقة الهجرة لابتزاز الاتحاد الأوروبي

يلجأ النظام التركي في كل مرة تصطدم فيها أجنداته بانتقاد أو رفض أوروبي إلى إعادة تدوير ورقة الهجرة واللاجئين لتحصيل مكاسب سياسية وكبح أي اجراءات عقابية تجاهه، وهو ما نجح فيه في مناسبات عدة، ما يضع الاتحاد الأوروبي أمام معادلة صعبة، فالاكتفاء بالتحذير لم يعد يكبح اندفاعة أنقرة، أما معاقبتها فقد تعود بالوبال عليهم جميعا.
أنقرة - عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى لعب ورقة اللاجئين في ابتزاز الاتحاد الأوروبي وإجهاض مساعيه لضبط استراتيجية موحدة في مواجهة الاستفزازات التركية شرق المتوسط، وسط تجدد التوتر بين أنقرة وأثينا بشأن حقوق التنقيب عن الغاز الطبيعي في المنطقة.
ودعا أردوغان، الإثنين، الاتحاد الأوروبي إلى الوفاء بمسؤولياته بشأن اتفاق الهجرة المبرم في 2016، في خطوة اعتبرها دبلوماسيون غربيون ابتزازية خاصة وأنها تتزامن مع خرق أنقرة لتعهداتها بالتهدئة في شرق المتوسط ومعاودة إرسال سفينة للتنقيب عن الغاز في قرار أحادي حذر الاتحاد الأوروبي من عواقبه.
ويعول الرئيس التركي في كل مرة يضيق فيها هامش المناورة لديه ويصعد جيرانه الأوروبيون في حدة لهجتهم تجاهه، على هذه الورقة التي تقسم الأوروبيين وتثير مخاوفهم في آن واحد، لإجهاض أي خطوات عقابية.
ويستوجب اتخاذ قرار ردعي ملموس بشأن السلوك التركي في المتوسط إجماع الأعضاء الـ27، فيما تتوجس ألمانيا كما اليونان من أن يدفع هذا الاتجاه إلى موجة لاجئين مماثلة لتلك التي وقعت في 2015، ما يعرض أمن دول التكتل إلى الخطر والاضطرابات.
وتسعى ألمانيا لتفادي هذا السيناريو الذي قد يعمق الانقسام الأوروبي بشأن أكثر الملفات حساسية على الإطلاق.
وتنظر برلين بجدية بالغة إلى هذا التهديد، فالمستشارة أنجيلا ميركل عازمة على تفادي أزمة مهاجرين جديدة خلال توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي لنصف السنة الجاري.
وأدى إعلان تركيا في مطلع العام فتح حدودها مع اليونان إلى تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين، بعدما رفض الاتحاد الأوروبي دعم سياسات أنقرة في سوريا وهدد بفرض عقوبات عليها.
وعبر مئات الألوف من المهاجرين الحدود إلى أوروبا من تركيا عبر اليونان في 2015 و2016 قبل إبرام اتفاق توسط فيه الاتحاد الأوروبي للحد من تدفقهم، لكن أعداد الوافدين الجدد ارتفعت منذ سبتمبر 2019.
وبحسب أرقام المفوضية العليا للمهاجرين، وصل أكثر من 46 ألف مهاجر إلى اليونان عام 2019، ما يزيد عن عدد الوافدين إلى إسبانيا وإيطاليا ومالطا وقبرص معا.
وحتى إن كان هذا الرقم لا يقارن بمليون لاجئ وصلوا إلى أراضيها عام 2015، فإن تزايد الأعداد يعيد طرح مسألة استقبال اللاجئين في اليونان، ولاسيما مع اكتظاظ المخيمات التي أقيمت لاستقبالهم في جزر بحر إيجه، ما يجعلها عاجزة عن استقبال موجة جديدة من المهاجرين قد تتأتى عن الوضع المتأزم في شرق المتوسط.
وتندد تركيا في كل مرة يعترض فيها الاتحاد الأوروبي على سياساتها التوسعية في سوريا أو في شرق المتوسط خصوصا بعدم وفاء الاتحاد الأوروبي بوعوده، معتبرة أنه عاجز عن الالتزام باتفاق تم التوصل إليه عام 2016 ونص على إعفاء الأتراك من تأشيرات الدخول الأوروبية لقاء ضبط أنقرة حركة الهجرة.
ووجه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في وقت سابق تحذيرا إلى مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قائلا إنه “إذا لم يتم تحقيق تقدم في المحادثات فإن تركيا ستستمر بعدم وقف الراغبين بالتوجه” إلى أوروبا.
واستقبلت تركيا 3.5 مليون لاجئ سوري، وأنفق الاتحاد الأوروبي ثلاثة مليارات يورو لمساعدتهم في إطار اتفاق يعود للعام 2016 للحد من الهجرة إلى أوروبا، لكن تركيا تقول إن التكتل لا يفي بعهوده.
وكان اتفاق عام 2016 بين أنقرة والاتحاد الأوروبي ينص على أن توقف أنقرة تدفق المهاجرين مقابل مساعدات مالية قيمتها 6 مليارات يورو.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهر فيها تركيا سلاح اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، حيث لوحت العام الماضي بالسماح لهؤلاء بالمرور نحو أوروبا في محاولة لكسب تأييد الاتحاد الأوروبي لعملية عسكرية أطلقتها شمال سوريا.
ويرى متابعون أن الاستثمار التركي في ملف الهجرة بالتزامن مع سلوكياته المزعزعة لاستقرار وأمن المنطقة في كل مرة، يضع الاتحاد الأوروبي أمام تحدي اتخاذ خطوات عملية وبلورة استراتيجية موحدة لكيفية التعامل مع هذا المعطى الذي بات يكبل الدول الأوروبية ويجعلها تتخذ موقف المتفرج مما يحدث في مياهها الإقليمية مكتفية ببيانات تهديد ووعيد لم تعد أنقرة تأخذها على محمل الجد.
ويتزامن التلويح التركي بملف الهجرة مع انحسار آمال التهدئة في شرق المتوسط الاثنين، بعد أن نقضت أنقرة تعهداتها بإيقاف عمليات استكشاف الغاز الطبيعي وعاودت إرسال سفنها إلى المنطقة التي تطالب بها اليونان وتقول إنها تقع ضمن مياهها الإقليمية.
ويستعد الاتحاد الأوروبي أواخر الأسبوع الجاري لعقد قمة للنظر في الاستفزازات التركية وكيفية التعامل معها، بعد أن ابتعد في قمة سابقة عن اتخاذ قرار بفرض عقوبات على أنقرة فاسحا المجال للمفاوضات والتسوية السلمية.
ويجد التكتل الأوروبي نفسه في قمته المرتقبة رهين نفس ديناميات التعامل مع التصعيد التركي الجديد، ما يطرح تساؤلات بشأن القرارات الممكن اتخاذها، في وقت يتوقع محللون أن لا تتجاوز الدول الأعضاء انقساماتها بشأن الاستراتيجية التي يجب اتباعها في مواجهة تعنت أنقرة.