أفكار مستهلكة تنفر الجمهور المصري من برامج المقالب

بعد أن استحوذت في السنوات الماضية على أعلى نسب المشاهدة بالإضحاك المفبرك ومشاركات النجوم، شهدت برامج المقالب هذا العام نكسة غير مسبوقة، دفعت بالجمهور إلى البحث عن محتوى كوميدي يقنعه ويرفه عنه بعيدا عن التصنّع والألفاظ التي تدور في فلك السب والشتم، وهي نقاط ضعف أدركها الجمهور فيما تغافلت عنها الشركات المنتجة لبرامج المقالب فخالفت ضوابط الكاميرا الخفية وخسرت نسب المتابعة.
القاهرة - عكست ردود الفعل الجماهيرية السلبية بعد إذاعة عدد من حلقات البرامج الترفيهية والمقالب في موسم رمضان الجاري، تراجع نسب مشاهداتها في مصر إلى حد غير مسبوق، بعدما كانت تحتل مرتبة متقدمة في معدلات المتابعة السنوات الماضية، حيث خفت بريقها وأصبحت تتذيل اهتمامات شريحة كبيرة من المشاهدين، وسحبت بعض المسلسلات الكوميدية البساط من تحت أقدامها.
ويقول النقاد إن الجزء السادس من مسلسل “الكبير أوي” بطولة الفنان أحمد مكي ويعرض في التوقيت عرض برنامج المقالب الشهير “رامز موفي ستار” ويقدمه الفنان المصري رامز جلال يحظى بمتابعة كبيرة أفقدت الثاني بريقه المعتاد، وبدت معالم هذه المقارنة واضحة وجاءت لصالح “الكبير” من خلال حجم التفاعل معه على مواقع التواصل الاجتماعي، والتعليقات التي تصاحب المواقف الكوميدية التي تقدم في كل حلقة.
وظلت برامج الخدع والمعروفة بالمقالب مادة خصبة للسجال بين الجمهور على شبكات التواصل، ففور انتهاء عرض المقلب على شاشة التلفزيون تكون هناك ردود فعل متباينة بين شريحة تبدي إعجابها أو تعرب عن سعادتها بما حدث في الضيف أثناء المقلب، وأخرى تتحفظ على أداء مقدم البرنامج ومضمونه أو الضحية.
وعكس هذا الحراك وجود نسب مشاهدة في الحالتين، لكن ما يجري في الموسم الحالي لا يرقى إلى مستوى الجدل والخلاف، وهناك ما يشبه التجاهل من قبل شريحة من المشاهدين لما تتضمنه برامج المقالب، وباتت متابعتها قليلة، وكشف العزوف في صفوف هواة هذه النوعية من البرامج عن أزمة تعيشها، إما أن تؤدي إلى وقف بعضها أو تفرض إعادة التفكير في أنماط جديدة منها.
وبدت أغلب برامج المقالب كأنها تدور في فلك واحد لا يتغير، نفس الأسلوب والفكرة والسيناريو وهدفها الضحك للضحك، مع تغير طفيف في المكان والضيوف، ما جعلها غير قادرة على استمرار لفت الانتباه إليها، وصارت هناك حالة من غياب المصداقية في مثل هذه البرامج، خاصة أن الحديث مع الضيوف يبدو مصطنعا وفاقدا للتلقائية.
البحث عن الاستسهال
ما ساعد على زيادة عزوف الجمهور عن برامج المقالب أن بعضا من الضيوف الذين ظهروا السنوات الأخيرة لم ينكروا أنهم كانوا على علم مسبق بتفاصيلها، أو أجزاء منها على الأقل، أي أنهم لم يشعروا بتعرضهم لمقلب حقيقي، وتعاطوا معه بشكل تمثيلي وتجسيد مشاهد الصراخ للإيحاء بأن الموقف الذي تعرضوا له كان مفاجئا.
وتتنوع برامج المقالب على الشاشات المصرية بين ما هو كوميدي خفيف أو يعتمد على الصدمة، وأخرى تركز على العنف وبث الرعب في نفوس الضيوف، لكن جميعها نسخ مكررة بدرجات متفاوتة نسبيا، فهي تحمل شكلا ومضمونا متشابها، ما اعتبره مشاهدون نوعا من الإفلاس الفني والبحث عن النجاح السهل عبر الاستخفاف بعقولهم وجذبهم نحو سيناريوهات هابطة، وظهرت معالم ذلك في غالبية البرامج هذا العام.
تقوم فكرة برنامج “نجوم في السماء” المذاع على قناة “دي.أم.سي” على خوض عدد كبير من النجوم مغامرة القفز من الطائرة على مسافة تصل إلى 14 ألف قدم، وهو من نوعية البرامج الترفيهية الخفيفة التي يكون الضيف على علم بما سيحدث، في محاولة للخروج من نموذج المقالب التقليدية، واستقطاب الجمهور بسيناريو جذاب قائم على المغامرة.

طارق الشناوي: برامج المقالب تخالف الخطوط العريضة لفن الكاميرا الخفية
في كل حلقة يكتشف البرنامج مكانا جديدا في مصر، وهذه أول مرة يتم فيها تقديم برنامج “سكاي دايفينغ” من مكان مختلف يوميا، حيث جرى التصوير في مناطق مختلفة، مثل: الأهرامات وسقارة والفيوم ومدينة الجلالة والعلمين الجديدة والنوبة والأقصر وشرم الشيخ وطابا ونويبع وبورسعيد والإسماعيلية والسويس والغردقة والمنصورة ودمياط.
