أردوغان يوظّف الانقلابات لتمرير الدستور الجديد

المعارضة التركية تشكك برغبة الرئيس رجب طيب أردوغان في تطبيق إصلاحات حقيقية في البلاد.
الاثنين 2021/03/01
لأردوغان مآرب أخرى

أنقرة – وظفت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذكرى انقلاب 1997، الذي يعرف في تركيا باسم “انقلاب ما بعد الحداثة”، والذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء الإسلامي نجم الدين أربكان (1926 – 2011) الذي يعدّ عرّاب الإسلام السياسي في تركيا، من أجل تحشيد الزخم لتمرير الدستور الجديد الذي ينوي أردوغان طرحه، والذي تتحفّظ عليه المعارضة بشدة.

وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الأحد، إن بلاده تستحق دستورا أفضل لكل المواطنين، يكون منارة تحقق القضاء على جميع محاولات التدخل غير الديمقراطية في الحياة السياسية، وعلى رأسها الانقلابات العسكرية.

وواجهت الحكومة الائتلافية التي تأسست في 28 يونيو 1996، برئاسة أربكان اتهامات بـ”تشكيل خطر على النظام” و”دعم الرجعية”، بعد فترة وجيزة من تسلمها مهام عملها، حيث أرغم أربكان على تقديم استقالته بعدها.

إبراهيم قالن: نستحق دستورًا أفضل للقضاء على التدخل غير الديمقراطي
إبراهيم قالن: نستحق دستورًا أفضل للقضاء على التدخل غير الديمقراطي

ومؤخرا، أعلن أردوغان أن الوقت حان من أجل دراسة دستور جديد لتركيا، وفي أعقاب ذلك أيد زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي الخطوة، مؤكدا حاجة تركيا إلى دستور جديد.

وتثير دعوة أردوغان إلى وضع دستور جديد للبلاد تساؤلات حول غايته من ذلك. وفي حين يقول أردوغان إنه يريد وضع “أول دستور مدني” في تاريخ تركيا، يرى خبراء أن للرئيس التركي مآرب أخرى.

وتشكك المعارضة برغبة أردوغان في تطبيق إصلاحات حقيقية، فيما يبدي المدافعون عن حقوق الإنسان قلقهم من تصاعد القمع وتدهور دولة القانون منذ عدة سنوات.

وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري، وهو أبرز حزب معارض، كمال كيليجدار أوغلو إن “حكومة لا تحترم الدستور المعتمد، لا يمكنها صياغة نص أكثر ديمقراطية… أخشى أن يؤدي هذا المشروع إلى تعزيز النزعة السلطوية”.

كما تخشى المعارضة أن تكون النقاشات حول الدستور الجديد مجرد تحويل للأنظار، يتيح لأردوغان صرف الانتباه عن آثار الوباء والركود الاقتصادي.

وقال إدريس شاهين، نائب رئيس حزب الديمقراطية والتقدم الذي أطلقه علي باباجان، الحليف السابق لأردوغان، “هذه مناورة لتجنب الحديث عن الوضع الاقتصادي، ومشكلات الفلاحين أو التجار وكذلك انتهاكات الحقوق”.

ويرى مراقبون أنه من خلال دعوته إلى دستور جديد سيكون المهندس الرئيسي له، ما يمكّن الرئيس التركي من الالتفاف على مبادرات أخرى للإصلاح تروج لها المعارضة، التي تطالب بالعودة إلى نظام برلماني.

وقبل عامين من انتخابات 2023 العامة التي قد تكون معقدة بالنسبة له، يمكن أن يحاول أردوغان أيضا وبموجب دستور جديد، وضع نظام انتخابي يسهّل إعادة انتخابه.

وقالت الخبيرة السياسية في جامعة بارد كوليدج في برلين أيسودا كولمن، إن “القاعدة الناخبة للائتلاف الحاكم في طور الذوبان”، مضيفة أنه لم يعد من المضمون بالنسبة لأردوغان أن ينال أكثر من 50 في المئة من الأصوات التي يحتاجها لكي ينتخب من الدورة الأولى في عام 2023، ولا حتى أن يتم انتخابه في الدورة الثانية.

وأضافت “في مواجهة هذا الخطر، يمكنه أن يلجأ إلى خيار نظام بدورة واحدة، يمكن أن ينتخب فيها المرشح الذي ينال أغلبية بسيطة من الأصوات”.

ويرى الباحث في أكاديمية روبرت بوش في برلين ومركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن غاليب دالاي، “إدراكا منه أنه يسير في مسار خاسر، يبحث أردوغان عن صيغة رابحة”.

الدعوة إلى دستور جديد، ستمكن الرئيس التركي من الالتفاف على مبادرات أخرى للإصلاح تروج لها المعارضة

ويمكن أن تقوم هذه “الصيغة الرابحة” على أساس اللعب على وتر التوترات الداخلية في صفوف المعارضة، التي يمكن أن تتفاقم عبر نقاشات حول مواضيع حساسة، مثل المسألة الكردية وكيفية التعامل معها في إطار دستور جديد.

وبحسب دبلوماسي غربي فإن هدف أردوغان قد يكون “شق صفوف المعارضة عبر إرغام الأحزاب على اتخاذ موقف”، ومن ثم تصنيفها إما على أنها “مدافعة” عن تركيا وإما “مناوئة” لها.

ويتهم أردوغان أحزاب المعارضة بـ”التغاضي” عن حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد والذي يعتبره الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني، رأس حربة التمرد الكردي والذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون بأنه “إرهابي”.

وقالت كولمن، إن “الحكومة لا تزال تستخدم هذا التكتيك لتحييد المعارضة… والمسألة تكمن في معرفة ما إذا كانت الأحزاب ستقع في هذا الفخ عند مناقشة الدستور الجديد. حتى الآن، سقطوا دائما فيه”.

وكانت تعديلات دستورية في العام 2017 قد أفضت إلى تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، أتاح لأردوغان صلاحيات تنفيذية واسعة، أعقبتها أسوأ حملات القمع على الإطلاق وإقصاء الخصوم السياسيين حتى من داخل حزب العدالة والتنمية ذاته.

5