أفريقيا غير المحصنة ساحة انطلاقة جديدة للجماعات المتطرفة

الجماعات المسلحة تجد في مناطق القرن الأفريقي ملاذا لتنفيذ أجنداتها.
الأربعاء 2020/01/08
الجماعات المتطرفة تعربد في الشوارع

يبدو أن الإرهاب الذي تمت مكافحته بمختلف الأسلحة في سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا، يجد اليوم ملاذا آمنا أخيرا له، يسعى من خلاله إلى بعث روح جديدة للتنظيمات الجهادية على غرار داعش والقاعدة حيث كثف المتطرفون مؤخرا هجماتهم في كل من كينيا والصومال ونيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية.

من الصائب القول إن هذه الهجمات ليست وليدة اللحظة، لكن ما يسترعي الانتباه في هذه الهجمات تمكن المتطرفين من إحداث نقلة نوعية باستهداف القواعد الأجنبية التي حلت بدول الساحل الأفريقي وغيرها بهدف إرساء الاستقرار والأمن.

ففي الأسبوع الماضي شنت حركة الشباب الصومالية المتطرفة هجوما على قاعدة عسكرية تديرها قوات أميركية وكينية في لامو شمال كينيا قرب الحدود الصومالية. ويأتي هذا الهجوم في وقت عملت فيه كينيا على مؤازرة شقيقتها في مواجهة المتطرفين من خلال إرسال قوات كينية إلى الصومال لمواجهة حركة الشباب التي تبايع تنظيم القاعدة.

ليست الشباب الحركة الوحيدة التي تتبنى شعارات متطرفة وهجمات تستهدف الجيوش الوطنية والقوات المساندة لها حيث تنامت الجماعات الجهادية المسلحة في أفريقيا بشكل لافت للانتباه. ففي السابق مثلت التسعينات اللحظة المشتهاة للجماعات المتطرفة للبروز على الساحة مستغلة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي ترزح تحت وطأتها هذه الدول على غرار جماعة بوكو حرام في نيجيريا وحركة أنصار الدين في مالي وكذلك حركة الشباب في الصومال.

هذا الواقع دفع بقادة هذه الدول إلى إطلاق صيحات فزع من الخطر الذي يتربص ببلدانهم وهو ما استجابت له العديد من الدول على غرار فرنسا التي أطلقت عملية برخان في 2014، أو الولايات المتحدة التي تنشر قوات لها في هذه الدول.

لكن هذا التفاعل لم يعط إلى حد الآن نتائج على الأرض تتمثل في اجتثاث الجماعات المتطرفة نهائيا ووضع حد لهجماتها الدموية. وبالرغم من تكبدها خسائر هامة في الصومال، تواصل حركة الشباب سعيها لانطلاقة جديدة مثلا وهو ما يعاظم المخاوف من عودة مرتقبة لداعش أو القاعدة من خلال إنجازات أذرعتهما في هذه الدول.

هذا التوجس عبر عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو نفسه في فبراير الماضي عند حديثه عن فرضية نقل تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي لمقاتلين تابعين له إلى الدول الأفريقية. وقال بومبيو آنذاك ’’إن مقاتلي داعش يحاولون منذ فترة الهروب والتمركز في أفريقيا’’.

لكن المسؤول الأميركي لم يتوان ولو لوهلة واحدة بأن يخصّ ليبيا كوجهة أولى يمكن أن يفكر فيها قادة التنظيم الذي خسر زعيمه أبوبكر البغدادي في وقت سابق لتتضاعف محنته. لا تعدّ واشنطن الوحيدة التي تقر بفرضية أن يكون داعش يخطط للذهاب نحو أفريقيا التي تعد أرضية خصبة لتفريخ عناصر خطيرة جديدة حيث كشفت موسكو بدورها على لسان مساعد سكرتير مجلس الأمن الروسي ألكسندر فينيديكتوف أن ’’ مسلحين ينتمون لداعش انتقلوا إلى أفريقيا بعد هروبهم من سوريا والعراق وقاموا هناك بتشكيل خلايا من القاعدة وداعش’’.

فبالرغم من الجهود الحثيثة المبذولة بهدف وضع حد لتمدد الجماعات المتطرفة في شتى أنحاء العالم، فإن القارة السمراء الغنية بثرواتها لم تستطع بعد إجهاض أحلام المتمردين.

فليس ببعيد عن الصومال وكينيا، شهدت الكونغو الديمقراطية هجوما دمويا صادما نفذه متمردون مع نهاية السنة الإدارية الأخيرة قُتل خلاله ما لا يقل عن 20 مدنيا، وتبنت هذه العملية جماعة “القوى الديمقراطية المتحالفة” في بيني شرق البلاد.

وتعد المخاوف من عودة داعش أو القاعدة إلى أفريقيا مشروعة لاسيما عند الحديث عن بيئة مواتية لاستقطاب عناصر جديدة في ظل استمرار مشاهد الفوضى التي أغرقت العديد من البلدان الأفريقية في الدماء على غرار ليبيا.

إضافة إلى فصول الفوضى التي تشهدها القارة السمراء، فإن التنظيمات المتطرفة وأبرزها داعش والقاعدة خسرت سيطرتها على بعض الأراضي لكنها لا تجد متاعب كثيرة في إقناع الشباب في هذه الدول لتبني فكر متطرف لاسيما مع انتشار الفقر وتدني مستوى المتعلمين في هذه البلدان العاجزة حتى الآن عن وضع حد للاستعمار ونهب ثرواتها من قبل أكثر من دولة.

كما تضاعف قرارات ترحيل المنتمين سابقا إلى داعش سواء المتواجدين في سجون أنقرة أو غيرها إلى بلدانهم الأصلية محنة هذه الدول، حيث تحدث وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في يونيو 2018 عن وجود ما لا يقل عن 10 آلاف مسلح ينتمون لداعش و’’ القاعدة ’’ في افريقيا. من الواضح أن الفترة التي قضاها التحالف الدولي في مواجهة الإرهاب في سوريا والعراق وأفغانستان لاسيما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، قد جعلت هذه التنظيمات تبحث عن ملجأ آخر لانطلاقة جديدة وجدته في أفريقيا التي جعلتها ساحة بديلة لإراقة الدماء.

وهذا التوجه الذي ذهبت فيه هذه التنظيمات والذي ساعدها على بث الذعر في نفوس قادة بعض الدول حيث تفكر مثلا عواصم أفريقية في سحب جنودها من المناطق التي تشهد هجمات إرهابية، ما سيجعل العالم بأسره عرضة للهجمات وهو ما قد يدفع بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب إلى تركيز جهوده على أفريقيا خلال المرحلة المقبلة.

12