أزواج يتعايشون معا رغم الجفاء خوفا من اقتسام المسكن

يجيز نظام الاشتراك في الأملاك في تونس اقتسام المسكن بين الزوجين في حالة الطلاق أو بيعه عن طريق التصفية. ويرفض بعض الأزواج الذين اختاروا هذا النظام هذه الحالة، ويتشبثون بالعيش مع الشريك رغم عدم تفاهمهم معه، وهو ما يعمق الأزمة ويغذي حالات الطلاق الصامت.
خديجة ذات الـ45 سنة والمتزوجة منذ 5 سنوات تعاني الأمرّين مع زوجها وترغب جديا في الطلاق، لكن زوجها يرفض ذلك لأنه يخشى أن يصبح نصف المنزل ملكا لزوجته خاصة وأنها حاضنة لطفل.
تقول خديجة “زوجي يعنفني ولم أعد أطيق العيش معه.. أصبحت أتوسل إليه أن يطلقني لكنه في كل مرة كان يحاول إعادة المياه إلى مجاريها حتى لا نصل إلى الطلاق، ويصبح حصولي على نصف المنزل رغما عنه أمرا واقعا”.
وتضيف “لم أكن أتصور يوما أن نصل إلى هذه الحالة”. لقد كانت تعتقد أنه باختيارهما نظام الاشتراك في الملكية ستتعزز أواصر المحبة بينهما لكن حصل العكس.
وتنصح خديجة المقبلين على الزواج بأن يتمعّنوا جيدا في القانون وأن يفهموا بنوده حتى لا يقعوا في أي إشكال.
أما زياد (اسم مستعار)، أستاذ التعليم الثانوي وطليقته الممرضة بمستشفى عمومي بإحدى محافظات الشمال الغربي والتي اختارها له والده، فقد انفصلا لكنهما ظلا يعيشان معا في نفس المنزل بمقتضى القانون، بعد الطلاق. زياد حُرم من استعمال غرفة الاستحمام لأنها كانت من نصيب زوجته التي هددته بأن تشتكي به إلى مخفر الشرطة لو وطأتها قدماه مرة أخرى. فاضطر بعد أيام إلى إجراء تعديلات على الجزء المخصص له من المسكن وبنى حماما صغير المساحة.
الأزواج الذين يتجنبون الطلاق خوفا من اقتسام المسكن قد يقعون في ما هو أسوأ كالعنف وقد يغذون حالات الطلاق
وقد أثرت هذه الحادثة في كثير من الأزواج، فأصبحوا يغضون الطرف عن سيئات زوجاتهم حتى لا يقعوا في ما وقع فيه زياد الذي ساعده والده في بناء المنزل بتمكينه من قطعة أرض وتكفل هو بالباقي. لكن زوجته التي لم تكن يوما راضية عن أي سلوك يبدر منه أو من عائلته، حصلت على ما كانت تخطط له، وأصبح نصف المسكن من نصيبها، وفق ما رواه الجيران.
وبالرغم من أن نظام الاشتراك في الأملاك الذي تم إقراره في تونس في نوفمبر 1998 نظام اختياري، إلا أن عديد الأزواج سارعوا إلى اعتماده، ظنا منهم أنه سيزيد من توثيق ارتباطهم ويقوي علاقتهم، إلا أن اكتشاف طباع كل منهم بعد الزواج جعلهم يشعرون بالندم، خاصة في ظل واقع طغت عليه المادة.
تقول القاضية سامية دولة المكلفة سابقا بمأمورية لدى وزارة شؤون المرأة والأسرة لـ”العرب”، إن قانون الاشتراك في الملكية جُعل لحماية الأسرة بدرجة أولى والزوجة بدرجة ثانية، داعية إلى أن يكون الزوجان على علم بمقتضيات القانون وما يتضمنه، رافضة أن يستغل أحد الزوجين الثغرات الموجودة بأي قانون لصالحه.
