أبناء الأرملة يتحررون من وصاية الأقارب بعد المضايقات

قانون مصري يمنح الأم الحق في التصرف بممتلكات الزوج بعد وفاته.
الخميس 2024/03/28
إنصاف للأم الأرملة

تعمل الحكومة المصرية على إصدار قانون يخلص الأرملة من وصاية أقارب زوجها على أمواله بما يتيح لها التصرف فيها ورعاية أطفالها على أكمل وجه. وتأتي الأرملة وفق القانون الحالي في مرتبة متأخرة بشأن الوصاية المالية على أولادها، حيث تؤول إلى الجد بعد وفاة الأب، ويوصف قانون الوصاية المالية على أموال الأبناء يتامى الأب بكونه مجحفا.

القاهرة - تحركت الحكومة المصرية لتحرير أبناء المرأة الأرملة من وصاية الأقارب، وأوشكت على الانتهاء من مشروع قانون يجعل الأم وحدها صاحبة الحق في التصرف في ممتلكات الزوج بعد وفاته، بما يحول دون إرهاقها وأولادها في الصراعات التي تنشب مع أسرة الأب للحصول على الحد الأدنى من التركة المالية.

أعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي قرب انتهاء قضية الوصاية على المال لحل مشكلات الآلاف من الأسر وتوفير مناخ ملائم للأم كي تتفرغ للاهتمام بتربية أبنائها بعد وفاة الأب ورعاية مصالحهم المالية عبر قانون يلبي احتياجاتها وأولادها مستقبلا.

تخوض الأرملة المصرية معارك ضارية مع أقارب الزوج بعد وفاته، إذا قررت الحصول على جزء من الميراث المالي الذي تركه للإنفاق على أسرتها الصغيرة، بحجة أن أولادها لم يصلوا بعد إلى السن القانونية، وطالما لا يزالون أقل من إحدى وعشرين عاما سيظلون خاضعين لوصاية أقارب الأب والقضاء.

وإذا أرادت الأرملة الحصول على أي مبلغ مالي يعينها على صعوبات الحياة أو تلبية احتياجات أولادها، ستكون ملزمة بأن تتقدم بطلب رسمي إلى ما يعرف بـ"المجلس الحسبي"، الذي يخضع للقضاء، بموافقة جد الأبناء من الأب.

ينص قانون المجلس الحسبي في مصر على عدم أحقية الأرملة في الوصاية المالية على أولادها أو التصرف المباشر في تركة الأب لهم، طالما لم يبلغوا السن القانونية، فالوصاية بعد وفاة الأب تذهب إلى الجد ثم العم، ولا تملك الأم حق الوصاية المالية.

وقد تتعرض الأم بعد وفاة الزوج لمضايقات عديدة من جانب أسرة الأب، ولا تستطيع الإنفاق على متطلبات أولادها ولو ترك زوجها مالا كثيرا يجعلها والأبناء يعيشان حياة مادية مستقرة، لأن الجد أو العم قد يتعمد التضييق باعتباره الوصي على الأبناء.

عبير سليمان: تحسين وضع النساء داخل الأسرة بحاجة إلى انتفاضة تشريعية
عبير سليمان: تحسين وضع النساء داخل الأسرة بحاجة إلى انتفاضة تشريعية

وترغب الحكومة في تحرير الأرملة وأولادها من الوصاية التي تتحكم في مواردها المالية، كي تتفرغ لتربية الأبناء وتعليمهم ورعايتهم على الوجه الأكمل، ولا تخوض معارك مع أقارب الزوج المتوفى أو تلجأ إلى القضاء كلما كانت في حاجة إلى مال يساعدها على مواجهة متطلبات الحياة.

وتأتي الأرملة وفق القانون الحالي في مرتبة متأخرة بشأن الوصاية المالية على أولادها، حيث تؤول إلى الجد بعد وفاة الأب، وإذا كان الجد متوفيا تذهب إلى العم الأكبر للأبناء ثم الأصغر منه، بينما الأم التي من المفترض أنها تربي وتعلم وتنفق تصبح مضطرة إلى التوسل من كل هؤلاء لنيل حقوقها.

تعيش إيمان إبراهيم مأساة من هذا النوع، حيث تُوفي زوجها وترك لها ثلاثة أبناء أكبرهم في سن الثانية عشرة، أي أن جميع أولادها قصّر في نظر القانون، وبالتالي لا يحق لها الحصول على أموال زوجها المتوفى إلا بعد موافقة عم الأبناء، بحكم أن الجد متوفى، وعليه أن يؤيد طلبها أمام المجلس الحسبي كي تصرف المال.

