أزمة الجفاف المستمرة تستدعي حالة طوارئ مائية في تونس

السلطات تبدأ بقطع مياه الشرب ليلا وبضع ساعات في النهار في إطار خطة لخفض الاستهلاك.
الخميس 2023/03/30
السدود تبلغ مستوى انخفاض غير مسبوق

تونس- تشهد تونس موجة جفاف تفاقمت العام الجاري، ما يهدد البلاد بالعطش واستنزاف المياه المخزنة في السدود. وبلغت البلاد مرحلة حرجة على مستوى الموارد المائية، بينما يواجه المزارعون مخاطر أكبر حيث تتراجع المحاصيل ويضطر بعضهم لهجرة العمل في القطاع الزراعي.

وأفاد سكان بعض مناطق العاصمة التونسية وبعض المدن الأخرى بأن سلطات البلاد بدأت منذ أسبوع قطع مياه الشرب ليلا وأيضا بضع ساعات في النهار في إطار ما يبدو أنها خطة لخفض الاستهلاك. وشمل قطع المياه بعض مناطق العاصمة تونس ومناطق في محافظات نابل وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس.

وتشهد الموارد المائية منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات والإفراط في استغلال المياه، ولهذا السبب يؤكد المسؤولون أنه أصبح من الضروري اليوم وقف النزيف في الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ مائية.

ياسين مامي: الدولة لجأت إلى تقسيط المياه لأن البلاد مهددة بالعطش
ياسين مامي: الدولة لجأت إلى تقسيط المياه لأن البلاد مهددة بالعطش

وقال ياسين مامي النائب بالبرلمان الجديد إن “مسؤولا في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أخبره أن سبب الانقطاع المتكرر للمياه في مناطق مدينة الحمامات ليس بسبب أعمال صيانة، وإنما يعود إلى سياسة تقسيط المياه لأن البلاد مهددة بشح المياه”.

وتخاطر السلطات بإثارة توتر اجتماعي بسبب قطع المياه المتكرر دون إعلام في البلد الذي يعاني سكانه بالفعل إحباطا متزايدا بسبب سوء الخدمات العامة وارتفاع التضخم بشكل كبير واقتصاد منهك. ويرى خبراء أن السلطات لا بديل لها سوى تقسيط المياه سعيا لخفض الاستهلاك وسط موجة جفاف غير مسبوقة وسدود شبه فارغة.

وقال حمادي الحبيب مدير عام مكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الفلاحة إن “إيرادات السدود التونسية سجلت انخفاضا بمليار متر مكعب بسبب ندرة الأمطار من سبتمبر 2022 إلى منتصف مارس 2023”.

وأظهرت الأرقام الرسمية أن مخزون سد سيدي سالم في شمال البلاد، وهو مزود رئيسي لمياه الشرب لعدة مناطق، انخفض إلى 16 في المئة فقط من سعته القصوى البالغة 580 مليون متر مكعب.

وتشهد تونس نقصا كبيرا في الأمطار منذ سبعة مواسم وجفافا مستمرا للعام الثالث تواليا، مما زاد المخاطر التي تحدق بالأمن الغذائي في بلد يعاني من أزمات اقتصادية.

وقال المتخصّص في التنمية والتصرف في الموارد المائية بكلية العلوم بتونس حسين الرحيلي "حذرنا بشأن الوضع المائي في البلاد منذ سنوات، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة".

وأشار الرحيلي في تصريح لـ"العرب" إلى أن "نسبة امتلاء السدود الحالية تقدّر بـ30 في المئة على المستوى الوطني، وأن نسبة امتلاء سد سيدي سالم وهو من أكبر السدود في البلاد لم تتجاوز 17 في المئة، وهي نسبة لم يشهدها السد منذ بدء استغلاله خلال ثمانينات القرن الماضي".

ولفت إلى أن "الصيف القادم سيكون صعبا للغاية بخصوص التزود بالمياه"، قائلا إن "تونس تصل لأول مرة إلى هذا الوضع المتدهور جدا، نتيجة لتراجع التساقطات خلال فصلي الشتاء والخريف، ليتواصل انحباس الأمطار، ما أثر بشكل كبير على مخزونات السدود”. وأشار الرحيلي إلى أن “التعامل مع الأزمة انطلق مبكرا هذه السنة منذ شهر مارس، بدلا من بداية فصل الصيف الذي يتزايد فيه الطلب على الماء”.

حسين الرحيلي: الصيف القادم سيكون صعبا للغاية بخصوص التزود بالمياه
حسين الرحيلي: الصيف القادم سيكون صعبا للغاية بخصوص التزود بالمياه

وأوضح أن “ندرة المياه أدت إلى تراجع زراعات الخضر والفواكه، مقابل ارتفاع أسعارها في السوق، وكان يفترض على الدولة أن تنظر في خياراتها الزراعية منذ العام 1995، في ظل وجود زراعة مستنزفة للماء"، داعيا إلى "ضرورة أن تصارح الحكومة الناس بالحقائق، وتنطلق في تنظيم حوار تشاركي حول المياه".

ويتوقع المزارعون واتحاد الزراعة حصادا هزيلا للحبوب هذا العام بسبب الشح الكبير في الأمطار. وتواجه بقية الزراعات، مثل الزيتون الذي يمثل أهم صادرات تونس، بدورها خطر التراجع الكبير وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري الغذائي للبلد الذي توشك ماليته العامة على الانهيار.

وأكد عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية أن “المنظمة تتوقع موسما كارثيا وصعبا بالمناطق المنتجة للحبوب وهي باجة الشمالية وجندوبة وبعض المناطق في ولاية بنزرت في ظل فقدان مساحات أخرى للزراعات الكبرى.

وفي وقت سابق، نشرت مراكز للتنمية الزراعية في البلاد بيانات محلية تدعو المزارعين إلى وقف استعمال مياه الري في الزراعات السقوية (القائمة على السقي إما بواسطة الأودية أو العيون أو المياه الجوفية) للخضروات قائلة إن الأولوية للحبوب والزيتون ثم بعد ذلك لأشجار الفواكه.

وبدأت السلطات بمنح الأولوية لمياه الشرب عبر الحد من الحصص المائية الموجهة للقطاع الزراعي كإجراء عاجل، لكن ذلك أدى إلى ندرة بعض المنتجات الزراعية وارتفاع أسعار الخضر.

وتفيد مؤشرات بأن الإجهاد المائي ارتفع من 66 في المئة في عام 2000 إلى 109 في المئة في عام 2020 وإلى 132 في المئة سنة 2021. والإجهاد المائي هو مؤشر يقع من خلاله قياس ندرة كمية المياه العذبة المتجددة المتوفرة لكل شخص في كل عام من إجمالي الموارد المائية المتاحة لسكان المنطقة.

4