أساليب الزواج التقليدي تعود في زمن الإنترنت

مؤيدو الارتباط التقليدي يعتبرونه عقلانيا ضامنا لنجاح الزواج، وشباب يرفضون زواج الصالونات ويرونه ضربا لمكاسب المرأة.
الثلاثاء 2019/01/29
توجس من البداية

مازال الكثير من العزّاب يتزوجون بناء على مقترحات من الأقارب أو الأصدقاء التي تتكوّن في المناسبات أو اللقاءات العائلية، ويعتبر هؤلاء أنه الخيار الأسلم طالما أنه مبنيّ على تفكير عقلاني لا تأثير فيه للعواطف والميول الشخصية، ويعارض آخرون هذه الطريقة ويعتبرونها تقليدية ولا تقوم على اختيار فردي مبنيّ على القناعة بالطرف الآخر وعلى معرفة مباشرة بشخصيته وطباعه، معتبرين أن الزواج التقليدي أو ما يعرف بزواج الصالونات يحمل في طريقته عوامل فشل العلاقة بين الزوجين.

القاهرة – يرجّح مراقبون للشأن الاجتماعي أن زواج الصالونات عاد للانتشار بين الشباب اليوم بالتوازي مع زيادة الخوف من الآخر وقلة الثقة التي باتت سائدة بين الجنسين بسبب الانفتاح والتحرر الطاغي على نمط الحياة العصرية، ويرى بعض المؤيدين لفكرة الزواج التقليدي أنه ربما يكون أقرب للاختيار العقلاني الذي يوفر ضمانات أكبر لاستمرار الحياة الزوجية، فالعلاقات العاطفية التي تُبنى على الإعجاب والتقارب بين الطرفين عادة ما تمرّ بمعيقات اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية توصلها إلى حالة من الفتور العاطفي بزيادة المشكلات التي قد تسبب في انتهاء العلاقة بانعدام المشاعر التي تأسست عليها.

ويعتبر هؤلاء أن أسس الاختيار في الزواج التقليدي تراعي أكثر التكافؤ بين الطرفين، فمثلا تقبل المرأة بالزواج من الشاب الذي تتقارب وضعيته المادية مع طموحاتها في ضمان مستقبلها في مستوى مادي معيّن ومستقر، في حين تقبل من تغرم بشاب بوضعه المادي كما هو ولا تضع شروطا ولا تحدد ضمانات مادية لمستوى معيشتها معه.

ويرجع صاحب مكتب زواج بالقاهرة، عادل جلال، انتشار زواج الصالونات إلى أسباب كثيرة، وعلى رأسها حالة التقوقع والعلاقات الضيّقة التي يعيشها أفراد المجتمع المعاصر، لدرجة أنه في بعض العائلات نجد الأبناء لا يعرفون أعمامهم أو أخوالهم، وبالتالي لا يعرفون أبناءهم وبناتهم، مما يؤثر سلباً على العلاقات والروابط.

ويضيف أن هناك سببا ثانيا يتمثل في فقدان الثقة بين الشباب من الجنسين، فكلا الطرفين ينظر إلى الآخر على أنه مخادع وكاذب، ولا يريد إلا تحقيق المكاسب وإشباع احتياجاته العاطفية والجسدية من الآخر. ويتأسف جلال لتراجع فكرة الشريك الذي يأنس به كل طرف، ويسعى إلى أن يكمل به ومعه مشوار حياته بحب واحترام. وذلك إلى جانب انشغال الناس بأعمالهم وعدم وجود وقت للتزاور والالتقاء، كل ذلك جعل البحث عن جلسة صالون للتعارف بهدف الزواج ضرورة ملحّة لدى كثيرين.

انتشار زواج الصالونات يرجع إلى أسباب كثيرة، أهمها حالة التقوقع والعلاقات الضيقة في أفراد المجتمع المعاصر

ويعتقد جلال أن زواج الصالونات أصبح بديلاً عصرياً لنظام الخاطبة القديم، فمن خلاله تستطيع الأم وهي المهموم الأول بزواج البنت، عرض محاسن وميزات ابنتها بلا حرج، وفي الوقت نفسه تعرض صفات العريس المتقدّم من خلال معرفتها بأمه أو أحد أقاربه.

ويقول حسن جمعة (28 سنة) محاسب، في نظري، إن زواج الصالونات أفضل طريق لضمان الاختيار على أسس سليمة وصحيحة، خاصة في ظل الانفتاح الفظيع الذي شمل كل تفاصيل حياتنا اليوم، فغالبية الشباب يشكّون في أخلاق الفتيات اللاتي يتقاطعون معهن في الثقة في صدق وإخلاص الفتاة، خصوصا أولئك الذين يفضلون الفتيات اللاتي لم يخضن تجارب وعلاقات عاطفية من قبل.

