أخلقة العمل السياسي: برلمان تونسي بلا صفعات وصراخ

التقارب السياسي بين النواب من شأنه أن يضفي الهدوء على نشاطهم بعيدا عن التراشق بالاتهامات، ويقطع مع السياحة الحزبية والبرلمانية من كتلة إلى أخرى.
الجمعة 2023/03/24
برلمان مختلف

تونس- دعت أطراف سياسية تونسية إلى ضرورة أخلقة العمل البرلماني، عبر وضع مدونة سلوك واضحة للنواب كي يلتزموا بها، في خطوة من شأنها أن تقطع مع سلوكيات البرلمانات الماضية، التي سيطرت عليها الصراعات والصفعات والصراخ ما جعل الشارع يكره البرلمان ويقاطع الانتخابات التشريعية الأخيرة بنسبة كبيرة.

ويُنتظر أن يكون البرلمان الحالي مختلفا عن سابقيه لعدة اعتبارات، من بينها أن القوى الممثلة داخله مؤيدة لمسار 25 يوليو 2021، وهي متقاربة أيديولوجيا وسياسيا، على عكس البرلمان السابق الذي أنتج صراعا متواصلا بين أحزاب متناقضة أيديولوجيا.

ورغم التجانس السياسي بين مكونات البرلمان يدعو نواب وسياسيون إلى إقرار مدونة سلوك لتحديد مجال تحرك النواب ووضع ضوابط تمنع تكرار التجاوزات القديمة.

ناجي جلول: الاعتراف بالأخطاء أول خطوة في مسار أخلقة الحياة السياسية
ناجي جلول: الاعتراف بالأخطاء أول خطوة في مسار أخلقة الحياة السياسية

وقال النائب في البرلمان التونسي رياض جعيدان إن “لجنة النظام الداخلي بمجلس نواب الشعب ستأخذ بعين الاعتبار في إعدادها للنظام الداخلي مدونة الأخلاقيات وقواعد السلوك البرلمانية لأخلقة العمل البرلماني”.

وأكد جعيدان في تصريح لوكالة الأنباء التونسية أن “جميع النواب مطالبون اليوم بتحمّل مسؤولياتهم كاملة في إعطاء الصورة الأفضل لهم وللبرلمان ولإظهار أعلى درجات الأخلاق والقيم، التي تتوافق مع دورهم المهم من أجل المصلحة الوطنية”.

وبشأن وجود ميثاق أخلاقي للبرلمان، قال النائب رياض جعيدان إن “ممارسات النائب تنظمها العديد من الأحكام الواردة في الدستور الجديد لاسيما ما يتعلق بالواجبات أو منع السياحة البرلمانية فضلا عما نص عليه القانون الانتخابي والمتعلق بالواجبات القانونية المحمولة على النائب”.

وتهدف مدونة الأخلاقيات إلى الالتزام بالدفاع عن مصالح الشعب وعدم الارتباط بمصالح قطاعية أو متعلقة بمراكز قوى أو نفوذ، فضلا عن تعزيز المسؤولية النيابية والمساءلة الذاتية وضبط طريقة تعامل أعضاء المجلس مع السلطة التنفيذية وأعضاء الحكومة ومع السلطة القضائية والمجتمع المدني والإعلام.

وتقول شخصيات سياسية إن مجلس النواب الجديد لا يحظى بصلاحيات واسعة، حيث تنحصر أدواره في البعد التشريعي، وستكون الأولوية بالنسبة إليه مناقشة مشاريع القوانين التي سيعرضها الرئيس قيس سعيد، وهو ما يجعله أقل صراخا من سابقه.

وتضيف هذه الشخصيات أن التقارب السياسي بين النواب من شأنه أن يضفي الهدوء على نشاطهم بعيدا عن التراشق بالاتهامات وخدمة المصالح الضيقة، ويقطع مع السياحة الحزبية والبرلمانية من كتلة إلى أخرى.

وقال رئيس الائتلاف الوطني التونسي ناجي جلول “هذا البرلمان سيكون هادئا هدوء البحر لأنه دون أحزاب سياسية، وكنّا نعيب على البرلمان السابق الصراعات والمناكفات”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “إذا أردنا أخلقة الحياة السياسية فيجب وقف المحاكمات في مواقع التواصل الاجتماعي (خاصة فيسبوك) والحد من منسوب العنف وهتك الأعراض، حيث انتقلنا من عهد الذباب الأزرق إلى مرحلة الذباب الجديد”.

وتابع جلول “أول خطوة في مسار أخلقة الحياة السياسية هي الاعتراف بالأخطاء، والديمقراطية تعني الصراع الفكري والسياسي، ويجب سنّ مدوّنة للحد من العنف في البرلمان”.

المنذر ثابت: الأخلاق مسألة هامة لتنظيم عمل البرلمان ومنع تعطيل أشغاله
المنذر ثابت: الأخلاق مسألة هامة لتنظيم عمل البرلمان ومنع تعطيل أشغاله

ووردت في المدونة المقترحة مبادئ حول احترام النائب للمجلس وتجنب ما من شأنه الإساءة إلى سمعته وهيبته والمحافظة على الوثائق وسرية المعلومات وواجبات تتعلق بالتصريح على المكاسب وعدم التستر على الفساد، علاوة على ضبط واجبات النائب في كل ما له صلة بالعلاقات الخارجية وإلزام النائب باستشارة المجلس حول أي نشاط خارجي.

ونصّت المدونة أيضا على التزام النائب بالامتناع عن القيام بأي عمل فيه تضارب مصالح مع مهامه البرلمانية، إلى جانب وضع آليات تتعلق بالحضور.

واعتبر الناشط السياسي المنذر ثابت أن “العلاقة بين السياسة والأخلاق هي علاقة صراع، والسياسة هي إدارة المصالح المتناقضة”، لافتا إلى أن “الأخلاق مسألة هامة لتنظيم العمل البرلماني ومنع تعطيل عمل مجلس نواب الشعب ومنع ممارسات العنف، وهذا من شأنه أي يضمن حسن السير العادي للمؤسسة البرلمانية، ولكنه لا يكفي”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “مسألة العنف ليست بدعة، وهناك جانب استعراضي طغى على العمل البرلماني قبل 25 يوليو 2021، وحوّل الساحات العامة إلى حلبات ملاكمة، كما اخترقت سياسة المحاور الخارجية البرلمان السابق”.

وكانت الانتخابات التشريعية التي جرت على دورتين في نوفمبر ويناير الماضيين قد شهدت نسبة عزوف كبيرة من الناخبين، ورغم تأثير القانون الانتخابي الجديد الذي أقره قيس سعيد يرى متابعون أن صورة البرلمان السابق شوهت بشكل كبير العمل التشريعي وأدت إلى نفور المواطن التونسي.

وشدّد الرئيس التونسي، في وقت سابق، على أنّ “البرلمان لن يكون كما كان في السابق”.

وأكّد أنّ “التشريعات يجب أن تُعبّر عن الإرادة العامّة لا إرادة بعض الجهات التي مازالت تحنّ إلى العشرية الماضية وإلى البرلمان الماضي”.

وكان البرلمان السابق، الذي تمّ تجميده في الخامس والعشرين من يوليو 2021 وحله لاحقا بقرار من الرئيس قيس سعيد، قد أفرز مشهدا سياسيا عنيفا.

 

• اقرأ أيضا:

          انتقادات أميركية حذرة لتونس: الأصدقاء يتحدثون مع أصدقائهم بصدق

1