"أسماني" قصي العوامي يتجه إلى الانطباعية بعد التجريد

رغم مشاركة التشكيلي السعودي قصي العوامي في العديد من الفعاليات المحلية والعربية والعالمية منذ ثمانينات القرن الماضي، إلاّ أنه بقي ينسج معرضه الشخصي الثاني بعنوان “أسماني”، ويأتي هذا المعرض بعد معرضه الشخصي الأول الذي أطلقه في مدينة فرانكفورت بألمانيا سنة 2003.
وكان من المتوقع أن يقدّم العوامي مجموعة تجريدية مستوحاة من الحرف العربي ومن التراث الخليجي، لا سيما وأنه سبق وأن سجّل ملامح من تجربته في هذا الحقل الفني الباهر في أكثر من مشاركة شخصية وجماعية، لكنه، وبصورة مفاجئة للمتابعين، افتتح معرضه الشخصي في صالة الفنون بالقطيف مؤخرا بتجربة انطباعية اشتملت على 41 عملا، متوسلا بالطبيعة وبالبحر وبالصحراء، وبملامح السماء وتشكيلات الغيوم الساحرة. بينما قدّم ثماني لوحات أخرى من تجربته القديمة التي تعود للبدايات الفنية المراهقة، التي كانت حينها رائدة، ولا سيما في ما يخص استخدام التقنية الرقمية في معالجة اللوحات التشكيلية.
وبينما كان يكمل العوامي مجموعته الجديدة “أسماني” كان في الوقت ذاته يشتغل ببطء وتأن على مجموعة تجريدية أخرى، كل منهما في خط متواز مع الآخر: التجريدية والانطباعية. ويرى العوامي أن هذين الخطين المتوازيين يمنحانه مساحة كبيرة للعمل بحرية ضمن مناخات مختلفة.
يقول لـ”العرب”: أنا كفنان تشكيلي أعشق الجمال، وأحاول تجسيده في أعمالي، سواء كان الرسم واقعيا أم تجريديا، فهذا الخط يعطيني مساحة من التعبير والإبداع وتجسيد جمال الطبيعة الحية أو الطبيعة الصامتة، وذاك يعطيني مساحة أخرى في توظيف العناصر التراثية والحرف العربي والدرجات اللونية في الأعمال التجريدية. وأنا أمارس الخطين في نفس المرحلة حسبما يحضرني من إلهام، ولكن لا أغفل عن التهيئة الذهنية والتقنية لهذا أو لذاك.
يحدثنا قصي عن تفاصيل تجربة “أسماني”: انتابني بعض التردد في طرح هذه التجربة لأنها نوعا ما شاذة عن المألوف، بسبب طغيان الأعمال التجريدية وغيرها، إلا أنني أحببت جسّ نبض الشارع بعرض في مقهى أكوستيك بالخبر لهذه الأعمال، وقد لمست استحسان الكثير وانبهارهم بالتقنية الانطباعية الواقعية.
الانطباعية أقرب إلى نفس الفنان من الواقعية الكلاسيكية، بسبب الثراء اللوني فيها، ولأنها تمنح مساحة حرية أكبر للفنان
يتابع: حينها قررت وبكل جرأة طرح هذه الأعمال في معرض شخصي لعرض إنتاجي ولكسر روتين المعارض التجريدية ولمنح الفرصة للفنانين والفنانات للاستفادة من التجربة وتقنياتها التي تنوّعت بين الألوان الزيتية والأكريليك، خصوصا وأن التجربة التجريدية لديّ مازالت قائمة، وأنا مازلت مستمرّا في العمل بها حتى تكتمل.
وعن تجربة “أسماني” يتحدّث الفنان التشكيلي السعودي عبدالرحمن السليمان إلى “العرب” قائلا: ليس لديّ الكثير، المفاجأة بالنسبة لي في المعرض هي هذا الاحتفاء بالطبيعة التي أسرت فنانا لتحقيق مشاعر فياضة وأحاسيس وعلاقة حميمة. وأعتقد أن المعرض تمثل في هذا الاستغراق بعيدا عن القليل من التجارب التأليفية التي تضمنت حروفا أو شكلا من التجريد.
لقد أعاد قصي العوامي إلى المشهد التشكيلي ذاكرة فنية كانت قد بدأت تخفت شيئا فشيئا أمام تجارب فنية اتسمت بحداثيتها ومفاهيميتها وتجريبيتها، وعن سبب عودته إلى المدرسة الانطباعية التي هجرها الفنانون ولم يعد يذكرها أحد إلا كحالة من حالات البدايات أو كشكل فني كلاسيكي كان قائما في حقبة تاريخية وانتهت.
يعلّق قصي: اخترت الانطباعية لأنها أقرب إلى نفسي من الواقعية الكلاسيكية، وبسبب الثراء اللوني فيها ولأنها تمنح مساحة حرية أكبر للفنان، خصوصا في موضوع المعرض، حيث تتنوع الألوان ودرجاتها.
وفي سؤال عن كيف يرى المشهد التشكيلي في المملكة بصورة عامة يجيب العوامي: الحركة التشكيلية بالمملكة تطوّرت كثيرا في الآونة الأخيرة، وظهر فنانون وفنانات بمستوى جيد، حيث استفادوا من التجارب الفنية لفنانين من خارج حدود الوطن.
تجربة العوامي التشكيلية قائمة، وبها ملمح فني مختلف عن السائد، وهذا الملمح يخصّه هو وحده، فيه ما فيه من التجديد، ويسعى العوامي عند اكتمال فضاءات تجربته إلى أن يعيد إقامة معرضه الشخصي في مدينة جدّة، لما لها من أهمية في مجال الفن.