عنف الواقع والاستعارة في "نزهة بحزام ناسف" لكاظم خنجر

الاثنين 2016/10/03
قصائد تعيش عنف الواقع

إن النص عند الشاعر العراقي كاظم خنجر، يخضع لجدلية الخضوع والاحتجاج بقوة، فهو بقدر خضوعه يحتج، إذ بقدر خضوعه لقواعد اللغة يحتج عليها باستعارات تحطمها، وبقدر خضوعه للواقع الذي يصوره بآلات فوتوغرافي ماهر، يحتج عليه بتصوير سريالي قاس يركّب الإنسان في أقصى تدمره وأبشع حالات موته.

وهذا ما تجسد في كتابه “نزهة بحزام ناسف”، إذ نجده وكأنه بهذا يصنع آلات رعب/ قصائد قادمة من الواقع العراقي الموجع. إنه يعيد ربط قصائد النثر بالواقع الحياتي بعدما ابتعدت عنه إلى الهش، فيجرنا بهذا المعنى نحو انعطاف جديد في القصيدة العربية حقّ الوقوف عنده مليا وتتبعه خطوة خطوة. إذ إلى جانب أسماء شعرية عراقية أخرى يحاول هذا الشاعر القادم من جماعة “ميليشيا الثقافة”، أن يكتب قصيدة بقدر ما تصور الواقع العراقي وتعبّر عنه، تبحث عن شعرية خاصة مستقلة في الفضاء الشعري العربي.

يقول “كانوا يخلطون الجثث، وعندما نخرج إلى الساحة العامة في الصباح، كنّا نتيه مثل بصرٍ ضعيف، ونقارب بين الرأس وجثته، ونُدرك في أعماقنا أننا نمنح الرؤوس لجثثٍ لا تعرفها. الآن يرتّبون الجثث، يوحّدون أزياءها، يضعون الرأس على الظهر. أما نحن فما عدنا نخرج، لأن الجثث المرتّبة وصلت إلى ساحات المنازل”.

عمد كاظم خنجر إلى جانب شعراء ميليشيا الثقافة العراقية، إلى جعل الجسد مسرحا بالإضافة إلى الفضاء، لعرض القصائد وتمثيلها، إنه ليس نوعا من التمظهر، حيث يعمد الشاعر إلى إبراز عضلات واهية، بل إنه نوع من فن الأداء الذي يجعل من جسد الفنان (والشاعر فنان) الأداة المثلى للعرض، حيث يمتزج الشاعر / الفنان بفضائه. إنه بهذا المعنى الدقيق “يمسرح القصيدة” ويجعلها تعيش عنف الواقع.

يقول الشاعر في قصيدة أخرى “في الباص أجلستُ الكيس إلى جانبي. دفعت أُجرة لمقعدين (هذه المرة أنا الذي يدفع). اليوم كبرتُ بما فيه الكفاية كي أحملكَ على ظهري وأدفع عنك الأجرة”. ومن جانب آخر يلعب السرد الدور البارز في كتابة قصائد ديوان “نزهة بحزام ناسف”، الصادر عن دار مخطوطات، حيث يأتي ضمير المتكلم أبرز فاعل داخل النص، إذ يصير السارد /الشاعر هو نفسه عين الكاميرا/ آلة العرض والسرد. إنه بهذا يجعل الذات الشاعرة فاعلا ركيزا داخل البناء الشعري، مما يصبغ على القصائد قوتها. ويذهب عبر السرد الشعري إلى تصوير الواقع عبر آلة شعرية حادة تشبه شفرة الحلاقة. يقول “نحن العراقيين/ الجنود الأميركان في الهليكوبتر يرمون المناشير بسواعد موشومة على نسائنا النائمات فوق السطوح/ نحن العراقيين/ يومياً على الفطور تضع أمهاتنا لنا الطائفية في الصحون، نأكل منها حتى نبلغ أفواهنا/ نحن العراقيين/ نصنع أبواب بيوتنا من الحديد لنصدأ خلفها (…)“.

يسرد علينا الشاعر هنا في قصيدته “نحن العراقيين”، عبر قالب شعري غارق في المأساة، الأحوال العراقية وما عرفته من أثر حالة الحرب، وذلك منطلقا من الحرب الأميركية العراقية (الأخيرة) مرورا بالطائفية التي يصورها عبر استعارة تنتقل من خاصية الإنارة، حيث يقوم الشاعر بـ”تطبيع جملة غريبة المحتوى الدلالي، ويحولها إلى جملة توكيدية تنقل إلينا، في غرابتها، رؤية عميقة”، إلى خاصية المبالغة، كما يحددها جان جاك لوسكل في مؤلف “عنف اللغة” حيث يصير التصوير الكاريكاتوري للواقع عبر سخرية منه، دالا قويا على عنفه. إذ يقول الشاعر “نحن العراقيين/ نصنع أبواب بيوتنا من الحديد لنصدأ خلفها./ نحن العراقيين/ نطلق النار عندما يموت أحدنا حتى نقتل الآخر”.

فيكفي، هنا وبعد كل هذا، القول إن اللغة هي مجموعة من استعارات تتوالد لندرك عنفها وقوتها، إذ هي التي تتكلم، إلا أن “الشاعر يتكلم فعلا في اللحظة ذاتها التي يدع فيها اللغة تتكلم”، فهو يتكلّمها في الاستعارة، فاللغة تقود الشاعر ويقودها بهذا المعنى، إلا أنه “يحتج” عليها ويلعب بقيودها، عبر الاستعارات التي تتوالد على طول القصيدة. هنا في ديوانه “نزهة بحزام ناسف” يذهب الشاعر كاظم خنجر إلى الخوض في صراعات مع اللغة لتطاوعه محتجّا بها على واقع عنيف، استعارات يجعل منها أداة تكبير (zoom) لرصد الواقع عبر عين سريالية تواري المعنى خلف استعارة فاضحة.

15