من ناحية أخرى، أخفق برنامج “كريزي تاكسي” في موسمه الثالث على التوالي، في جذب التغيير من الأسلوب والطريقة بشكل يغري الجمهور للمشاهدة، حيث يكرر الفنان إبراهيم السمان نفس المضمون في المقلب الذي تدور فكرته حول ركوب أحد الأشخاص بشكل عشوائي في التاكسي ويكون السائق هو نفسه إبراهيم السمان، ويظهر متخفيا ويقوم بخداع الزبائن بأكثر من وضعية.
وكعادته كل سنة، منذ دخوله عالم المقالب قبل 11 عاما، يسير الفنان رامز جلال على نفس المنوال، حيث يقدم هذه السنة برنامج “رامز موفي ستار” بالتعاون مع الممثل العالمي جان كلود فان دام على قناة “أم.بي.سي- مصر”، وتوظيفه في استقطاب الضيوف بدعوى أن هناك فيلما عالميا بطولة فان دام ويتم تصويره في السعودية وأن الممثلين من نجوم الفن سيظهرون ضمن الأحداث كضيوف شرف، بينما نجوم الرياضة سيشاركون في إعلان ترويجي.
وعقب استقبال فان دام للضيف تبدأ مشاهد العنف والرعب التي يقوم بها رامز جلال، في تكرار السيناريو والطريقة التي اعتاد عليها منذ سنوات وينتهي الموقف برفعه القناع الذي ارتداه ليخفي ملامح وجهه ويعرب الضيف عن صدمته من تعرضه لمقلب، وتنتهي الحلقة بضحكات مفتعلة.
كما أن برنامج “الصدمة” الذي يقدمه الفنان والإعلامي المصري كريم كوجاك للمرة الثانية على التوالي لا يزال يكرر نفس الفكرة التي تقوم على اختبار ردة فعل الجمهور تجاه موقف إنساني معين، بإهانة طفل أو عجوز مثلا، وكما كان البعد الإنساني سببا في نجاحه الأول، فقد أصبح عبئا في الموسك الحالي لأنه لم يتضمن تطويرا.
جماهيرية مفقودة
قال الناقد الفني طارق الشناوي أن برامج المقالب اعتمدت على جماهيرية السنوات الماضية من دون أن تفكر في آفاق أبعد، ولم يدرك القائمون عليها أن المشاهد يبحث عن التغيير طوال الوقت، ويمل من التكرار وغياب الكوميديا في المقلب، ويصعب التعويل على الرصيد لاستمرار الشعبية لأي برنامج، فهي ليست شيكا على بياض.
وأضاف لـ”العرب” أن الكثير من برامج المقالب خالفت الخطوط العريضة لفن الكاميرا الخفية الذي برع فيه الفنان إبراهيم نصر، وابتعدت عن الكوميديا واستبدلتها بالمواقف المرعبة والجمهور لا يمكن أن ينجذب إلى برنامج ترفيهي يفتقد الفكرة أو يستمر على نفس المنوال لأكثر من موسم، لكن من الصعوبة الحفاظ على النتيجة مع تكرار الأخطاء.
وكان برنامج “الكاميرا الخفية” يعتمد إضحاك الناس من خلال تغيير الفكرة كل حلقة، وهو نفس المعمول به في أغلب بلدان العالم لذلك انجذب إليه المشاهدون وهم متشوقون لكل جديد، لكن مشكلة برامج المقالب في الوقت الراهن، وفي مقدمتها برنامج رامز جلال، أنها تقوم على تجديد لون شعره وملامحه وأماكن التصوير بلا تطوير للفكرة.
أغلب برامج المقالب بدت كأنها تدور في فلك واحد لا يتغير، نفس الأسلوب والفكرة والسيناريو وهدفها الضحك للضحك
ويرى متابعون لهذه البرامج أن الجمهور ليس ساذجا ليستمر في متابعة مقالب مصطنعة اعتاد عليها أكثر من موسم، ثم إن الضغط النفسي الذي تتعرض له الضحية ينتقل بالتبعية إلى المشاهد نفسه، بالتالي لا تصل الفكرة ولا تحقق الهدف منها، والطبيعي أن يزداد العزوف عن متابعة قوالب تمثيلية غير جاذبة تفتقد الحدّ الأدنى من التشويق.
ويؤكد بعض من النقاد أن المجتمع المصري كأي مجتمع يواجه مشكلات وضغوط وبحاجة ملحة إلى جرعات ترفيهية تعيد إليه الابتسامة التي غابت جراء الأزمات المتلاحقة، لكن لن يقبل ببرامج مملة وساذجة تعوضه عن الضغط النفسي بضغط نفسي آخر، لذلك يبحث عن كوميديا راقية تقدم له ترفيها كامل الدسم.
ودعم طارق الشناوي هذا الرأي بتأكيده على أن لكل برنامج مقالب فكرة وعمرا افتراضيا مهما كانت شعبية الفنان، والتكرار والنمطية يكرسان العزوف الجماهيري، والتقليدية في حد ذاتها تقتل النجاح، والناس تعادي كل عمل فني يصيبها بالملل، ومن الطبيعي أن يكون هناك تغيير لاستعادة الجمهور مرة أخرى لهذه النوعية من البرامج.
ويدرك صناع هذه البرامج أن قبول الجمهور بالخدعة لا يمكن استمراره لسنوات، ففقدان المصداقية يصعب ترميمه مهما تغير السيناريو والأسلوب، ولو جرت الاستعانة بضيوف من أبرز النجوم، فالأداء المفتعل يؤدي إلى القطيعة طالما اختفى الدور الترفيهي الذي يفترض أن يقوم به البرنامج، وهو ما يجعل النتيجة مخيبة للآمال.