"أحجية إدمون عَمران المالح" رواية عن شخصيات تائهة

الكاتب محمد سعيد احجيوج يتركنا أمام نهاية مفتوحة من التأويلات المتشعبة يلتقي فيها مسارا الرواية الإثنان، هما فساد الجوائز الأدبية وأسرار هجرة اليهود المغاربة.
الثلاثاء 2020/09/29
شخصيات احجيوج تنتقل من تيه إلى آخر

بيروت – في روايته الجديدة “أحجية إدمون عَمران المالح” يظفر الكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج مسارين سرديين، يتمحور الرئيسي منهما حول الصراع بين عمران المالح – الصحافي المشرف على صفحة الكتب في جريدة لوموند وعضو لجنة تحكيم جائزة أدبية – في مواجهة فرانز غولدشتاين، المحرر الرئيس في دار نشر فرنسية يحاول إغراء عمران بعرض لا يمكن رفضه لانتقاء رواية محددة للفوز.

أما المسار الثاني للرواية، الموازي والمتداخل مع المسار الأول، فيأتي ليلقي الضوء على تاريخ هجرة يهود المغرب إلى إسرائيل والمنعطفات التي مرت بها حياة عمران مذ حط قدميه على أرض إسرائيل صبيا حتى استيقاظه، من جديد في المغرب، عجوزا نزيلا في مستشفى مجانين لا يتذكر من يكون ولا شيء من ماضيه، إلا شذرات متفرقة تلقيها عليه ذاكرته كيفما شاءت مصادفات التذكر.

واستمرت محاولات الناشر الفرنسي الذي ينتمي للمافيا، في إغراء عضو لجنة التحكيم في الجائزة الأدبية، وهنا نتعرف على هذا الأخير أكثر، حيث هو هارب من ماض غامض في إسرائيل، تطارده أحلام سحرية خوارقية ويسكنه تيه مزمن يضعه في صراع دائم بين هويات وانتماءات متعددة.

صراع دائم بين هويات وانتماءات متعددة
صراع دائم بين هويات وانتماءات متعددة

تتعدد الحكايات وتتشابك المصائر، ورغم أن الرواية صغيرة حجما إلا أنها مكثفة بدرجة كبيرة ومتنوعة من حيث الحكايات الفرعية والثيمات. ومن تلك الموضوعات التي تلفت الرواية النظر إليها موضوع هجرة اليهود المغاربة، وبالأخص مرحلة الهجرة السرية التي كان يشرف عليها جهاز الموساد، ثم لاحقا عملية ياخيين التي سمح بموجبها ملك المغرب الحسن الثاني، بتهجير المغاربة اليهود.

كذلك لا يتحرج الكاتب من التطرق إلى موضوع الهولوكوست، ويشير إلى حجم المبالغة التي عرفتها القضية، وكيف استغل بعض اليهود تلك المأساة الإنسانية لتحقيق مآرب شخصية محضة.

أما عقدة الحكاية أو الحبكة التي تحرك الأحداث إلى الأمام، فهي تدور حول موضوع فساد الجوائز الأدبية. ويتحدث احجيوج عن جائزة أدبية فرنسية، بحكم زمان ومكان أحداث الرواية، لكنها أزمة تنطبق على أغلب الجوائز، قديمها وحديثها، وما الجوائز العربية ببعيدة عن ذلك الفساد، المتمثل في التدخلات الخارجية، من أصحاب الجائزة ومن الناشرين ومن الكتاب النافذين.

“ينبغي التيه ليتحقق الوصول” يقول احجيوج في مستهل الرواية اقتباسا عن الكاتب المغربي عبدالفتاح كليطو. كذلك هي شخصيات الرواية تنتقل من تيه إلى آخر. لكن هل وصلت؟

يتركنا الكاتب أمام نهاية مفتوحة من التأويلات المتشعبة، يلتقي فيها مسارا الرواية الإثنين، وتضعنا أمام نقطة يندمج فيها الواقع مع الخيال، ولا نعود نعرف، أين نحن. أين الواقع وأين الخيال. لعل هذا هو سؤال الرواية الحقيقي. سؤال الرجل الحكيم الذي حلم أنه فراشة في مرج أخضر وحين استيقظ تساءل إذا ما كان هو رجلا حلم بالفراشة أم هو فراشة تحلم أنها رجل.

ونذكر أن رواية “أحجية إدمون عَمران المالح” صدرت أخيرا عن دار هاشيت أنطوان/ نوفل ببيروت، وهي الثانية في رصيد الكاتب محمد سعيد احجيوج، بعد روايته الأولى “كافكا في طنجة” التي صدرت في القاهرة، ديسمبر 2019. كما أصدر من قبل مجموعتين قصصيتين، “أشياء تحدث” (2004) و“انتحار مرجأ” (2006)، وسبق له الفوز بثلاث جوائز شعرية، وفاز مخطوط روايته “ليل طنجة” بجائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة (نوفمبر 2019). كما أصدر مجلة “طنجة الأدبية” (2004 – 2005) وعددا من المشاريع الأدبية والثقافية.

14