آباء مصريون يرفضون تطوير مهاراتهم في تربية الأبناء

مشاركة الوالدين في رعاية الأطفال يكسر أنماط التربية الخاطئة، وعودة الأب للعب دوره التربوي تخلق التوازن النفسي لدى الأبناء.
الاثنين 2019/02/25
حضور محتشم للدورات التدريبية

يرتبط مفهوم تربية الأبناء بالمرأة في المجتمعات العربية، من دون النظر إلى دور الأب في تحقيق توازن الأسرة عبر المشاركة في وضع أساس تربوي سليم. ومع تدهور السجل الأخلاقي لدى البعض من الأجيال الجديدة، بات الرجل محملا بالقيام بدور أكبر في القرب من أبنائه، من خلال فهم أوسع لأساسيات التربية، وهو ما بدأت في تقديمه بعض المراكز الحكومية والخاصة في مصر، عبر توفير دورات لتعليم الآباء مهامهم الأسرية.

القاهرة  - أكدت الكثير من الدراسات الاجتماعية أن أخصب مراحل عمر الإنسان وأكثرها قابلية للتربية والتكوين هي مرحلة الطفولة والصبا، وتبدأ من سن ثلاثة أشهر حتى إتمام العام السادس. وتعد تلك الفترة الأهم في عمر الطفل الأمر الذي يضع حملا مضاعفا على عاتق الأب والأم باعتبارهما الملقنين المهمين، والمدرسة الإنشائية الأساسية لبناء شخصية الطفل وخط سيره الأخلاقي مستقبلا.

ويؤدي تراجع مفاهيم التربية لدى الكثير من الأسر الراجع لنقص الخبرات وغياب الخلفية العلمية الصحيحة للتعامل مع الطفل وتنشئته الأولى، إلى انعكاسات خطيرة على الأجيال الجديدة ومن ثم المجتمع.

ودفع انتشار دعوات تلقين سبل التربية الصحيحة، وزارتي التعليم والتضامن الاجتماعي والمركز القومي للبحوث وجامعة القاهرة مؤخرا، إلى تقديم دورات ودبلومات بمبالغ رمزية لتعليم أساسيات التربية والرعاية، من ضمنها دورات خاصة للأب وحده، وهو ما أثار الجدل حول دور الأب في التربية وحدود سلطاته وتدخلاته.

وتتداخل الحدود الموضوعة لرب الأسرة بين المسؤولية المادية والإدارية للبيت وتوفير حياة كريمة ومستقرة للأسرة. فيؤثر ذلك على تكوين شخصية الطفل التي تغيب فيها الرؤية الأبوية من حيث المشاعر والتكامل الوجداني، وتصبح الأم المصدر الوحيد لتلقين الطفل وتلبية احتياجاته.

يرى المدرس بكلية التربية في جامعة القاهرة أحمد محفوظ، وأحد المحاضرين في دورات إعداد الأب للتربية، أن تخلي الأب عن مسؤوليته في التربية بحجة انشغاله في العمل وتوفير احتياجات الأسرة المادية أخل بميزان النشأة السليمة للأسرة، التي تتكون من أب وأم يتشاركان في استنباط آلية موحدة لبناء شخصية الأبناء.

التربية مسألة معقدة بالنسبة إلى كل من الأب والأم، وتحتاج إلى متابعة الأبناء بشكل دقيق للتعرف على احتياجاتهم

ويقول محفوظ لـ”العرب” إن “تربية الطفل غاية فطرية خلقنا من أجلها، ولا يجب تجاهلها أو التقليل من أهميتها، ومع نشوء أفكار ثم تحولها إلى قوالب نمطية ثابتة بأن الرجل لا يعيبه سوى عدم توفير المال في بيته، أضحت الأم وحدها هي المسؤولة، فنتج عن ذلك وجود أجيال لديها اختلال حقيقي في فهم وتطبيق معايير الأخلاق في حياتها”.

وتقدم دورات تعليم الآباء، التي تستمر ثلاثة أشهر، مجموعة جلسات نوعية يتم فيها عرض بعض نظريات التربية لكبار العلماء، مثل نظريات دراسة سيكولوجية الرُضع لسغموند فرويد وإريكسون، ونظريات التربية الحديثة لجون واتسون وجون بولبي، بالإضافة إلى دراسة ما يتعلق بالجانب النفسي للصغار ولغة تعبيرهم عن احتياجاتهم النفسية، وطرق تعزيز الابتكار والتفكير لدى الطفل، وتصحيح المفاهيم الخاطئة في التربية، مثل استخدام الضرب والعقاب القاسي والعنف اللفظي ضد الأطفال.