قالت الأم لـ”العرب” إن أكبر مشكلة تتعرض لها الأرملة مع عائلة الزوج بعد وفاته، نظرهم لها باعتبارها امرأة لا تستطيع الحفاظ على تركة الأب أو إدارة الأموال، وبإمكانها أن تضيعها في أشياء لا قيمة لها، ولا يحق لها الانفراد بالمال بلا وصاية.

وأكدت أن قانون الوصاية المالية على أموال الأبناء يتامى الأب “مجحف وظالم لكل النساء، ويكرس النظرة الدونية للأرملة، ويجعلها في نظر المجتمع بلا عقل ومتهورة وفاشلة في إدارة شؤون أولادها وحقوقهم المالية، ومن الضروري أن تكون بحاجة إلى وصي طوال الوقت كي يقوّم قراراتها وتصرفاتها وأوجه إنفاقها”.

يتجلى الظلم الكبير، وفق الأم، عندما تكون الأرملة هي الوحيدة التي تؤتمن على تربية ورعاية وتعليم أولادها بعد وفاة الأب، ومع ذلك لا يُتاح لها أن تكون أمينة على أموالهم، ما يكرس النظرة السلبية للمرأة، وتبدو كأنها فاقدة للأهلية، ولا تستطيع التحرك والتصرف بإيجابية من دون وصي ذكر.

تلخص حياة إيمان حجم المأساة التي تعيشها كل أرملة مع تركة الزوج بعد وفاته، حيث تصل ظروفها حد التسول لأهله وأقاربه لتحصل على جزء من المال لتنفق على أولادها، ولذلك تدخلت الحكومة بقانون ينصف الأرامل من ظلم وتعنت أقارب الزوج.

ما يسرّع من وتيرة إنهاء وتمرير قانون وصاية الأم على أموال أولادها داخل الحكومة ومجلس النواب أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يدعم هذا الطلب، وتطرق إليه في مناسبات عدة، بعد أن وصلت شكاوى إليه من أرامل لا يستطعن التصرف في إرث أزواجهن.

◙ الأرملة تأتي وفق القانون الحالي في مرتبة متأخرة بشأن الوصاية المالية على أولادها، حيث تؤول إلى الجد بعد وفاة الأب

في إحدى الفعاليات الرئاسية قبل عامين، وصف الرئيس السيسي قانون الوصاية الحالي بأنه مجحف في حق المرأة المصرية، وقال إن الحكومة عليها واجب أخلاقي في إقرار تشريع عصري يعطي للأم حق الوصاية على أولادها، داعيا أرباب العائلات إلى دعم الفكرة بوعي ومنطق لإنصاف الأرامل ودعمهن أسريا.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن تحرك الحكومة لإقرار تشريع عصري بشأن وصاية الأم على أولادها هو خطوة نحو تحسين نظرة المجتمع للمرأة عموما، لأن سلبية تعامل العائلات مع النساء جزء منها أن التشريعات عفّى عليها الزمن، لكنها كرست دورا للذكور والانتقاص من مكانة المرأة.

قالت عبير سليمان الباحثة الأسرية والمتخصصة في حقوق المرأة بالقاهرة إن تحسين وضع النساء داخل الأسرة بحاجة إلى انتفاضة تشريعية تتخطى حدود وصاية الأم على أولادها، وهذا يتطلب إرادة قوية تساوي الرجل بالمرأة داخل الأسرة، وبالتالي مطلوب إعادة نظرة شاملة في قوانين الأسرة برمتها.

وأضافت لـ”العرب” أن الوصاية على الأبناء مسؤولية نسائية بامتياز، إذا كان الأب متوفيا، والمهمة تشاركية بين الزوج والزوجة إذا كانا يعيشان معا، ولا دخل للعائلة في ذلك قبل أو بعد وفاة الأب، ويزيد تدخلها من الشقاق والصراعات، ويبدو المجتمع  في موقف مختل عندما تظل المرأة بحاجة إلى وصاية حتى الآن.

ومن القهر للمرأة أن تتحمل كل مسؤوليات الأبناء ولا تملك أي صلاحية بشأن حقوقهم المالية، ومن غير المنطقي أن تعيش الأرملة تحت رحمة طرف آخر يتحكم في قراراتها، وعدم النظر إلى أنها معنية بحياة أولادها، وما تفعله الحكومة عدل متأخر.

وظل النقاش الأسري في مصر حول نقل الوصاية من عائلة الأب إلى الأم مباشرة مسألة بالغة الحساسية، فالمجتمع نفسه اعتاد وضع المرأة تحت الرقابة طوال الوقت، كجزء من ميراث فكري قديم، أصبح بحاجة إلى انتفاضة حكومية وسلسلة من الإجراءات والتشريعات التي تنصف النساء وتحصنهن من القهر والابتزاز الأسري.

15