أسامة عسكر صائد الإرهابيين في سيناء يقود أركان الجيش المصري

جنرال يستدعيه السيسي لتطوير الخطط القتالية.
الأحد 2021/10/31
رجل المهام الصعبة يبدأ خطة تطوير الجيش المصري من الداخل

قرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعيين الفريق أسامة عسكر رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة خلفا للفريق محمد فريد حجازي، على أن يُعين الأخير مستشارا للرئيس لمبادرة "حياة كريمة" المعنية بتحسين الأحوال المعيشية للبسطاء ومحدودي الدخل، هذا هو فحوى البيان الذي صدر عن الرئاسة المصرية الأربعاء الماضي.

لكن التركيز على البيان الرئاسي المقتضب يشير إلى أن عمليات التغيير في المراكز القيادية داخل الجيش المصري صارت تحدث بمرونة وهدوء، ما يعكس تماسكه والتفافه خلف قيادته، وهي رسالة هامة عززتها طريقة تصعيد الجنرال عسكر إلى رئاسة الأركان، وأن الأمر معتاد ويدخل في باب تجديد الدماء.

لم يكن يهتم المصريون باسم رئيس الأركان، وربما لا يعرفون خلفياته بدقة، غير أن اسم عسكر بات معروفا لدى شريحة كبيرة من المواطنين، لأسباب ترتبط بعمله كقائد احتك بالشارع خلال ثورة 30 يونيو 2013 التي أزاحت الإخوان من حكم مصر، ونجاحه في القضاء على الإرهاب في منطقة سيناء، بشمال شرق البلاد.

قائد محنك

السيسي يسير منذ وصوله إلى الحكم على نهج واحد لا يغيره، بأن قادة الجيش لا يستمرون في مناصبهم لمدة طويلة
عسكر وزملاء قليلون له يحظون بمكانة خاصة عند السيسي الذي تعامل مع بقائهم كضرورة، ولو تغيّر القانون لأجلهم

توقع مراقبون منذ سنوات أن عسكر سيكون ضمن قادة الصفوف الأولى في يوم من الأيام، لأنه كان من القلة التي استفادت من قرارات جمهورية سابقة للسيسي بترقيته بعد رفع سن التقاعد لضباط الجيش برتبة فريق إلى 65 عاما، بدلا من 64.

وقرر الرئيس السيسي ترقية عسكر من رتبة لواء إلى فريق في يناير من عام 2015، وكان عمره وقتها 58 عاما، ونجا من التقاعد لأن تقاعد اللواءات حينها كان عند بلوغهم الـ58 عاما، حيث رأى فيه أنه الأكثر قدرة على قيادة العمليات العسكرية ومواجهة الإرهاب الذي استفحل في جزيرة سيناء آنذاك.

ما يبرهن على أن عسكر يحظى بمكانة خاصة عند السيسي أن التعديلات التي أجريت على سن تقاعد قادة القوات المسلحة، مرة ثانية، عام 2017، استفاد منها عسكر أيضا، والفريق محمد زكي قائد الحرس الجمهوري السابق ووزير الدفاع الحالي، أيّ أن السيسي تعامل مع بقائهما كضرورة حتمية ولو تغيّر القانون لأجلهما.

منذ سقوط نظام حكم جماعة الإخوان بعد تدخل الجيش، أدرك السيسي الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع وقتها، الحاجة الملحة لتصعيد كفاءات عسكرية على درجة عالية من الانضباط ويحظون برضا شعبي ولهم رصيد عند الناس وقاعدة علاقات قوية داخل المؤسسة العسكرية، فأبقى على الكثير من أعضاء المجلس العسكري الذين خاضوا معه معركة الخلاص من الإخوان، لكن لم يتبق منهم الآن في الخدمة سوى عسكر والفريق ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية، وخرج الباقون بعد بلوغهم سن التقاعد.

