أحمد أبوهشيمة رجل أعمال عابر لتقلبات العصور

القاهرة - قبل حوالي سبع سنوات بدأ اسم رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة يتردّد على مسامع الرأي العام، بعدما كان معروفا في نطاق محدود باعتباره لاعبا صغيرا في صناعة الحديد التي كانت خاضعة بالإجمال لسيطرة ما سمّي بالأخطبوط التجاري أحمد عزّ القريب آنذاك من جمال مبارك الوريث المنتظر.
وقتها تردّد اسم أبوهشيمة الذي كان قد أتمّ لتوّه عامه الرابع والثلاثين (مواليد 1975) ليس بسبب أعماله الناجحة، وإنما لأنّ الصحف بثت خبر زواجه من المغّنية والفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، وهو أمر أثار الكثير من الجدل في الرأي العام.
انقسم النّاس بين مرحّب بالزواج، باعتباره أمرا شخصيا يخصّ طرفيه طالما أنّهما لم يرتبكا خطأ ما، بينما رأى فيه آخرون تكرار لظاهرة الارتباط السلبي بين المال والنجومية.
ما أشعل نيران الغضب أن آخر علاقة عاطفية بين رجل أعمال مصري ومطربة لبنانية كانت تلك التي جمعت هشام طلعت مصطفى مع المغنية سوزان تميم وانتهت بمقتلها في دبي وسجن هشام بالسجن المشدد لتورطه في تدبير الجريمة، بحسب حكم القضاء المصري.
أبواب النفوذ
مرور السنوات كشف الذكاء الخارق الذي يتمتع به رجل الأعمال الشاب، إذ أن ارتباطه بالفنانة المشهورة كان خطوة إيجابية في مجال عمله مثل عديد من الخطوات التالية في مجالات مختلفة جعلت منه رجل الساعة في مصر في الوقت الحالي.
كان الزواج الذي لم يدم أكثر من 4 سنوات مدخلا مهما لرجل الأعمال نحو الشهرة المجتمعية بعد أن كان معروفا فقط في نطاق محدود، وهي شهرة سهّلت عليه طرق أبواب الثروة والنفوذ في مجتمع يؤثر فيه الإعلام بعمق.
في نفس الوقت أدار الرجل علاقة زواجه بشكل محترم وحرفي، لدرجة أن وسائل الإعلام الفضولية لم تتمكن من نشر خبر واحد عن حياته الزوجية مع هيفاء، بعكس الكثير من العلاقات المشابهة بين رجال أعمال وفنانات، حتى أنه وقت الانفصال، حرصت هيفاء على نشر بيان مشترك مختصر على صفحتها على فيسبوك، أعلن فيه الزوجان انفصالهما لأسباب خاصة، وأنهما أعلنا ذلك احتراما للإعلام والرأي العام ويتمنيان في المقابل أن يحترم الناس خصوصياتهما بعدم الحديث في الأمر أو الاجتهاد في تفسير أسبابه. في ذلك الوقت من العام 2012 اجتهدت وسائل الإعلام في تفسير التصرف الإعلامي الذكي لرجل الأعمال الشاب ونجاحه مع طليقته الفنانة المعروفة في إخفاء حياتهما الخاصة بعيدا عن فضول الإعلاميين.
ظهرت وقتها نظرية راجت بقوة في الأوساط الإعلامية، مفادها أن تصرف أبوهشيمة كان عفويا بدافع من تربيته المحافظة في أسرة مصرية حريصة على العادات والتقاليد ومنها عدم الحديث عن أسرار الحياة الزوجية على الملأ.
خرجت بعض الصحف بتصريحات لوالدته السيدة ليلى نور تؤكد نفس النظرية، حيث قالت إنها ربّت ابنها على احترام حياته الخاصة وزوجته لدرجة أنها نفسها لا تعرف شيئا عن زواجه.
لكن في الفترة الأخيرة تبين أن ما حدث كان انعكاسا لاستراتيجية أبوهشيمة العبقرية في التعامل مع الإعلام، فهو يأخذ منه أكثر بكثير مما يعطي، كما أنه لا يسعى وراءه تحت أيّ ظرف، مفضلا الانتظار حتى الوقت المناسب.
خطوته التي اعتبرت بمثابة قفزة عملاقة، هي حينما أقدم على تمويل حملة إعلانية في نيويورك حملت عنوان «مصر الجديدة} وواكبت زيارة السيسي الأولى لأميركا العام الماضي، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة
رغم ملكيته لحصص في بعض وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، حافظ رجل الأعمال الشاب على المسافة التي فرضها بينه وبين الإعلام، وظل نادر الظهور في وسائله إلا في الوقت الذي يناسبه وللحديث عن موضوعات يرى أن التطرق إليها يخدم أهدافه.
