أزمة مصانع الطوب تكشف عشوائية البناء ومليارديرات الظل بمصر

100 مصنع تعمل بربع طاقتها والحكومة تهرع لشراء إنتاجها لإنقاذها.
الاثنين 2020/10/05
رجال مصانع الطوب الطفلي

كشفت احتجاجات أصحاب مصانع الطوب الطفلي في مصر مؤخرا عن جملة من الأزمات في منظومة التشييد والبناء المتراكمة منذ عقود، والتي كانت تقودها حركة من البناء العشوائي. كما أظهرت الاحتجاجات القوة الحقيقية للاقتصاد الموازي وعمق الفساد الذي رسّخ للبناء خارج حدود الكتل السكنية وتزايد حجم التعديات على الأراضي الزراعية.

القاهرة - دفعت موجة الغضب والاحتجاجات التي نظمها أصحاب مصانع الطوب الطفلي الحكومة المصرية للتدخل لحل أزمات هذه المصانع، بعد أن استخدمت جماعة الإخوان المسلمين صور التظاهرات وروجت لها على أنها موجة غضب ضد النظام الحاكم.

وتفاقمت أزمة مصانع الطوب الطفلي، وهو الطوب الأحمر الذي يصنع من الطفل الذي يشبه الرمال الصفراء، خلال الفترة الماضية بعد توقف حركة البناء داخل المدن لمدة 6 أشهر.

ورغم توسع البلاد في بناء مدن جديدة، إلا أن جميع المشروعات القومية تستخدم الطوب المصنع من الأسمنت، لأنه أكثر صلابة وملاءمة، الأمر الذي فاقم مشكلات المصانع التقليدية، ولم تجد الحكومة مخرجا لحل الأزمة إلا من خلال السماح لمصانع الطوب الطفلي بتوريد الإنتاج لمشروعات البناء في العاصمة الإدارية الجديدة.

وكشفت الأزمة عن جانب آخر لمليارديرات الظل الذين يعملون في قطاع العقارات دون تصاريح رسمية، وأظهرت عمليات الحصر التي تمت خلال الفترة الماضية عن بناء عقارات يتجاوز ارتفاعها أكثر من 12 دورا دون تراخيص، حيث قام أفراد بالبناء والبيع للمواطنين، بعيدا عن سمع وبصر الدولة.

ويعتمد بناء هذه العقارات على الطوب الطفلي، ووصل حجمها لشوارع بالكامل على تخوم المحافظات الكبرى، أهمها القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية.

وتتوطن صناعة الطوب الطفلي في منطقتين رئيسيتين في محافظة الجيزة، المجاورة للقاهرة، وهما الصف وأطفيح، ويصل عدد المصانع نحو ألف مصنع توزع الطوب لجميع أنحاء البلاد.

محمد فرج عامر: وعود حكومية لم تتحقق بخفض أسعار الطاقة للمصانع
محمد فرج عامر: وعود حكومية لم تتحقق بخفض أسعار الطاقة للمصانع

وتسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب تحرير سعر المحروقات في مصر إلى جانب تباطؤ حركة البناء متأثرة بتداعيات كورونا، في تراجع الطلب على الطوب الطفلي.

وطالب أصحاب مصانع الطوب الطفلى مساواتهم بالصناعات كثيفة استخدام الطاقة في خفض أسعار المحروقات.

وخفضت الحكومة أسعار الغاز لمصانع الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس والسيراميك والبورسلين، بنسبة 27 في المئة لتصبح 5.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بدلا من 7 دولارات، وتخفيض أسعار الغاز لمصانع الأسمنت ليصل إلى 6 دولارات مقابل 7 دولارات لكل مليون وحدة.

وطالب محمد فرج عامر رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، الحكومة باتخاذ قرارات سريعة وعاجلة لخفض أسعار الغاز والكهرباء لمختلف أنواع الصناعات.

وأضاف لـ”العرب”، أن الحكومة ممثلة في وزراء الكهرباء والبترول والصناعة، تعهدت أمام اللجنة خفض الأسعار أكثر من مرة، ولكن لم يتم تنفيذ هذه الوعود، فالأسعار عند مستوياتها الحالية لا تزال تؤثر سلبيا على مختلف الصناعات المصرية.