مع حداثة فكرة التركيز على الأب في التربية، لم يزد عدد المقبلين على إحدى الدورات التي حضرتها صحيفة “العرب” عن ستة رجال، وجاء بعضهم مجبرين التزاما بشروط تقديم لوظائف، واثنان فقط اختارا الحضور عن طواعية لفهم طبيعة دور الأب في رعاية صغاره.

وأكد فريد محمود، شاب ثلاثيني، يعمل مهندسا في شركة خاصة، أن الكثير من الظلم يقع على الرجل في تحميله وحده مسؤولية انهيار الأخلاق لدى النشء وخاصة الجيل الجديد، ومع صعوبة الحياة وقسوة الظروف الاقتصادية أضحى الأب في صراع مستمر لتوفير نفقات بيته، إلى درجة أن البعض يعمل في وظيفتين أو يستمر في عمله حتى وقت متأخر، ما زاد الفجوة بين الأب والأبناء.

وحكى فريد لـ”العرب”، أن طفليه في عمر أربعة وستة أعوام، والسبب الذي دفعه للالتحاق بالدورة، شعوره بجفاء العلاقة مع أبنائه وإحساسه بأنه غريب في أعينهم، وفي بعض الأحيان تمر أيام ولا يرونه تماما.

وأضاف أن أصعب المواقف التي مرت عليه عندما اصطدم مع أحد أبنائه ونهره عن فعل شيء خاطئ، فكان رد فعل الابن أن قال له أنه يكرهه بشدة ويتمنى أن يرحل عنهم ولا يعود.

وأشار فريد إلى أن وقع قسوة الكلمات جعله عاجزا عن فعل أيّ شيء، وقرر وقتها أنه لا بديل سوى تحسين العلاقة مع أولاده وتقديم المزيد من الرعاية وتعلم سبل التواصل والتربية الصحيحة.

وتبقى معضلة الآباء عموما مع التربية في تحقيق توازن بين قيامهم بالدور السلطوي ليكون رادعا للأفعال الخاطئة، وممارسة دورهم التنموي، عبر الاقتراب أكثر من الأبناء، وتمضية الوقت الكافي معهم، وتطويعهم نحو أسلوب النقاش والحوار، ليرسخ الثقة بالنفس، ويمنحهم الإحساس بوجود ملاذ آمن يلجأون إليه عندما يصعب عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم.

من أهم القواعد في نجاح أي نظام تربوي في الأسرة، هو التنسيق والتفاهم بين الأب والأم في الموضوعات المرتبطة بالأبناء

وأوضح حسام عزت، مدرس بالمرحلة الابتدائية، حضر الدورة إجباريا للتعيين بمدرسة خاصة، لـ”العرب” أنه لم يكن مكترثا بالفكرة قبل التحاقه بالمحاضرات، لكنه تعرف على أشياء جديدة لم يسمع عنها، أهمها أنه عرف متى يعاقب ابنه، وفي أي وقت يقوم بالتقرب منه وتشجيعه.

ولفت عزت إلى أن التربية مسألة معقدة وصعبة بالنسبة إلى كل من الأب والأم وتحتاج إلى متابعة الأبناء بشكل دقيق للتعرف على احتياجاتهم وخبراتهم التي يعيشونها كل يوم، وبعض تلك الخبرات سيئة ومضرة، والطفل لا يدرك ذلك، وهنا يأتي دور الأب ويصبح مسؤولا عن تصحيح المسار بإكساب أبنائه القدرة على التمييز بين تلك الخبرات ومعرفة الصالح منها والفاسد.

كما يتلقى المشاركون دروسا لفهم أنماط وطبيعة التربية، فتقدم لهم الدورة أمثلة من الواقع، حتى يسهل الأمر ويجعلهم يطبقون ما تعلموه على أسرهم ليروا انعكاس ذلك على سلوك أبنائهم بشكل عام وتأثيره بالإيجاب على العلاقة الأسرية.

ومن أهم القواعد في نجاح أي نظام تربوي في الأسرة، هو التنسيق والتفاهم بين الأب والأم في الموضوعات المرتبطة بالأبناء، والطفل لا يجب أن يرى تناقضا بين ما يقوله الأب والأم.

21