ووفقاً لمقربين من عسكر، هو شخصية تأبى تصدير المشكلات لرؤسائها ويتعامل باعتباره قائدا يستطيع حل الأزمات بعيدا عن الروتين والبيروقراطية، ورغم تمسكه بأن يكون ديمقراطيا في اتخاذ القرارات بالتشاور مع ضباطه، لكنه أيضا شديد الحسم والتركيز على التفاصيل الدقيقة للغاية.

معروف عنه قلة الكلام وكثرة الفعل، ولا تستهويه التقارير الشفهية ولا المكتوبة، ويميل لأن يُشرف بنفسه على كل الخطط العسكرية، ولا يُمانع أن يقتحم ميادين القتال والاقتراب من أماكن التدريبات ولو كانت بالذخيرة الحيّة، بحكم ثقته في ضباطه وجنوده وعلاقاته القوية بهم، ومعاملتهم وفق شخصية القائد المخلص.

البعض ينظر إلى عسكر على أنه الجنرال الذي مهّد الطريق لرفع حالة الطوارئ، باعتباره نجح في أن تصبح سيناء التي كانت مهددة بالوقوع في يد تنظيم داعش واحة من الأمان والاستقرار والتعمير والتنمية

يمثل وجود رئيس أركان للجيش بهذه الصفات عنصر اطمئنان لتماسك المؤسسة العسكرية وعدم تذمر أيّ من قادتها، صغارا أو كبارا، فمهما كان الانضباط والحسم سمة العسكريين عموما فإنهم بحاجة إلى قائد قادر على تجميع الكل حوله، بعيدا عن الإقصاء والتمييز والوساطات، بحيث تكون الكفاءة هي المعيار الأهم.

منذ وصول السيسي إلى الحكم، وهو يسير على نهج واحد لا يغيّره، بأن قادة الجيش عموما، مثل وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية لا يستمرون في مناصبهم لمدة طويلة، قد يمكثون أربع سنوات على الأكثر، وربما عامين فقط، والميزة أنه يدير هذه العملية بطريقة سلسلة ومرنة لمنح الفرصة للكفاءات أن تبلغ القيادة.

ولا يميل السيسي لتكرار تجربة الرئيس الراحل حسني مبارك في الإبقاء على قادة الجيش سنوات طويلة، كما فعل مع المشير الراحل حسين طنطاوي وزير الدفاع، والفريق سامي عنان رئيس الأركان، حتى لا يتسبب ذلك في تكوين ما يشبه مراكز القوى داخل مؤسسة حيوية.

جرى تعيين عسكر قائدا للجيش الثالث الميداني، في حين كان زميله أحمد وصفي قائدا للجيش الثاني، وعقب سقوط نظام الإخوان انتشرت شائعات أن الاثنين اتفقا على انشقاق جيشيهما عن القوات المسلحة وتسليم سيناء للإرهابيين، ضمن الحرب النفسية التي تبناها الإخوان.

وقتها طالب الشارع المؤسسة العسكرية بالرد، لكن كعادتها التزمت الصمت، فأراد عسكر أن يردّ بشكل عملي في ذروة الانفلات الأمني وقاد السيطرة على إقليم قناة السويس الذي كان ملتهبا وتتكرر فيه العمليات الإرهابية، وتعامل باعتباره الحاكم لهذا الإقليم وفرض عليه الانضباط الكامل حفاظا على المجرى الملاحي للقناة.

وقتها توقفت بعض الموانئ البحرية وتعطلت المصانع والمخابز، لكن عسكر تدخل لتشغيلها ونشر قواته لضبط الأوضاع وكانت قيادات أخرى منشغلة بالسيطرة على إقليم القاهرة، ونجح الجنرال في المهمة على الوجه الأكمل، ولم تتعطل قناة السويس أو يصبها تهديد أمني جراء الإرهاب المتصاعد بالقرب منها، في سيناء.

أغلب ما فعله عسكر وقت قيادته للجيش الثالث في ذروة عنف الإسلاميين لم يكن من مهامه العسكرية، بل تعامل بشخصية القائد المطلوب منه

البحث عن حلول طالما الهدف هو المصلحة العامة، ما جعله في نظر سكان إقليم السويس بطلا شعبيا.

