أحمد رضي: الشعر عاد ليمارس دوره القديم كبوق للقبيلة

أصدر الشاعر البحريني أحمد رضي (مواليد 1981) أولى مجموعاته الشعرية عام 2006، حاملة عنوان “طعم شفاهك”، ثم في عام 2008، أصدر مجموعته الثانية “تراتيل الخلاص”، وأخيرا صدر له “نابذا إلياذة الشطرنج” في 2010.
كما يعمل الشاعر أيضا على ديوان شعري سيصدر قريبا بعنوان “مدائن ما بعد الكارثة”.
الشعر والسرد
يحدثنا أحمد رضي عن الشعر وعن قدرته على إنشاء تغيير أو خلق أسطورة في العالم يقول: أعرف أنه يجب أن يفعل، لكنني يائس لأسباب موضوعية. ولا أعني بالشعر. ما أكتبه أنا أو غيري هو كل رؤية تشد الإنسان ليرتقي بنفسه، حتى يكتشف النبل في داخله. لكن القوة تحكم الشعر الذي عاد ليمارس دوره القديم كبوق للقبيلة. أصبح الآن بوقا أكثر تمويها لأرباب السلطة قصد تنفيذ أجنداتهم تحت مسميات وطنية وجندرية وعنصرية ودينية. الشعر الآن إعلان تجاري صبأ عن دين الآلهة ودخل في دين الاستهلاك.
اشتغالات أحمد رضي الأخيرة فيها تكثيف مجازي شعري كبير، وكأنها ومضة قصصية في قالب شعري. وفي سؤال له حول إمكانية قصيدة الملاحم وذوبانها في ظلال الومضة أو الحكمة، يجيب رضي: في ما يسمى “موت السرديات الكبرى” لا وجود للملاحم كما نعرفها. ولكن هذا ليس سلبيا أو إيجابيا تماما.
الثقافة لم تعد تهتم إلا بالحاضر والقضايا اليومية أو الماضي في رؤية ظلامية، بينما المستقبل انتهى مع الأجيال السابقة
أدلى ضيفنا بشهادته الأدبية بداية العام في ملتقى وجود الخاص بشهادات إبداعية في التجارب البحرينية، وذهب إلى أن: كل محاولة لتدوين سيرة ذاتية أدبية، لا بدّ وأن تقع في أحجية لا حلّ لها، إذ أنها كأيّ استرجاع لأحداث ماضية، تنطلق من الوعي الحاضر في اللحظة الحاضرة، لتنسج سردا منظما يجعل من الأحداث العشوائية سكة حديد للوصول إلى محطة ما.
هذه الشهادة دفعتنا للحديث حول مدى إمكانية أن يتحوّل الشعر إلى سيرة تحمل كروموزومات السرد وتفاصيل الحياة. يقول رضي: ممكن، ولكن ليس بناء على ما تخبرنا به القصيدة من آراء كاتبها أو أفعاله أو بعض الصدف العشوائية في حياته. إنها -ومن خلال الصمت العميق- تكشف الجانب الحقيقي من وجوده. وإذ هو يعبُر من خلال الصمت إلى أعمق نقطة في ذاته فإنه يكتشف الإنسانية جمعاء.
|
المثقف البحريني
يرى أحمد رضي أنه لا هوية للمثقف إلا باحترام الاختلاف، والتوقف عن التشهير والوشاية أو أن يغدو بوقا لحزب أو سلطة. يقول: للأسف، أغلب خلافات المثقفين تنبع من النرجسية والمصالح التي فضحها الربيع العربي ولم يخلقها. ليتنا نتقاتل فعلا بناء على خلافات فكرية حقيقية.
بعد أحداث 14 فبراير في البحرين 2011، انقسم المثقفون حولها بين مؤيد ومعارض، وبين من يرى ضرورة تحييد السياسي عن الثقافي في واجهة المشهد الثقافي البحريني الذي شهد انحسارا واضحا في فعالياته وحضوره وجماهيريته. ورضي من أولئك المثقفين الذين يتهكمون من فكرة هذا الفصل، يقول: هنالك خداع ظريف في علاقة الثقافة بالسياسة لا يروج للفصل بينهما سوى من كانت مصالحه الطبقية تتوافق مع الوضع القائم، ولا تعدو الثقافة بالنسبة إليه سوى صالونات وبريستيج مجتمعي. لكن، هذا لا يعني أن تتحول الثقافة، والفن إجمالا، لخطابات سياسية. فهذا يفقدها أريجها الإلهي، ونظرتها العلوية، وقدرتها على الكشف واستشراف الآتي. والأهم، فإنه يفقدها المتعة.
ويتابع رضي مستشرفا المرحلة القادمة في المشهد الثقافي العربي عامة، والبحريني على وجه الخصوص بقوله: المشهد سيكون اجترارا لما هو عليه الآن، أي غلبة الغيبي والاستهلاكي والانتفاعي أو البروباغندا الفئوية على حساب الإبداعي والنقدي. ففي ظل غياب تنمية شاملة قائمة على العدالة الاجتماعية والشراكة سيظل الحاضر اليومي بتفاصيله المضجرة والمعيشية ضاغطا على الإنسان العربي الذي يتلقى تعليما في المدارس لا ينبع من فكرة “فن الوجود” بقدر ما يهدف إلى صناعة إنسان بمهارات بسيطة تتلاءم واحتياجات السوق.
ويضيف: من الأمور التي تبعث على اليأس أن هذه الثقافة تفتقر إلى الخيال، بدءا من الكتاب وليس انتهاء بالإنتاج التلفزيوني. كلّ فتوة حضارية ترافقها فتوة في الخيال، فلنتذكر أن عصور الازدهار العباسي رافقها خيال جامح في قصص ألف ليلة وليلة مثلا. ولكي ندرك حجم التراجع، فلنتأمل أنه في عصر النهضة العربية كانت هناك محاولات لتعريب كثير من الكلمات الأجنبية، حتى هذا الجهد البسيط، مع التسارع في الإنجازات التقنية العالمية، يكاد يختفي تماما. الثقافة لم تعد تهتم إلا بالحاضر، والقضايا اليومية الخاضعة للصدفة، أو الماضي في رؤية ظلامية مستقيمة، ولا تراه تراثا غنيا متعددا. بينما المستقبل انتهى مع أحلام التغيير الكبرى التي رافقت الأجيال السابقة. المستقبل فكرا وشعرا غائب عن هذه الثقافة. هناك حالات فردية تخرج عن هذا الطوق، قليلة التواجد ورقيا، وأكثر تواجدا في الإنترنت. السؤال: هل يستطيع هؤلاء إحداث تغيير نوعي مستقبلا. تبدو الإجابة ضربا من الكهانة.
بحكم القرب الجغرافي للبحرين من جميع دول الخليج العربي فإن مثقفيها على تواصل تاريخي بهم، وهنالك تشابه كبير في رسم معالم التجربة الأدبية بينهم. وقد قدحت مشاريع أدبية وتواصل ثقافي بين فترة وأخرى بين ملتقياته ومثقفيه. ويذهب شاعرنا إلى أن: صغر المساحة أدّى إلى زيادة التواصل بين مختلف الفئات الاجتماعية وسهولة تبادل الأفكار، ومهما كان الخلاف محتدّا، فهناك نزعة للتسامح أو تجنب للصدام تنبع من شرط واقعي له علاقة بتسيير الحياة في رقعة صغيرة مع أشخاص ستضطر رغما عنك لملاقاتهم في أماكن مختلفة.