أفكار مُجردة لم تتشكل بعد أسئلتها المتفجرة

الفنان اللبناني حاتم إمام يقدم معرضا تجهيزيا في اتساق حميمي مع قاعة العرض.
الجمعة 2019/01/04
أعمال فنية لا تريد منا شيئا
 

قدمت صالة “ليتيسيا” البيروتية، بتنسيق من أماندا أبي خليل، الفنان اللبناني حاتم إمام في أول معرض فردي له في لبنان حمل عنوان “عتبة”، وذلك بعد أن شارك في العديد من المعارض الفنية خارج وطنه.

بيروت - ساهم الكتيب الذي وزعته صالة “ليتيسيا” بالعاصمة اللبنانية بيروت على زوار معرض الفنان اللبناني حاتم إمام والمعنون بـ”عتبة” في توضيح أفكاره المطروحة، إلى جانب إدراجها لنص مختار للباحث في مادة اللغة الإنكليزية وتاريخ الفن وليام جون توماس ميتشل الذي كان له تأثير كبير في أفكار الفنان، ولعل من أهم ما كتب ميتشل هو مجموعة نصوص عنونها بـ”ماذا تريد الصور؟”.

حاول الفنان حاتم إمام في معرضه الفردي أن يطرح بصريا شيئا من هذا السؤال وأن يعطي الأهمية الكبرى إلى تشكيل الحدود الفاصلة ما بين فضاءات صنعها خصيصا لكي تكون ضمن صالة “ليتيسيا” وسيلة من وسائل استيعاب معنى الحدود الجغرافية والسياسية والنفسية والاجتماعية التي تعمها اليوم الفوضى، وهي بالرغم من ذلك تتجلى بتأثيرها الدامغ على حياة الإنسان المعاصر وعلى طريقة تفكيره.

لكن العون الذي يقدمه الكُتيب/ الكتالوغ في استيعاب مرافق المعرض والأفكار المطروحة، ليس كفيلا بتسليط الضوء على الآلية البصرية التي استخدمها الفنان في ترجمة أفكاره المتعلقة بمفهوم التأطير والعلاقة بين ما هو خارج الإطار وداخله، وأهمية وجهة النظر القادرة على تبديل معنى الرؤية والمشهد المنظور على حد السواء.

ما أراد طرحه إمام في معرضه، قد يكون مناسبا لمقالة عميقة أو بداية لدراسة نظرية أكثر من كونه معرضا فنيا

 وفي تمهيده لفكرة المعرض، قال الفنان حاتم إمام “على نحو مماثل لفتحة عدسة الكاميرا، أو نافذة تشرف على منظرٍ ما، إنّ مساحة صالة العرض ليست إلّا إطار من صُنع إنسان، نرى من خلاله العالم أو ذاك الجزء من العالم الذي نعتبره جديرا بأن يُرى”.

غير أن الفنان ربما سقط، في معرضه هذا، في فخ التنظير الفلسفي وما جرى على تسميته بالفن المفاهيمي الذي لم يكن في الكثير من المعارض بصريا كفاية ليكون فنا بأي معنى من معاني الفن، لكن ذلك لا يقلل من قيمة تجربته الفنية البتة بقدر ما يشير إلى صعوبة المخاطر التي تتربص به مُستقبلا كفنان اختار الفن التجهيزي كأسلوب في التعبير.

وقد يكون أكثر ما شغل تفكير زائر المعرض أن ما أراد طرحه الفنان قد يكون مناسبا لمقالة عميقة أو بداية لدراسة نظرية أكثر من كونه معرضا فنيا، كان لا بد أن تلعب بصرياته دورا أساسيا في تحفيز بصر المُشاهد أو على الأقل إثارة الذائقة الفنية لديه وذلك مهما كان قائما على أفكار مُجردة.

الفن التجهيزي كأسلوب في التعبيرؤ
الفن التجهيزي كأسلوب في التعبير

تبقى أفكار الفنان حاتم إمام معلقة كما عُلقت أعماله الشاحبة التي تصد نظر الناظر إليها من سقف الصالة وهو يتجول بينها، ويعبر منها وإليها، خلفها وأمامها محاولا التقاط المعنى المفتوح الذي أراد الفنان اللبناني التعبير عنه من خلال منطق التأطير الذي انكب على تنفيذه بدراسة واضحة لجغرافيا الصالة دخولا وخروجا إليها وما بداخلها من متدليات مربعة ومستطيلة وواحدة مستديرة عكف على تزويد الصالة بها، وأراد منها أن تقيم وزنا للتأطير بمعناه المُطلق، ولكنها لم تستجب له.

بعض الأعمال مركّزة على الأرض وهي ذات أسطح مُجرحة أو هي مغلفة بطبقات لها مقاسات مختلفة ومصنوعة من مواد مختلفة، نذكر منها: الحجر الخام والمعدن والورق والبلاستيك.

المعرض هو على “أرض واقع” الصالة، إذا صح التعبير، عبارة عن سلسلة من اللوحات المعدنية والمطبوعات من أحجام مختلفة استخدم في تنفيذها إمام تقنيات نقش ونمط أحادي لا تحرك في ذهن الزائر شيئا إلاّ ربما برودته تجاهها.

لا يزال الفنان في بداية مسيرته الفنية وقد يصل بموهبته إلى أن يشيد جسرا بين ما هو بصري وفكري، وهكذا سيتمكن بجرأة ونجاح أكبر من أن يطرح أسئلة شائكة وأفكارا مُقلقة كتلك التي أراد معالجتها أو عرضها من خلال الفن في صالة “ليتيسيا” الفنية، حينها فقط سيستطيع سبر ونقل أغوار الصور والمشاهد المؤطرة بشكل من الأشكال وإن أراد أيضا مُضاعفة الأسئلة المتفجرة الشبيهة بهذا السؤال “ماذا تريد الصور؟”.

17