مثلما نجح في توظيف زواجه من هيفاء لتعزيز أعماله وتوغّله في عالم المال والأعمال، وهو بالتحديد عكس ما حدث مع آخرين، فمالك قنوات “أون تي في” الجديد ينجح في توظيف ملكيته لوسائل الإعلام لتقريب المسافة بينه وبين السلطة السياسية في الدولة بأجهزتها المختلفة، على النقيض مما فعله سلفه نجيب ساويرس الذي كلفته فترة ملكيته للقناة ذاتها خسارة جزء كبير من رصيده لدى الدولة.
تهمة رجل الواجهة
شاع بين الأوساط الإعلامية المصرية وقت صفقة بيع “أون تي في” أن أبوهشيمة واجهة لأجهزة سيادية في الدولة ساهمت في تمويل صفقة الشراء لضمان إسكات القناة، التي مثلت في وقت ما عنصر إزعاج للقيادة السياسية.
ثم جاء الإعلان عن تغير إستراتيجية القناة ليؤكد صحة ما تردّد، حيث أعلن تحوّلها من قناة إخبارية بالأساس إلى قناة منوعات شاملة تهتم بمباريات الكرة والدراما والبرامج الخفيفة.
كما ربطت التكهنات بين الصفقة وصفقتي استحواذ أبوهشيمة نفسه على 51 بالمئة من أسهم شركة “بريزنتيشن” مالكة حقوق دوري كرة القدم المصري، ثم استحواذه على 50 بالمئة من أسهم شركة مصر للسينما.
توالي الصفقات في أيام قليلة في بداية الصيف الحالي أضاف زخما لما قيل عن تعاون أبوهشيمة مع أجهزة سيادية، كونه أشار إلى أن هذه الصفقات لم تجر لها دراسة جدوى حقيقية مثلما كان يتوقع أن يفعل رجل أعمال ناجح، ما يقود بالتالي للاعتقاد أنه لم يقم بتمويلها بنفسه، أو على الأقل يضمن أنه لن يتحمل خسائرها -إن حدثت- بمفرده.
|
المفارقة أن استخدام تعبير الرجل الواجهة لم يكن جديدا في وصف أبوهشيمة أو الهجوم عليه وإنما سبق استخدامه ضده قبل ذلك بسنوات وتحديدا خلال فترة حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي. فقد علا نجم أبوهشيمة بقوة وقتها، وكان غريبا على كثيرين أن يضع قادة الإخوان الذين يقدمون أنفسهم باعتبارهم نواب الله على الأرض أياديهم في يد رجل أعمال كان متزوجا من فنانة.
في تلك الفترة دخل أبوهشيمة في شراكة تجارية مع رجل أعمال قطري من عائلة آل ثاني، وقيل وقتها إنه كان مجرد واجهة لفتح المجال أمام قطر للسيطرة على الاقتصاد المصري، حسبما كان يتردّد ضمن حملات الهجوم على الإخوان.
الأمر اللافت هو قدرة الصناعي الشاب في الخروج من كل المآزق ليس فقط بسلامة، وإنما بنجاح منقطع النظير في الاستفادة منها لتعزيز وضعه وأعماله، رغم اختلاف الظروف السياسية والمزاج العام في كل منها.
هذه القدرة التي حيّرت الكثيرين يرى البعض أنها لا تحتمل سوى واحد من تفسيرين، أولهما أنه رجل عبقري وداهية يرتدي وجها بريئا دائم الابتسام، وثانيهما أنه مجرد دمية في يد أيّ سلطة تحركها في الاتجاه الذي تريده.
ربما لا يعرف كثيرون أن أحمد أبوهشيمة لعب كرة القدم على مستوى احترافي في صفوف فرق الشباب بأندية المصري والترسانة والمقاولون، وكان لاعبا بارعا بحسب مدربه في المقاولون الكابتن علاء نبيل، الذي كان يتوقع له مستقبل كروي مشرق.
بدا حينها أن الكرة هي كل ما يشغل الشاب الطموح، حيث كان يقضي ساعات طويلة بعد المران للتدرب على إجادة تسديدات معينة، لكن أبوهشيمة توقف فجأة عن لعب الكرة نهائيا وهو في فريق الشباب تحت 21 عاما.
كان من الواضح أن الشيء الوحيد الذي احتفظ به أبوهشيمة من سنوات احترافه كرة القدم هو مهاراته الفريدة في المراوغة والوصول إلى الهدف من أسهل الطرق.
فقد استفاد في ذلك الوقت من علاقته كلاعب بفريق المصري برجل الأعمال البورسعيدي ورئيس النادي السابق الراحل الحاج عبدالوهاب قوطة أحد أكبر تجار حديد التسليح في مصر، الذي تبناه تجاريا وقرّر أن يعلّمه أسرار المهنة.