تخرج عسكر في الدفعة 70 حربية، أي بعد السيسي بعامين، لينضم كضابط إلى سلاح المشاة، وبعدها حصل على البكالوريوس في العلوم العسكرية، ليتدرج في المواقع القيادية بسلاح المشاة حتى وصل إلى قيادة الجيش الثالث الميداني، خلفا للفريق صدقي صبحي الذي اختاره الرئيس الإخواني محمد مرسي لرئاسة أركان القوات المسلحة.

صقر سيناء

كلف عسكر باستخدام القوة الغاشمة في القضاء على الإرهاب بسيناء، وأشرف بنفسه على الأعمال القتالية
كلف عسكر باستخدام القوة الغاشمة في القضاء على الإرهاب بسيناء، وأشرف بنفسه على الأعمال القتالية

أثبت للقيادة العسكرية جدارته في مرحلة حساسة، فاختاره المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليكون قائدا للقيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة ولمهمة مكافحة الإرهاب، عقب الهجوم الدموي الذي شنه مسلحون في يناير 2015، على سبعة مرتكزات أمنية بسيناء وأسفر عن مقتل 31 من أفراد الجيش والشرطة.

كلف وقتها باستخدام القوة الغاشمة في القضاء على الإرهاب بسيناء، وأشرف بنفسه على الأعمال القتالية التي يقوم بها الجيش الثاني في شمال سيناء، والثالث في وسط وجنوب سيناء، وقامت قواته بتوجيه ضربات عنيفة لمعاقل المسلحين بعدما ضيّق عليهم الخناق من كل الاتجاهات، وتأسيس قاعدة علاقات قوية مع قبائل سيناء.

وقتها لقبه المصريون بـ"صقر سيناء"، و"صائد الإرهابيين"، و"رجل المهام الصعبة"، لاسيما بعد أن تحدث إليه الرئيس السيسي أمام الشاشات في إحدى المناسبات، قائلا له "أنا بشهّد المصريين عليك يا أسامة، إن سيناء ترجع آمنة مثل أي مكان في مصر، والأحداث الإرهابية لا تتكرر مرة أخرى، وأنت المسؤول أمامي وأمام الشعب، مسؤولية كاملة عن تنمية وأمان سيناء وأهلها".

نجح الرجل في المهمة، وبعد عامين تقريبا من توليه مسؤولية مكافحة الإرهاب بسيناء، بدأت تختفي الهجمات المسلحة ضد الجيش والشرطة تدريجيا، ويعود الأمان، ما جعل السيسي يصدر قراره بتعيينه مساعدا لوزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء، بعد اقتراب تطهيرها من التيارات المتطرفة وبقي عضوا في المجلس العسكري.

ورغم أن منصبه ذاك يبدو بعيدا عن كونه قائدا عسكريا، لكنه استطاع تحقيق نجاحات كبيرة في هذا الملف، بعدما وضع خطة متكاملة لجذب الاستثمارات لسيناء، وإنشاء العشرات من المشروعات وتحويل الجبال والوديان التي كان يقطنها الإرهابيون، إلى أماكن خضراء تحيطها المصانع والمزارع والمنازل وتصل إليها المياه، وبها طرق عملاقة.

تزامنت نجاحات عسكر في فرض الاستقرار وتكريس التنمية بسيناء، مع تنامي الشعور المجتمعي بعزلها عن باقي الأراضي المصرية، وهو ما كان يمثل عبئا سياسيا على الرئيس والجيش، لأن المواطنين يربطون قوة بلدهم العسكرية بالسيطرة على سيناء والتي يعني أمنها أن باقي محافظات الجمهورية آمنة وهادئة.

بطل رفع الطوارئ

عسكر وزملاء قليلون له يحظون بمكانة خاصة عند السيسي الذي تعامل مع بقائهم كضرورة، ولو تغيّر القانون لأجلهم
عسكر وزملاء قليلون له يحظون بمكانة خاصة عند السيسي الذي تعامل مع بقائهم كضرورة، ولو تغيّر القانون لأجلهم

صار يُنظر إلى عسكر على أنه الجنرال الذي مهد الطريق لرفع حالة الطوارئ، باعتباره نجح في أن تصبح سيناء التي كانت مهددة بالوقوع في يد تنظيم داعش واحة من الأمان والاستقرار والتعمير والتنمية، ولولا تطهيرها من الإرهاب لما رُفعت حالة الطوارئ مؤخرا.