وأضافت أنه حتى في البلدان المتقدمة، للزوجة الحق في جراية زوجتها بعد الطلاق. وتساءلت، لماذا يخشى الأزواج من اقتسام محل السكنى ويرغمون أنفسهم على العيش معا رغم أنهم لا يفضلون ذلك؟
بدورها أكدت خديجة الشريف حقوقية وأستاذة جامعية متقاعدة وباحثة في علم الاجتماع أن الأملاك المشتركة التي يؤسسها الزوجان بعد الزواج شيء قيّم، مشيرة الى أنها جعلت لحماية الأسرة من التشتت.
وقالت “حتى ولو كانت الزوجة لا تعمل وتقوم فقط بتربية الأطفال، فإن من حقها أن يكون لها نصيب في الأملاك التي يكتسبها الزوج بعد الزواج”.
وأشارت إلى أن الزوجة قد تشقى وتتعب وتؤسس مع زوجها المسكن ثم بعد الطلاق لا تجني شيئا، مؤكدة أن نظام الاشتراك في الملكية له عدة إيجابيات داعية إلى تعميمه.
وترى أن الأزواج الذين يتجنبون الطلاق خوفا من اقتسام المسكن قد يقعون في ما هو أسوء كالعنف والتباغض وقد يغذون حالات الطلاق الصامت.
وبخصوص البيانات المتعلقة بعدد الأزواج الذين اعتمدوا هذا النظام، قالت الشريف إنهم أجروا استبيانا بمنطقتين بالعاصمة فوجدوا أن العدد قليل ولا يتجاوز 20 في المائة في انتظار أن ينجزوا استبيانات بمختلف بلديات الجمهورية.
ويترتب عن اختيار نظام الاشتراك في الملكية حقوق وواجبات تضمن استقرار الأسرة في مقر سكناها وحماية مكاسبها من عقارات معدة للسكنى أو الاستعمال العائلي.
وتعتبر مشتركة بين الزوجين العقارات المكتسبة بعد الزواج أو بعد إبرام عقد الاشتراك ما لم تكن ملكيتها متأتية إلى أحدهما بوجه الإرث أو الهبة أو الوصية بشرط أن تكون لها صبغة سكنية. لكن الطلاق ينهيها باعتبار أنها تقوم على تحقيق مصلحة العائلة وبتفككها فإن المصلحة تنتفي ولا موجب لبقائها، وفق ما يؤكده القانون.
وقد تقع قسمة المشترك مناصفة بين الزوجين، وذلك بعد خلاص الديون أو تأمين ما يلزم لخلاصها.
وقد تطول الإجراءات المتعلقة بالقسمة وتتعقد وقد تتداخل الأمور، مما لا يشجع الأزواج على الطلاق، وهو حال حسام الدين السهيلي الذي فضل البقاء مع زوجته تحت سقف واحد رغم حجم المشاكل التي يعانيها.
وقال السهيلي لـ”العرب”، “لو طلّقت سأبقى في وضعية صعبة، إما أن أتقاسم نصف المنزل مع زوجتي، وهو ما لا أرضاه على نفسي، أو أن أدفع لها ثمن النصف الآخر وأغادر المنزل. وهذا أيضا لا أعتبره حلا لأنني لا أملك المال في الوقت الحاضر”.
وحتى لا يقع الزوجان في مشاكل بعد الطلاق نتيجة تعذر قسمة الملك المشترك، اجتهدت المحكمة في إسناده لأحد الزوجين على أن يدفع المتحصل على العين كاملا، مبلغا ماليا نقدا للقرين المتخلي عن حقه في الملكية وذلك في حدود قيمة الجزء المتخلى عنه، أو تقوم بإسناده للورثة في حالة الوفاة، وإلا التجأت المحكمة إلى التصفية بالبيع.
ورغم أن قانون الاشتراك في الملكية جاء لحماية الأسرة والحفاظ على العلاقة بين الزوجين ولمزيد تكريس حقوق المرأة، إلا أن بعض الأزواج سارعوا إلى البحث في دفاتر ملكية المرأة قبل الزواج، مما ساهم في فشل عديد الزيجات التي طغى عليها منطق الحسابات. والشيء نفسه بالنسبة لبعض النساء اللاتي اعتبرن القانون مجرد وسيلة يحصلن من خلالها على مكسب من الزوج في صورة الطلاق أو الوفاة مما حوّل الزواج إلى مجرد صفقة.