وتعقد لجنة تسعير الطاقة برئاسة مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء اجتماعا كل 3 شهور، لبحث تطورات أسعار الطاقة وفق المتغيرات العالمية، عبر آلية التسعير التلقائي لنظام تحرير سعر الطاقة الذي طبقته مصر منذ أكثر من 3 أعوام.

ويستخدم الأفراد الطوب الطفلي في بناء المساكن بعكس الشركات العقارية والتي تفضل الطوب الأسمنتي، إلى جانب أنه ينتشر بشكل كبير في بناء العقارات في المناطق العشوائية.

ونالت الحملات الحكومية خلال الأشهر الماضية على المساكن التي تم تشييدها بالمخالفات وخارج حدود الكتلة السكنية من معدلات الطلب على الطوب الطفلي، ما زاد مشكلات تشغيل المصانع اقتصاديا.

أحمد الزيني: قرارات تعليق البناء فجّرت الأزمة وزادت من خسائر المصانع
أحمد الزيني: قرارات تعليق البناء فجّرت الأزمة وزادت من خسائر المصانع

وقال أحمد الزيني رئيس شعبة أدوات البناء باتحاد الغرفة التجارية، إن قرارات تعليق حركة البناء داخل حدود المدن في يونيو سبب تفجر غضب مصنعي الطوب الطفلي.

وأوضح أن الأزمة أثرت بشكل مباشر على العمالة اليومية، إلى جانب تأثر كافة سلاسل الإمداد الخاصة بالصناعة نتيجة تباطؤ الطلب الذي وصل إلى مرحلة الركود.

وأصدر مجلس الوزراء المصري، الإثنين الماضي، قرارا باستئناف حركة البناء داخل نطاق المدن لمن حصل على تراخيص بناء سارية، فيما يسمح لأصحابه البناء حتى الدور الرابع فقط لحين إصدار ضوابط جديدة للبناء داخل حدود المدن.

وحرّك القرار معدلات الطلب نسبيا أمام مصانع الطوب الطفلي بسبب قيود الارتفاعات التي تضمنتها شروط عودة البناء.

وتصاعدت الطروحات خلال الفترة الماضية لتحويل مصانع الطوب الطفلي إلى تصنيع الطوب الأسمنتي، إلا أن هذا التحول غير عملي، حيث تحتاج المصانع الحالية إلى خطوط إنتاج وطرق تصنيع جديدة، لا تتناسب مع المصانع القائمة.

وقال عبدالعزيز قاسم سكرتير شعبة مواد البناء، إن أصحاب مصانع الطوب الطفلي لن يغيروا نشاطهم إلى الطوب الأسمنتي بسهولة، لكن الحل العملي هو عودة البناء والتراخيص بشكل منتظم.

وأشار إلى أنه لا يمكن الاستغناء عن الطوب الطفلي، فرغم الاعتماد على الطوب الأسمنتي في المشروعات القومية، غير أن غالبية البناء في مصر يعتمد على الطفلي، وهناك عدد كبير من شركات العقارات الكبرى يعتمد على النوعين معا.

وتحتاج مصر لوضع مواصفات خاصة لصناعة الطوب وتنظيم هذه الصناعة التي يغلب عليها الطابع العشوائي، في الوقت الذي تفاقمت فيه ديون مصانع الطوب الطفلي لوزارة البترول والثروة المعدنية.

وكشفت جمعية مصانع الطوب الطفلى، أن إجمالي مديونيات المصانع في منطقة مصانع عرب أبوساعد التي تقع في نطاق مدينة الصف بمحافظة الجيزة تبلغ نحو 10 ملايين دولار.

وتسببت معدلات تراكم الديون وتباطؤ الإنتاج في تشغيل المصانع بطاقة لا تتجاوز حدود 25 في المئة، رغم فورة حركة التشييد والبناء التي تشهدها مصر خلال الفترة الحالية وخططها للتوسع في بناء مدن جديدة لتخفيف الكثافة السكانية بالبلاد.

11