كان طبيعيا أن يكافأ بتعيينه رئيسا لأركان الجيش، فهو الذي صارت لديه خبرات كبيرة في أهم ملفين يشغلان بال النظام المصري، الأول أن تكون للبلاد قوة عسكرية كبيرة وسط الاضطرابات والتهديدات الإقليمية.

والملف الثاني أن تساهم القوات المسلحة في دعم ركائز التنمية وتسريع الإنجاز المرتبط ببناء الجمهورية الجديدة، والميزة أن الرجل لديه خبرات واسعة في الملفين معا، فقد سبق وتولى رئاسة هيئة العمليات بالقوات المسلحة عام 2019، وهي الجهة المشرفة والمسؤولة عن رسم الخطط القتالية للجيش.

يملك عسكر مزايا مكّنته من أن تكون لديه خبرة المواءمة بين توسع القوات المسلحة في اقتحام الاقتصاد للتسريع من وتيرة التنمية، والحفاظ على الأمن القومي وتحصينه من التهديدات على الجبهات الاستراتيجية المختلفة.

عمليات التغيير في المراكز القيادية داخل الجيش المصري يبدو أنها باتت تحدث بمرونة وهدوء، ما يعكس تماسكه والتفافه خلف قيادته

كما يصعب فصل تصعيد عسكر لرئاسة أركان الجيش، وهو منصب له أهمية بالغة ولا تتحرك دبابة أو طائرة دون موافقته، عن التهديدات المحيطة بمصر من كل الاتجاهات، وعدم استبعاد الكثير من الخبراء العسكريين قيام مصر بعمل عسكري في أي وقت، لأن عسكر اكتسب خبرات قتالية طوال سنوات خدمته، ومن القيادات التي تتمتع بكفاءة عالية في التخطيط باحترافية للمواجهات المسلحة.

ورغم كل الخبرات والسمات الشخصية لم يسلم الرجل من هجمات المناوئين للسلطة، وتحديدا فصيل الإخوان، فهم الذين طالوه باتهامات سابقة بأنه تربح من منصبه عندما كان مسؤولا عن تنمية سيناء، وروجت قنوات الجماعة التي تبث من تركيا وقطر أن السيسي وضعه قيد الإقامة الجبرية واختفى عن المشهد.

نفس الأصوات التي طالته باتهامات الفساد المالي، هي التي تروج أن السيسي قرر تعيينه في منصب رئيس الأركان لمجرد علاقته القوية به، ومحاولة رأس السلطة أن يؤمن نظامه بتصعيد أحد المقربين منه ليسيطر على الجيش، إذا خرجت الأوضاع عن السيطرة، وتأزم الوضع السياسي، أو تدهورت الأوضاع الأمنية على وقع ارتفاع منسوب الغضب في الشارع بسبب الأزمات الاقتصادية.

ما يدحض هذه الشائعات أن السيسي لو كان يرغب في تأمين نفسه من الجيش لأبقى على صهره الفريق محمود حجازي في منصبه كقائد لأركان القوات المسلحة، الذي تركه عام 2017، وكان يمكن أيضا أن يمدّد له في الخدمة ويقنع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالموافقة على طلبه، لكنه تمسك بتجديد الدماء دورياً في هذا المنصب، طالما أن هناك كفاءات عسكرية يمكن أن تحل مكانه.

جاء تعيين عسكر في منصب رئيس الأركان كجزء من استراتيجية وضعها السيسي منذ وصوله إلى الحكم، بأن يتم تدوير شاغلي المناصب القيادية في الجيش، وفق المستجدات الأمنية والتحديات الإقليمية بشكل يجعل كل من هم على رأس الخدمة على قناعة بإمكانية بلوغهم موقع القيادة العسكرية طالما توافرت لهم الكفاءة والخبرة.

8