من جانبها تؤكد زينب عبدالعظيم وهي طالبة جامعية أنه من خلال تجربتها الشخصية فإن زواج الصالونات هو الأمثل من بين أساليب الارتباط وتكوين أسرة وتقول “لقد خضت تجربة الخطبة مرتين، وفشلت لسبب بسيط وهو أن الارتباط تم عن طريق التعارف بيني وبينه فقط، وبالتالي لم تكن هناك معرفة مسبقة عن أهله أو عاداتهم وسلوكاتهم وبمجرد الاتصال المباشر بهم، اكتشفت الأمور التي يستحيل معها دوام الارتباط ومن ثم الزواج، ولهذا فإنني قررت ألا أرتبط مرة أخرى إلا من خلال المعارف والأسر، لاعتقادي أن هذا النوع من التعارف تتوافر فيه أغلب شروط الزواج الناجح المستقر القائم على الصراحة والصدق، والمعرفة السابقة بكل شيء متعلق بكلا الطرفين”.

ويروي عبدالرحيم ياسين (51 سنة) مدير سابق لأحد البنوك أنه تزوج عن طريق ما يعرف بزواج الصالونات، وقد مر على زواجه أكثر من 25 سنة.. ويراه زواجا ناجحا ومستقرا أثمر عن بناء أسرة متكونة من أربعة أبناء، قائلا “يسود جو من التفاهم والود أسرتنا، لذلك أنصح بمثل هذا النوع من وسائل الارتباط لأنه بالفعل أثبت فاعليته”.

العودة إلى زواج الصالونات
العودة إلى زواج الصالونات

وفي المقابل يرفض بعض الشباب الارتباط من خلال زواج الصالونات معتبرين أنه أسلوب تقليدي لا يواكب إيقاع الحياة الحديثة وطبيعة العصر. ويعتبر موسى محمد طه (31 سنة) مدرس، أن هذا الأسلوب في الزواج قديم ولا يراعي تطورات العصر الحديث، الذي اختلطت فيه الفتيات بالشباب وانخرطن في الحياة العامة سواء في الجامعة أو العمل، كما أصبح الشاب اليوم أكثر انفتاحاً ومعرفة بالحياة من حوله، ومثل هذا التطور ينعكس بلا شك على أسلوب الاختيار لشريك الحياة، فكيف يُقبل هذا الشاب أو الفتاة على الارتباط بشخص آخر لم يتعامل معه أو يدرس شخصيته، وكل ما يعرفه عنه هو كلام سمعه عن طريق أناس آخرين؟! ويضيف أنه يعرف أن بعض الفتيات يحتججن على زواج الصالونات حين تربطنه بفكرة حقوق المرأة، ويرين أنه تراجع عن مكاسب المرأة.

وتتساءل هبة عبدالله (28 سنة) طالبة؛ “كيف أرتبط بشخص لم يكن بيني وبينه سابق معرفة أو حديث؟ إن هذا أشبه بزواج الجواري والمجتمعات المنغلقة التي لا تسمح للفتاة بالاختيار، في الوقت الذي نالت فيه المرأة جانبا هاما من حقوقها، وحصلت على أعلى الدرجات والشهادات العلمية”.

وتشير أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر، هناء أبوشهبة، إلى أن زواج الصالونات لا يقتصر على البيوت فقد يشمل النوادي والتجمعات غير المنزلية، وهي ظاهرة ليست بالجديدة ولا تسبب إيذاءً أو جرحاً لمشاعر أحد لأن الأمور تؤخذ على أنها دردشة فإذا حدث القبول والاستلطاف بين الطرفين ووجد كلاهما المواصفات المطلوبة، تحول الحديث إلى نوع من الجدية، خاصة أن المتحدثين غالباً ما يكونون هم أولياء الأمور وليسوا طرفي العلاقة الزوجية، كالأم مثلاً أو الخالة أو الأب أو العم.

وتفيد أبوشهبة بأن دراسات اجتماعية أثبتت أن مثل هذا الزواج أكثر استقراراً ودواماً من الزواج الذي يحدث عن طريق اتفاق بين الطرفين فقط، نظرا إلى توافر عناصر كثيرة مهمة مثل الخبرة والمعرفة بأحوال الطرف الآخر، والتأييد من الأسرتين.

21