قبل ذلك بسنوات كان أبوهشيمة انتقل للإقامة في المدينة الحرة “بورسعيد” كما يلقبها المصريون بسبب ظروف عمل والده اللواء حمدي أبوهشيمة ضابط الشرطة الذي تولى رئاسة أمن ميناء بورسعيد لعدة سنوات.
|
خلال تلك السنوات تمكن الشاب بقدراته الشخصية من الالتحاق بفريق الكرة بالمصري، كما أنشأ شبكة علاقات اجتماعية واسعة مع رموز بورسعيد من المسؤولين ورجال الأعمال، سواء معهم بشكل مباشر أو من خلال صداقاته بأبنائهم مثلما حدث بصداقته الوطيدة بنجلي قوطة.
خلال سنوات قليلة كوّن أبوهشيمة شركته الخاصة عام 2010 وأسماها “حديد المصريين” ليحتكر من خلالها ما نسبته 7 بالمئة من إنتاج حديد التسليح في مصر، وهي نسبة رغم ضآلتها عكست نجاحه في ترويض أحمد عز.
في تبريره لسرّ القرب والثقة الشديدة التي ربطت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والكاتب الصحافي الراحل مؤخرا محمد حسنين هيكل، قال الكاتب صلاح منتصر إنه في الوقت الذي كان كل الصحافيين يتعاملون مع ناصر باعتباره مصدرا ويسعون للحصول على معلومات منه، قدم هيكل نفسه باعتباره مصدر معلومات الرئيس.
الوقت المناسب
دون أن يعرف القصة أو ربما سمع عنها وتأثر بها، أعاد أبوهشيمة نفس التفاصيل في إدارته لعلاقته بالدولة والسلطة السياسية فيها، ليقدم نموذجا فريدا في التعامل يستحق التوقف.
فعقب ثورة 30 يونيو 2013 توارى الرجل تماما عن الحياة العامة، وابتعد عن التصريحات إدراكا منه لحساسية وضعه في ذلك الوقت بسبب قربه الصاخب من قيادات جماعة الإخوان وعلى رأسهم القياديان خيرت الشاطر وحسن مالك.
بالتأكيد أدرك أبوهشيمة أن دفاعه بأيّ شكل عن مرسي أو فترة حكمه سيكون خطيئة عصية على الغفران العام، مثلما أن تسابقه على كيل الإدانات لنفس الحكم سيكون نوعا من النفاق السياسي باهظ التكلفة. لذلك اتخذ الصناعي الشاب طريقا ثالثا ثبت نجاحه الهائل، فقد قرر دعم النظام دون أن يعلن عن ذلك أو ينتظر المقابل موقنا أن ذلك المقابل سيأتي في وقت ما وسيكون أكثر سخاء بكثير ممّا يمكن أن يحصل عليه المتكالبون.
لكن أبوهشيمة بذكائه التقط طرف الخيط الذي ألقاه الرئيس عبدالفتاح السيسي لرجال الأعمال وقرر أن ينسج منه طريقا حريريا لكسب ثقة الرئيس وأجهزته، فكان أول المبادرين بدعم الحملات الخيرية للجمعيات المختلفة، سواء لعلاج المرضى أو توفير البطاطين وبناء مساكن في القرى وتوصيل المياه النظيفة وما إلى ذلك.
كانت خطوته التالية دعم النظام نفسه من بعيد، فأقدم على التبرع بمبالغ كبيرة لحزب “مستقبل مصر” الذي يرأسه الشاب محمد بدران القريب من السيسي، دون أن يسعى للتدخل من قريب أو بعيد في سياسيات الحزب، واكتفى بالإعلان أن تبرّعه لا هدف له سوى دعم تجربة السياسي الشاب فقط.
ثم كانت خطوته الثالثة بمثابة قفزة عملاقة حينما أقدم على تمويل حملة إعلانية في نيويورك حملت عنوان “مصر الجديدة” وواكبت زيارة السيسي الأولى لأميركا العام الماضي كرئيس للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لاقت الحملة الإعلانية استحسانا على نطاق واسع لأنها ساهمت بشكل كبير في التصدي للوقفات الاحتجاجية وحملات المعارضة التي نظمها الإخوان للرئيس المصري في نيويورك.
حصد أبوهشيمة كل الثناء السياسي والإعلامي على مبادرته التي لم يفكر فيها أحد من رجال الأعمال المنافسين. لدرجة أن العديد من مقدمي برامج التوك شو السياسي تباروا في الإشادة بوطنيته واعتبروه نموذجا لرجل الأعمال الذي تحتاجه مصر.